تقرير دولي: إفريقيا تخسر 88 مليار دولار سنوياً «تدفقات مالية غير مشروعة»
تقرير دولي: إفريقيا تخسر 88 مليار دولار سنوياً «تدفقات مالية غير مشروعة»
أصبحت قضية الديون السيادية مرتبطة ارتباطاً لا ينفصل عن التمويل المناخي، فالبلدان التي تعاني بالفعل من مستويات الديون تجد أنفسها ضعيفة بدرجة متزايدة إزاء المطالب المالية للعمل المناخي، ومع تصاعد الكوارث الطبيعية بسبب تغير المناخ، كثيراً ما تضطر الحكومات إلى اقتراض مزيد من الأموال لتحقيق التعافي وإعادة البناء، ما يؤدي إلى تفاقم أزمات الديون القائمة.
جاء ذلك في تقرير الخبيرة المستقلة المعنية بآثار الديون الخارجية للدول، وما عليها من التزامات مالية دولية أخرى ذات صلة، في التمتع الكامل بجميع حقوق الإنسان، وخاصة الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، عطية واريس، المقدم لمجلس حقوق الإنسان في دورته الـ58 التي تتواصل فعالياتها حتى 4 أبريل المقبل، واطلع "جسور بوست" على نسخة منه.
ومما يزيد من تفاقم الحلقة المفرغة لتراكم الديون والضعف المناخي الاعتماد على القروض لتمويل المشاريع المناخية بسبب عدم وفاء الدول المانحة بتعهداتها، وفي بعض الحالات، تضطر البلدان إلى الاقتراض من أجل التعافي من آثار تغير المناخ، لتصبح بذلك أكثر مديونية وهي تواجه المتطلبات المالية لتنفيذ خطط العمل المناخي، وهي تصبح كذلك أحيانا بسبب انتهاء الأمر بالبنية التحتية التي جرى بناؤها إلى التعرض للتدمير نتيجة للأحداث التي يسببها تغير المناخ. بحسب التقرير.
وقالت واريس، إن لأزمة الديون المستمرة آثاراً شديدة على حقوق الإنسان؛ فكثيراً ما تضطر البلدان النامية إلى اعتماد تدابير تقشفية يفرضها الدائنون الدوليون، ما يؤدي إلى تخفيضات في الخدمات العامة بالغة الأهمية، بما في ذلك الصحة والتعليم والحماية الاجتماعية، وتؤثر هذه التدابير بشكل غير متناسب على الفئات السكانية الضعيفة، وخاصة النساء والأطفال والمجتمعات المهمشة.
وتؤدي سياسات التقشف المرتبطة بالتزامات تسديد الديون إلى تفاقم انعدام المساواة والفقر والاضطرابات الاجتماعية، ما يزيد من صعوبة تنفيذ البلدان استراتيجيات التكيف مع المناخ، وعلى سبيل المثال، واجهت بلدان مثل اليونان والأرجنتين ردود فعل اجتماعية شديدة بسبب المصاعب الاقتصادية الناجمة عن تدابير التقشف، والتي تشمل تخفيضات في إنفاق القطاع العام وخصخصة الخدمات الأساسية.
وأضافت واريس، أن النظام المالي العالمي الحالي يديم أوجه انعدام المساواة البنيوية التي تؤثر بشكل غير متناسب على الدول النامية. وهذه تشمل الاختلالات التجارية، وفخاخ الديون، والعجز في الطاقة، والانسدادات التكنولوجية.
وعلى سبيل المثال، فإذا كانت إحدى الدول مستحقة لتمويل مناخي بمبلغ 100 دولار فبدلاً من دفع 100 دولار ببساطة من دول الشمال العالمي إلى تلك الدولة، فما هو متوقع عملياً هو أن تتلقى الدولة المستحقة للمئة دولار 3 دولارات فقط، تصرف على 12 قسطاً على مدى أربع سنوات، مع اقتران ذلك بشروط صارمة.
وتابعت بقولها: هذه الشروط تشمل متطلبات تتعلق بمؤشرات الأداء الرئيسية والشفافية والمساءلة وتقديم تقارير فصلية، تحت التهديد بتعليق الصرف.. وبعد ذلك يجري تقديم قرض بقيمة 7 دولارات بأسعار فائدة ميسرة، وإن كانت مقترنة بشروط تقييدية بشأن الكيفية التي يمكن بها استخدام الأموال.
وحذّرت الخبيرة المستقلة من الآثار الخطيرة لأزمات الديون على حقوق الإنسان في الدول النامية.. فكثيراً ما تسدد مدفوعات الديون على حساب الخدمات العامة الأساسية مثل الرعاية الصحية والتعليم والحماية الاجتماعية، ما يؤثر بشكل غير متناسب على الفئات السكانية الأكثر ضعفاً، بمن في ذلك النساء والأطفال والمجتمعات المهمشة.
وأشارت إلى أن صندوق النقد الدولي والبنك الدولي يفرضان تدابير تقشفية كشروط للحصول على القروض، بما في ذلك خفض الإنفاق العام وخصخصة الخدمات الأساسية، وهذا يقوض قدرة الحكومات على دعم الحقوق الاجتماعية والاقتصادية، حيث تعاني نظم الرعاية الصحية، على سبيل المثال، من نقص التمويل، وتصبح إمكانية الالتحاق بنظم التعليم غير متاحة للأسر الفقيرة.
وتمثل مقايضة الديون بالمناخ أحد الحلول الممكنة للعلاقة بين الديون والمناخ، وفي ظل هذه الترتيبات، يجري الإعفاء من جزء من ديون الدولة مقابل الالتزام بحفظ البيئة أو بمشاريع الطاقة المتجددة أو بالاستثمارات المحققة للمرونة في التكيف مع المناخ.
وعلى سبيل المثال، تفاوضت بليز بنجاح على هذه المقايضات، حيث جرى تخفيض ديونها مقابل الالتزام بحماية الموارد البحرية والحرجية. بيد أن مستوى النجاح يتفاوت في ما يبدو.. فعلى سبيل المثال، لم تتمكن بربادوس من التفاوض على الفائدة إلا لمدة عام واحد فقط في مقايضتها، ونتيجة لذلك، لا تزال الصيغة غير واضحة وتبقى المفاوضات تعقد خلف الأبواب المغلقة، ما يجعل من الصعب تقييم العدالة في هذه العملية.
وقالت الخبيرة المستقلة، إنه يوجد حل آخر يتمثل في إلغاء الديون. فإلغاء ديون البلدان الشديدة التأثر بتغير المناخ، وخاصة تلك التي تسهم بأقل قدر في تغير المناخ، هو ضرورة أخلاقية واقتصادية، وينبغي ألا يتوقع من البلدان أن تتحمل عبء الديون وتغير المناخ معاً دون الحصول على تعويض أو دعم كافٍ.
وتمثل التدفقات المالية غير المشروعة استنزافاً كبيراً لموارد البلدان النامية، ما يمنعها من تمويل المشاريع المناخية الحاسمة الأهمية.. وتشتمل التدفقات المالية غير المشروعة على الأموال المغسولة أو المخبأة في ملاذات ضريبية أو التي يجري إصدار فواتير غير صحيحة بها في التجارة، فوفقاً لمؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية (الأونكتاد)، تخسر إفريقيا وحدها أكثر من 88 مليار دولار سنوياً في صورة تدفقات مالية غير مشروعة، وهو ما يكفي لتغطية ما يقرب من نصف احتياجات التمويل المناخي السنوية في المنطقة.