"مطاردة الحالمين".. اعتقالات جماعية تطول مئات المهاجرين قرب طرابلس
"مطاردة الحالمين".. اعتقالات جماعية تطول مئات المهاجرين قرب طرابلس
لم يكن صباح السبت عادياً في حي السبعة، أحد الأحياء الواقعة في ضواحي العاصمة الليبية.. فبدل أن تستيقظ رائحة الخبز على صوت الباعة، أفاق المهاجرون على وقع خطوات ثقيلة، وعصيٍّ تدقّ الأبواب الحديدية، وأوامر صادرة من مكبرات الصوت: "اخرجوا.. هذه عملية أمنية!".
هكذا بدأت عملية مداهمة غير مسبوقة، نُفذت عند الفجر باعتقال ما يقارب 1500 مهاجر غير نظامي من جنسيات مختلفة –مصريون، وسودانيون، وتشاديون، وآخرون من إفريقيا جنوب الصحراء- أُخرج بعضهم حفاة، آخرون بالكاد تمكنوا من جمع وثائقهم، فيما غابت المستندات عن معظمهم أصلًا، بحسب ما ذكر موقع "مهاجر نيوز".
لسنوات، عاش هؤلاء المهاجرون في مبانٍ متداعية، حولوها إلى منازل مؤقتة بجهد جماعي، أنشؤوا دكاكين بسيطة، وملحمة، وبسطات للخضراوات.. في انتظار فرصة عمل أو طريق للهروب نحو أوروبا.
بالنسبة لهم، كان هذا الحيّ مجتمعًا صغيرًا، مؤقتًا، لكنه "آمن نسبيًا" مقارنة بما شهدوه من عنف في الطريق إلى ليبيا.
لكن هذا "الأمان النسبي" انهار في ساعات، تم اقتيادهم إلى مراكز احتجاز تابعة لجهاز مكافحة الهجرة، بانتظار ترحيل محتمل، أو مصير مجهول آخر.
حملة لمواجهة الفوضى
في تصريحات رسمية، قال وزير العمل الليبي علي العبد إن الحملة تهدف إلى مواجهة "الفوضى"، وإن الموقوفين لا يحملون تصاريح إقامة، ولا جوازات سفر، ولا سجلات صحية، ما يجعلهم "خارجين عن القانون"، لكن خلف الأبواب الرسمية، أصوات كثيرة ارتفعت بالتشكيك.
الناشط الحقوقي طارق لملوم وصف الحملة بأنها "استعراضية"، مؤكدًا أن المشكلة لا تُحل بمداهمات الفجر، بل بإصلاح هيكلي في قوانين العمل ومحاسبة المتورطين من الداخل، خصوصًا أولئك الذين يجنون الملايين من تأجير مساكن غير قانونية للمهاجرين.
أما الباحث السياسي محمد محفوظ فذهب إلى أبعد من ذلك، متسائلًا عن أهداف الحملة في ظل غياب خطة وطنية واضحة، واستمرار الانقسام السياسي بين شرق البلاد وغربها.
3 إلى 4 ملايين مهاجر
تقول السلطات الليبية إن عدد المهاجرين غير النظاميين في البلاد يتراوح بين 3 و4 ملايين، معظمهم يتخذ من ليبيا نقطة عبور نحو الحلم الأوروبي.
ومع ضعف السيطرة الأمنية وتعدد الجهات الحاكمة، تحولت البلاد إلى أرض خصبة لشبكات تهريب البشر، التي تستغل الضعف والفقر والحرب لإحكام سيطرتها.
ويؤكد تقرير للمنظمة الدولية للهجرة أن أكثر من 867 ألف مهاجر تم توثيقهم في ليبيا حتى أبريل 2025، ينتمون إلى 44 جنسية، من بينهم سودانيون ونيجيريون ومصريون وتشاديون.
طرقات الموت.. ومقابر الصحراء
في الجنوب، تتسرب القصص المروعة من مناطق مثل الكفرة والحدود الليبية–السودانية، تم الكشف عن مقابر جماعية لمهاجرين أفارقة، يعتقد أنهم قضوا بسبب العطش أو القتل على أيدي مهربين.
رغم ذلك، لا يتوقف تدفق السودانيين الفارين من أتون الحرب في دارفور، ولا تتراجع عزيمة من قطعوا آلاف الكيلومترات من بلدانهم، على أمل عبور المتوسط.
أكثر من 27,000 مهاجر انطلقوا من ليبيا إلى السواحل الإيطالية منذ بداية العام، مقابل نصف هذا الرقم تقريبًا العام الماضي، اليونان بدورها نشرت سفنًا حربية واحتجزت المهاجرين، في تحول دراماتيكي يزداد تشددًا مع تصاعد الخطاب الشعبوي.
بين الترحيل والنسيان
في شرق ليبيا، حيث أعلنت السلطات ترحيل 700 مهاجر سوداني إلى بلادهم منتصف يوليو، تبرز معضلة أكبر: هل العودة إلى بلد تمزقه الحرب تُعدّ "حلاً إنسانيًا"؟
هؤلاء المرحّلون غالبًا ما يُتركون عند الحدود، ليواجهوا مصيرًا قاسيًا دون ضمانات، ويقع كثيرون مجددًا ضحية لشبكات التهريب ذاتها.
لم يتمكن صوت محمد، شاب نيجيري في الثلاثين من عمره، من الوصول إلى الصحافة، لكنه قال في رسالة حصل عليها ناشط حقوقي: "كنا ننام بين القمامة ونعمل في البناء، لم نسرق، لم نؤذِ أحدًا.. فقط نريد أن نعيش."
صوته، كأصوات آلاف غيره، قد لا يصل إلى مؤتمرات السياسة، لكنه يظل شاهدًا على أزمة إنسانية لا يُراد لها أن تُروى.