حرائق بوليفيا تدفع المزارعين للاختيار بين الزراعة وإعادة التشجير
حرائق بوليفيا تدفع المزارعين للاختيار بين الزراعة وإعادة التشجير
بعد أقل من عام على أسوأ حرائق غابات شهدتها بوليفيا، يواجه المزارعون معضلة حاسمة، إما مواصلة إشعال النيران لتنظيف الأراضي للزراعة أو الانخراط في جهود إعادة التشجير لمواجهة تفاقم الجفاف.
وذكر المعهد البوليفي لأبحاث الغابات، اليوم السبت، أن النيران التهمت 10.7 مليون هكتار من الغابات الاستوائية الجافة في شرق البلاد العام الماضي، وهي مساحة تعادل حجم البرتغال، وفق وكالة "فرانس برس"
ورغم أن هذه الحرائق لم تحظَ باهتمام دولي مماثل لتلك التي اندلعت في البرازيل المجاورة، فإنها تسببت في مقتل أربعة أشخاص على الأقل، وفقًا للسلطات البوليفية، وأسهمت في ارتفاع غير مسبوق لمستويات التلوث الكربوني، بحسب هيئة مراقبة المناخ التابعة للاتحاد الأوروبي.
الزراعة والحرائق المتكررة
ترجع هذه الحرائق إلى عمليات حرق خاضعة للسيطرة يستخدمها المزارعون لتنظيف الأراضي، لكنها تخرج عن نطاق السيطرة بسبب الجفاف المستمر الذي يعزوه العلماء إلى تغير المناخ.
وتدرك المزارعة خوليا أورتيس، البالغة من العمر 46 عامًا، مخاطر هذه الممارسات، حيث اضطرت وعائلتها قبل خمس سنوات إلى قضاء ليلة كاملة في محاولة لإخماد حريق أشعلوه بأنفسهم.
وقالت أثناء حصادها محصول السمسم: "نضطر إلى إشعال الحرائق، لأن معظمنا يعيش على الزراعة".
تأثير على الأمن الغذائي
حرائق العام الماضي كانت أشد فتكًا من سابقاتها.. ففي قرية سانتا آنا دي فيلاسكو، فقدت المزارعة كارمن بينا، البالغة 59 عامًا، محاصيلها من الموز واليوكا، وقالت بحسرة، "لا أعرف كيف سنصمد لأن طعامنا ينفد".
ومع بدء نمو براعم خضراء جديدة في الأراضي المحترقة، تواصل بعض الحرائق الاشتعال، إذ يواصل المزارعون إزالة النباتات لزراعة محاصيل جديدة، مما يفاقم أزمة إزالة الغابات.
ووفقًا لتقرير المعهد البوليفي لأبحاث الغابات، فإن 63.6% من الأراضي المتضررة العام الماضي كانت ضمن مناطق غابات، ما يشير إلى "ضغوط قوية لتوسيع الأراضي الزراعية".
غياب البدائل والمعدات الزراعية
يتهم خبراء البيئة الحكومة البوليفية بالتساهل مع إزالة الغابات، من خلال العفو عن المسؤولين عن الحرائق ومنحهم تمديدات للامتثال للقوانين البيئية.
ويرى ديفيد كروز، المتخصص في تغير المناخ بجامعة مايور دي سان أندريس في لاباز، أن الدولة تسهم في تدمير الغابات عبر سياساتها المتساهلة.
وترى أورتيس أن الحرائق هي الخيار الوحيد أمام المزارعين لتطهير الأراضي في ظل غياب المعدات الزراعية الثقيلة، وأوضحت: "لو كان لدينا جرارات، لما اضطررنا إلى إشعال النيران".
لكن تكلفة الجرارات مرتفعة، وحتى تلك التي تملكها البلدية تحتاج إلى إصلاح، مما يجعل الزراعة البدائية القائمة على القطع والحرق الخيار الوحيد.
مبادرات لإعادة التشجير
في ظل استمرار الجفاف الذي يهدد المحاصيل، لجأت مجموعة من النساء في سانتا آنا إلى مبادرة لإعادة زراعة الأشجار، مستلهمات تجربة نيبالية في استعادة الغطاء النباتي.
وتحضّر النساء كرات صغيرة من التربة محشوة ببذور الأشجار المحلية، تُعرف باسم "بومبيتاس" أو "القنابل الصغيرة"، يتم إسقاطها بواسطة طائرات مسيرة على مساحة 500 هكتار من الأراضي المتدهورة.
وتحظى هذه المبادرة بدعم من منظمة "سويسكونتاكت" السويسرية غير الحكومية ومؤسسة "فليدس" البوليفية، حيث سيتم نشر 250 ألفًا من هذه "القنابل" ابتداءً من مارس.
ويأمل المزارع وخبير الغابات خواكين سوريوكو أن تسهم هذه الجهود في الحفاظ على رطوبة التربة، قائلًا: "بدون الغابات، لن يكون لدينا مياه".
ويرى ماريو ريفيرا، مدير مؤسسة "فليدس"، أن حرائق العام الماضي كانت بمثابة جرس إنذار لضرورة وقف ممارسات إزالة الغابات، مؤكدًا أن الكارثة "ساعدت بطريقة ما في زيادة الوعي".