اليوم الدولي للمرأة في ظل الأزمات.. اللاجئات يعانين التهميش رغم شعارات التمكين
اليوم الدولي للمرأة في ظل الأزمات.. اللاجئات يعانين التهميش رغم شعارات التمكين
في خضم الأزمات الإنسانية التي يشهدها العالم اليوم، تتعرض النساء اللاجئات لانتهاكات جسيمة لحقوقهن الأساسية، ما يجعلهن من أكثر الفئات تهميشًا وضعفًا. ففي تقرير حديث للأمم المتحدة صدر في مارس 2025، تبين أن حقوق النساء والفتيات تتعرض لهجوم متزايد، حيث أظهرت نحو ربع الحكومات حول العالم تراجعًا في المساواة بين الجنسين العام الماضي، ما يعوق تنفيذ برنامج العمل المنبثق عن المؤتمر العالمي المعني بالمرأة في بكين عام 1995.
يأتي هذا الواقع المرير في وقت يحتفل فيه العالم بيوم المرأة الدولي، وهي المناسبة التي يفترض أن تكون محطة لتقييم التقدم المحرز في مجال حقوق المرأة، لكنها تحولت بالنسبة لملايين اللاجئات إلى مجرد تذكير بواقعهن القاسي.
وفي حين تتعالى الأصوات في المؤتمرات الدولية للمطالبة بتمكين المرأة وتحقيق العدالة الجندرية، تستمر معاناة النساء اللاجئات في صمت، دون أن تحظى قضاياهن بالاهتمام الكافي. إن الاحتفال الحقيقي بيوم المرأة يجب أن يتجاوز الشعارات إلى سياسات حقيقية تحمي النساء الأكثر ضعفًا، وتضمن لهن حقوقهن الأساسية في الأمن، والتعليم، والرعاية الصحية، والعمل اللائق، بعيدًا عن الاستغلال والعنف والتمييز.
ويشير التقرير إلى أن العنف ضد النساء والفتيات ما يزال مستمرًا بمعدلات مقلقة، حيث تعرضت 736 مليون امرأة، أو واحدة من كل ثلاث نساء، مرة واحدة في حياتهن لعنف جسدي أو جنسي على يد شريك، أو لعنف جنسي على يد معتدٍ آخر كما ارتفعت حالات العنف الجنسي المتعلقة بالصراع بنسبة 50% منذ عام 2022 بالإضافة إلى ذلك، تم قتل سيدة أو فتاة كل 10 دقائق على يد شريكها أو فرد من الأسرة.
في مخيمات اللجوء، تتعرض النساء لانتهاكات متعددة، يأتي في مقدمتها الاتجار بالبشر تشير منظمة العمل الدولية إلى أن 70% من ضحايا الاتجار بالبشر على مستوى العالم هم من النساء والفتيات، وأن نسبة كبيرة من هذه الحالات تحدث في مناطق النزاع ومخيمات اللجوء، في مخيمات مثل تلك الموجودة في اليونان ولبنان وبنغلاديش، تتعرض النساء لخطر الوقوع في شبكات الاتجار بسبب غياب الحماية القانونية والاقتصادية.
العنف القائم على النوع الاجتماعي
العنف الجنسي والعنف القائم على النوع الاجتماعي هو الآخر أحد أبرز التحديات التي تواجهها النساء في مخيمات اللجوء، وفقًا لتقرير صادر عن صندوق الأمم المتحدة للسكان (UNFPA) عام 2023، فإن 60% من النساء اللاجئات في مناطق النزاع يتعرضن لأشكال مختلفة من العنف الجنسي، بما في ذلك الاغتصاب والتحرش الجنسي.
ومع ذلك، فإن الإبلاغ عن هذه الحالات يظل محدودًا بسبب الخوف من الوصمة الاجتماعية وغياب آليات الحماية الفعالة. هذه الأرقام ليست مجرد إحصاءات، بل هي قصص حقيقية لنساء يعانين صدمات نفسية وجسدية عميقة.
ولا يقتصر التمييز ضد النساء اللاجئات على العنف الجنسي، بل يمتد ليشمل التمييز في الحصول على الخدمات الأساسية مثل الرعاية الصحية والتعليم، ووفقًا لتقرير اليونيسف لعام 2023، فإن 30% فقط من الفتيات اللاجئات في سن التعليم الثانوي يحصلن على فرصة للالتحاق بالمدارس، مقارنة بـ50% من الفتيان في مخيمات اللجوء في الأردن، على سبيل المثال، أشارت دراسة أجرتها منظمة "أنقذوا الأطفال" إلى أن 45% من الفتيات اللاجئات السوريات لم يلتحقن بالمدارس بسبب نقص المرافق الآمنة وعدم توفر وسائل النقل المناسبة.
ويزيد غياب الحماية القانونية للنساء المهاجرات والعاملات المهاجرات من تفاقم معاناتهن في العديد من الدول المضيفة. لا تتمتع النساء اللاجئات بالحقوق القانونية نفسها التي يتمتع بها المواطنون أو حتى المهاجرون النظاميون في تركيا التي تستضيف أكبر عدد من اللاجئين في العالم (نحو 3.7 مليون لاجئ)، أشارت دراسة أجرتها منظمة العفو الدولية عام 2022 إلى أن 60% من النساء اللاجئات السوريات لا يتمتعن بحماية قانونية كافية في حال تعرضهن للعنف أو الاستغلال.
الرعاية الصحية للاجئات
تشكل الرعاية الصحية هي الأخرى تحدياً كبيراً للنساء اللاجئات، في مخيمات اللجوء، إذ تعاني النساء نقصًا حاداً في الخدمات الصحية الأساسية، بما في ذلك الرعاية الصحية الإنجابية. وفقًا لتقرير صادر عن منظمة الصحة العالمية (WHO) عام 2023، فإن 50% من النساء اللاجئات في إفريقيا جنوب الصحراء لا يحصلن على الرعاية الصحية الإنجابية الكافية، ما يؤدي إلى ارتفاع معدلات وفيات الأمهات.
في مخيمات جنوب السودان، تصل نسبة وفيات الأمهات إلى 789 حالة وفاة لكل 100 ألف ولادة حية، وهي نسبة تفوق بكثير المتوسط العالمي البالغ 211 حالة وفاة لكل 100 ألف ولادة، هذه الأرقام تعكس فجوة كبيرة في توفير الخدمات الصحية للنساء اللاجئات، ما يعرض حياتهن للخطر.
ويزيد غياب الحماية القانونية والاجتماعية للنساء اللاجئات من تعرضهن للاستغلال والعنف في دول عدة. لا توجد قوانين كافية لحماية النساء اللاجئات من العنف الأسري أو الاستغلال الاقتصادي؛ ففي لبنان -على سبيل المثال- أشارت دراسة أجرتها منظمة "أوكسفام" عام 2022 إلى أن 70% من النساء اللاجئات السوريات يعانين العنف المنزلي، في حين تعرض 40% منهن للاستغلال الاقتصادي في العمل، ومع ذلك فإن الإبلاغ عن هذه الحالات يظل محدودًا بسبب الخوف من الترحيل أو الانتقام.
هذه الأرقام تعكس حاجة ملحة لتعزيز الحماية القانونية والاجتماعية للنساء اللاجئات، وضمان حصولهن على العدالة.
اللاجئات بين الإهمال والاستغلال
وفي السياق قالت خبيرة حقوق الإنسان الفلسطينية أميرة شتا، إن وضع النساء اللاجئات في المخيمات يعكس واحدة من أكثر الأزمات الحقوقية إلحاحاً في عصرنا الحديث، حيث يتقاطع التمييز القائم على النوع الاجتماعي مع قسوة النزوح واللجوء، ما يجعلهن الفئة الأكثر هشاشة وعرضة للانتهاكات الجسيمة، عندما تفقد النساء منازلهن بسبب النزاعات أو الكوارث، لا يفقدن فقط الأمان المادي، بل أيضًا حقوقهن الأساسية، من الحماية إلى الكرامة، ومن فرص العيش الكريم إلى المشاركة الفاعلة في المجتمع؛ فالمخيمات التي من المفترض أن تكون ملاذاً آمناً تتحول في كثير من الأحيان إلى بيئات خطرة تعيد إنتاج أنظمة الظلم.
وتابعت شتا، في تصريحات لـ"جسور بوست"، المبادئ الأساسية لحقوق الإنسان تؤكد أن لكل إنسان -بغض النظر عن جنسه أو عرقه أو وضعه القانوني- الحق في الحياة والسلامة الجسدية، لكن الواقع في مخيمات اللجوء يثبت العكس تماماً، تعاني النساء العنف القائم على النوع الاجتماعي، والذي يراوح بين التحرش والاعتداء الجنسي، وصولًا إلى الاستغلال والاتجار بالبشر، في كثير من الحالات، يكون الجناة من داخل المخيمات، سواء من اللاجئين أنفسهم أو حتى من القائمين على إدارة المخيمات.
واسترسلت، إن غياب العدالة والحماية القانونية في بيئات اللجوء لا يأتي فقط نتيجة نقص الموارد، بل هو انعكاس لعقلية التمييز الهيكلي ضد النساء. فحتى في الدول المستقرة، ما يزال النساء يواجهن صعوبات جمة في الوصول إلى العدالة، فما بالك في أماكن تعاني الانهيار القانوني وانعدام المحاسبة؟ معظم النساء اللاجئات لا يتمتعن بأي إطار قانوني يحميهن، فالقوانين المحلية للدول المضيفة قد لا تعترف بهن مواطنات، والآليات الدولية، رغم أهميتها، تظل محدودة التأثير في أرض الواقع. كل هذا يجعل الإفلات من العقاب هو القاعدة، وليس الاستثناء، ما يغري المزيد من المعتدين على التمادي في جرائمهم.
وأشارت إلى أن العنف والتمييز لا يقتصران على الانتهاكات المباشرة، بل يتجليان في كل تفاصيل الحياة اليومية للنساء اللاجئات، من حرمانهن من فرص العمل اللائق إلى إجبارهن على الزواج المبكر كوسيلة للبقاء. النساء اللواتي يفقدن أزواجهن أو أرباب أسرهن يجدن أنفسهن بلا أي دعم، مجبرات على مواجهة الفقر المدقع في ظل أنظمة لجوء لا تراعي احتياجاتهن، بل تزيد من تهميشهن. وفي ظل شح المساعدات، تُدفع كثيرات منهن إلى أعمال غير آمنة، أو يقعن فريسة لشبكات الاستغلال التي تستغل حاجتهن للبقاء. وهنا يصبح التمييز مركباً، حيث لا يواجهن فقط اضطهاداً جنسانياً، بل أيضاً تمييزاً على أساس الوضع القانوني والاقتصادي.
وقالت إن ما تواجهه النساء اللاجئات ليس مجرد أزمات فردية، بل هو انعكاس لفشل المنظومة الحقوقية العالمية في التعامل مع اللجوء من منظور إنساني حقيقي، حماية اللاجئات لا يجب أن تكون مجرد بند هامشي في سياسات الدول والمنظمات الدولية، بل قضية محورية تتطلب التزاماً حقيقياً بإصلاح الأنظمة التي تسمح لهذه الانتهاكات بالاستمرار، لا يكفي تقديم المساعدات الإنسانية، بل يجب فرض آليات رقابة ومساءلة تضمن عدم تحول المخيمات إلى أماكن لانتهاك حقوق النساء.
وأتمت، لا يمكن الحديث عن حقوق الإنسان دون الاعتراف بأن حقوق اللاجئات جزء لا يتجزأ من هذه المنظومة، وأي تقاعس عن حمايتهن هو إخلال جسيم بالمبادئ التي تدّعي المجتمعات المتحضرة التمسك بها.
معاناة مضاعفة في مجتمع هش
وقال خبير علم الاجتماع والأكاديمي، فهمي قناوي، إن أوضاع النساء اللاجئات في المخيمات تعكس أزمة اجتماعية مركبة تتجاوز مجرد اللجوء كنزوح مكاني، لتصبح تجربة وجودية تعيد تشكيل حياتهن وفق واقع جديد تهيمن عليه الهشاشة والضعف، فالمجتمعات التي يُفترض أنها توفر الحماية تصبح في كثير من الأحيان بيئات تعيد إنتاج أنماط القهر والتمييز التي هربت منها النساء في بلدانهن الأصلية، يتجلى هذا القهر في سياسات الإقصاء، والعنف المتكرر، والتهميش الممنهج، حيث تتحول المرأة اللاجئة من فرد فاعل في مجتمعها إلى كيان مهمش، لا يُنظر إليه إلا من زاوية الحاجة أو العبء.
وتابع قناوي، في تصريحات لـ"جسور بوست"، المجتمع اللاجئ نفسه، وإن كان يحمل في طياته تجربة جماعية من الألم والاقتلاع، إلا أنه لا يمنح النساء دائماً إحساساً بالتضامن والحماية، بل قد يتحول إلى فضاء يعمّق القوالب النمطية ضدهن، في ظل الفقر المدقع وانعدام الفرص، يعود المجتمع إلى أنماط تقليدية أكثر تحفظاً، حيث تُدفع النساء إلى الهامش، ليس فقط بسبب أوضاع اللجوء، ولكن أيضاً بسبب الأعراف الاجتماعية التي تفرض عليهن التكيف مع الظروف القاسية بطريقة أكثر قسوة من الرجال.
واسترسل، تتعاظم مشكلة العنف الاجتماعي في المخيمات، حيث ترتفع معدلات العنف الأسري والتحرش والاستغلال الجنسي نتيجة انعدام الأمان وضعف البنية الاجتماعية التي قد توفر ردعًا لمثل هذه الانتهاكات؛ فالرجال الذين فقدوا سبل العيش والشعور بالسيطرة على حياتهم، قد يعوضون هذا الشعور بممارسة السلطة داخل نطاق الأسرة، ما يجعل النساء أكثر عرضة للعنف، لكن الأخطر من ذلك هو أن العنف هنا ليس مجرد سلوك فردي، بل هو جزء من ديناميكية اجتماعية تتغذى على العجز وانعدام الأفق، وتُرسَّخ بفعل غياب المحاسبة أو آليات التدخل الاجتماعي الفعالة.
وقال إن الزواج المبكر والاتجار بالبشر ليسا سوى مظاهر أخرى للتدهور الاجتماعي في المخيمات، حيث يتم تسليع النساء بوصفهن وسيلة للبقاء في ظل انعدام الحماية القانونية والتدهور الاقتصادي، تجد الأسر نفسها أمام خيارات محدودة، فتلجأ إلى تزويج بناتها كوسيلة لتخفيف العبء الاقتصادي، أو حتى لاعتقادها بأن الزواج قد يكون وسيلة لحمايتهن من خطر الاعتداء، لكن في الواقع لا يؤدي هذا إلا إلى تعميق معاناة الفتيات، حيث يتم نقلهن من واقع هش إلى واقع آخر لا يقل قسوة، أما الشبكات التي تتاجر بالبشر، فتستغل الفوضى في المخيمات لتجنيد النساء في أعمال غير مشروعة، مستفيدة من غياب آليات الحماية والمتابعة.
وعن الرعاية الصحية قال، إنها تمثل أزمة أخرى في حياة النساء اللاجئات، خصوصًا عندما يتعلق الأمر بالصحة الإنجابية، في المخيمات، تصبح الولادات غير الآمنة والأمراض المرتبطة بالحمل جزءاً من المعاناة اليومية، حيث تفتقر النساء إلى أبسط حقوقهن في الحصول على رعاية طبية ملائمة، هذا لا يعني فقط زيادة معدلات الوفيات بين الأمهات، بل يخلق أيضاً بيئة يزيد فيها العبء الجسدي والنفسي على النساء، ما يجعلهن أكثر ضعفًا وأقل قدرة على مواجهة التحديات الأخرى.
وأشار إلى أن المشكلة الكبرى تكمن في أن هذه الانتهاكات لا تُرى دائماً أزمة اجتماعية تستوجب التدخل، بل يتم التعامل معها باعتبارها "أضرارًا جانبية" في أزمة كبرى، ما يجعل معاناة النساء اللاجئات غير مرئية إلا في حالات العنف الشديد أو الاستغلال الفاضح لكن هذه النظرة تُقصي حقيقة أن كل تفصيلة في حياة المرأة اللاجئة، من كيفية حصولها على الغذاء إلى قدرتها على اتخاذ قراراتها الشخصية، هي جزء من أزمة حقوقية واجتماعية متشابكة.
وأتم، إذا كان المجتمع الدولي جاداً في معالجة أزمة اللاجئات، فلا بد من تغيير النظرة إليهن من كونهن مجرد فئات بحاجة إلى الإغاثة، إلى كونهن أفراداً لهن حقوق ومساحات يجب أن تُحترم. الحلول يجب ألا تقتصر على توفير المساعدات المؤقتة، بل يجب أن تشمل سياسات تمكين حقيقية تعيد للمرأة اللاجئة دورها الاجتماعي والاقتصادي، وتمنحها الأدوات اللازمة لمواجهة التحديات التي فرضها عليها اللجوء وحتى يحدث ذلك، ستظل النساء اللاجئات أسيرات واقع لا يرحم، حيث يتحول النزوح من أزمة مكانية إلى أزمة إنسانية شاملة.