الجوع يطرق أبواب الروهينغا.. خفض الحصص الغذائية يهدد حياة مليون لاجئ

الجوع يطرق أبواب الروهينغا.. خفض الحصص الغذائية يهدد حياة مليون لاجئ
نازحون من الروهينغا يعيشون أوضاعاً قاسية- أرشيف

في مخيمات كوكس بازار المكتظة، حيث يعيش أكثر من مليون لاجئ من الروهينغا، يظهر القلق والخوف مع إعلان برنامج الأغذية العالمي التابع للأمم المتحدة عن خفض الحصص الغذائية إلى النصف اعتبارًا من أبريل المقبل. 

ويهدد هذا القرار -الذي يأتي في أعقاب تجميد المساعدات الأمريكية- بتفاقم أزمة إنسانية يعانيها لاجئو الروهينغا منذ سنوات. في ظل ظروف معيشية قاسية، يعتمد هؤلاء اللاجئون بشكل كامل على المساعدات الغذائية للبقاء على قيد الحياة. خفض الحصص يعني المزيد من الجوع، والمزيد من المعاناة، والمزيد من اليأس.

وفرّ أكثر من 700 ألف من مسلمي الروهينغا من ميانمار إلى بنغلاديش منذ أغسطس 2017، بعد أن شن الجيش الميانماري حملات عسكرية عنيفة ضدهم، وصفتها الأمم المتحدة بأنها "نموذج كتابي للإبادة الجماعية" وفقًا لتقارير منظمة العفو الدولية، تعرض الروهينغا لعمليات قتل جماعي، وحرق للقرى، واغتصاب ممنهج، ما أجبرهم على الفرار إلى بنغلاديش المجاورة. 

ويعيش أكثر من 1.1 مليون لاجئ في مخيمات مكتظة في منطقة كوكس بازار، وهي واحدة من أكبر تجمعات اللاجئين في العالم، حيث يعتمد هؤلاء اللاجئون بشكل كامل على المساعدات الإنسانية لتلبية احتياجاتهم الأساسية، بما في ذلك الغذاء والمأوى والرعاية الصحية.

وفي بيان صدر يوم السبت الماضي، أعلن برنامج الأغذية العالمي عن خفض الحصص الغذائية للاجئين الروهينغا في بنغلاديش إلى النصف، اعتبارًا من الأول من أبريل 2025، حيث سيتم تخفيض الحصة الغذائية الشهرية من 12 دولارًا للفرد إلى 6 دولارات فقط، وهو ما يكفي بالكاد لتوفير وجبة واحدة يوميًا. 

جاء هذا القرار في أعقاب توقف مفاجئ لمعظم المساعدات الخارجية الأمريكية، بعد أن قام الرئيس دونالد ترامب بحل الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية (USAID) في يناير الماضي، كجزء من إجراءات تقشفية تهدف إلى مراجعة شاملة لتمويل المساعدات الخارجية وفقًا لبيانات برنامج الأغذية العالمي، فإن الولايات المتحدة كانت واحدة من أكبر المانحين لجهود الإغاثة الإنسانية في بنغلاديش، حيث قدمت أكثر من 200 مليون دولار سنويًا لدعم لاجئي الروهينغا ومع تجميد المساعدات، اضطر البرنامج إلى خفض الحصص الغذائية، ما يهدد بتفاقم الأوضاع الإنسانية في المخيمات.

القرار يعرض حياة الآلاف للخطر

وفقًا لتقرير صادر عن منظمة الصحة العالمية، فإن 40% من الأطفال الروهينغا يعانون -حقًّا- سوء التغذية الحاد، ومع خفض الحصص الغذائية، من المتوقع أن ترتفع هذه النسبة بشكل كبير، ما يعرض حياة الآلاف من الأطفال للخطر، كما أن النساء الحوامل والمرضعات اللاتي يحتجن إلى تغذية إضافية، سيتأثرن بشكل كبير بهذا القرار. يعيش لاجئو الروهينغا في ظروف قاسية منذ سنوات، مع محدودية فرص العمل والتعليم. 

وفقًا لتقرير المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، فإن 70% من اللاجئين يعانون اضطرابات نفسية بسبب الظروف المعيشية الصعبة، وخفض الحصص الغذائية سيزيد من هذه الضغوط، ما قد يؤدي إلى ارتفاع معدلات العنف الأسري والاكتئاب وحتى الانتحار.

وقال الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش: "هذا القرار سيكون له عواقب كارثية على حياة مئات الآلاف من الأشخاص الذين يعتمدون على هذه المساعدات للبقاء على قيد الحياة".

ومن جهتها، دعت منظمة العفو الدولية، المجتمع الدولي إلى زيادة الدعم المالي لبرنامج الأغذية العالمي لتجنب كارثة إنسانية على المستوى المحلي.

ويرى خبراء أن قرار خفض الحصص الغذائية للروهينغا ليس مجرد إجراء تقشفي، بل هو تهديد مباشر لحياة أكثر من مليون لاجئ في ظل الظروف القاسية التي يعيشونها، حيث يتطلب الوضع استجابة عاجلة من المجتمع الدولي لإنقاذ حياة هؤلاء الأشخاص، الذين فروا من الاضطهاد في موطنهم ليجدوا أنفسهم في مواجهة خطر جديد هو الجوع.

خفض المساعدات الغذائية

وقالت الناشطة الحقوقية التونسية، مريم عبد الجواد، إن هذه الخطوة جاءت نتيجة نقص التمويل، وهي تحمل في طياتها تداعيات كارثية على أكثر من مليون لاجئ يعتمدون بشكل شبه كامل على المساعدات الإنسانية لتلبية احتياجاتهم الأساسية، وبينما يقف المجتمع الدولي على مفترق طرق، فإن هذا القرار يطرح تساؤلات جوهرية حول الالتزام بالمبادئ الأساسية لحقوق الإنسان، وأبرزها الحق في الغذاء والحياة الكريمة، ووفقًا لتعريف لجنة الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية التابعة للأمم المتحدة، فإن الحق في الغذاء لا يقتصر فقط على توفير الحد الأدنى من السعرات الحرارية، بل يشمل أيضًا إمكانية الوصول المستدام إلى غذاء كافٍ ومغذٍّ يضمن صحة جيدة. 

وتابعت مريم، في تصريحات لـ"جسور بوست"، أن مخيمات كوكس بازار، التي تُعَدُّ من أكبر تجمعات اللاجئين في العالم، تعاني مشكلات إنسانية حادة، مثل: الاكتظاظ السكاني، وغياب الخدمات الأساسية، والانعدام شبه الكامل للفرص الاقتصادية؛ جميعها عوامل تجعل اللاجئين أكثر هشاشة وعرضة لأي صدمة جديدة، واليوم -مع تقليص الحصص الغذائية- يصبح الأطفال والنساء الحوامل وكبار السن، أكثر الفئات تأثرًا، حيث يؤدي سوء التغذية إلى تفشي الأمراض وضعف الجهاز المناعي، ما يجعلهم عرضة للأوبئة والمضاعفات الصحية الخطِرة. 

واسترسلت، اتخاذ قرار بخفض حصص الغذاء في سياق كهذا لا يمكن النظر إليه بمعزل عن الالتزامات الدولية تجاه اللاجئين، فوفقًا لاتفاقية اللاجئين لعام 1951، فإنه يجب على الدول والمنظمات الدولية ضمان توفير مستوى معيشي لائق لهم، يشمل الغذاء، والمياه، والصحة، والتعليم، ومع ذلك فإن التحديات المالية التي يواجهها برنامج الأغذية العالمي تعكس خللًا أعمق في بنية الاستجابة الإنسانية العالمية، حيث أصبح التمويل غير المستدام عقبة رئيسية أمام حماية الفئات الأكثر ضعفًا. 

وقالت إنه في ظل هذا الواقع، يتعين على المجتمع الدولي التحرك بسرعة لسد فجوة التمويل وضمان استمرار تدفق المساعدات الإنسانية. إن تقليص الحصص الغذائية لا يؤثر فقط في الصحة الجسدية للاجئين، بل يؤدي أيضًا إلى تداعيات اجتماعية ونفسية مدمرة؛ فالجوع يولد اليأس، واليأس يدفع إلى اتخاذ خيارات محفوفة بالأخطار، مثل الانخراط في شبكات الاتجار بالبشر أو القبول بعمالة قسرية وظروف استغلالية كما أن تصاعد التوترات داخل المخيمات بسبب ندرة الموارد قد يؤدي إلى تفاقم النزاعات الاجتماعية، وزيادة معدلات العنف، خاصة ضد الفئات الأكثر ضعفًا، مثل النساء والأطفال. 

أزمة إنسانية وتداعيات خطِرة

وقال الخبير الاقتصادي والأكاديمي، رشاد عبده، إن العالم يتجه نحو أزمة إنسانية جديدة، تحمل في طياتها تداعيات اقتصادية واجتماعية خطِرة، هذا القرار يهدد حياة مئات الآلاف من لاجئي الروهينغا الذين يعتمدون بالكامل على المساعدات الغذائية للبقاء على قيد الحياة، ما يسلط الضوء على التحديات الاقتصادية العالمية التي تلقي بظلالها على الفئات الأكثر هشاشة، في ظل التباطؤ الاقتصادي العالمي، وتفاقم أزمات الديون والتضخم، بات التمويل الدولي للمساعدات الإنسانية يواجه تحديات كبرى. 

وتابع “عبده”، في تصريحات لـ"جسور بوست"، أن التداعيات الاقتصادية لهذا القرار تتجاوز مجرد تقليص كميات الغذاء المقدمة؛ إذ إن الأثر الأكبر سيظهر في شكل ارتفاع معدلات سوء التغذية، وزيادة الأمراض المرتبطة بنقص الغذاء، فضلًا عن التوترات الاجتماعية والاقتصادية داخل المخيمات، فبحسب تقارير سابقة، يعتمد أكثر من 80% من سكان مخيمات الروهينغا على المساعدات الغذائية بشكل كامل، نظرًا لعدم السماح لهم بالعمل أو امتلاك مصادر دخل مستقلة داخل بنغلاديش، وبالتالي فإن خفض المساعدات الغذائية يعني انخفاض الاستهلاك المحلي داخل المخيمات، ما يؤدي إلى تراجع النشاط الاقتصادي المحدود أصلًا، والذي يعتمد على تداول السلع الأساسية بين اللاجئين أنفسهم أو مع المجتمعات المضيفة في المناطق المجاورة. 

وقال إن انخفاض المساعدات الغذائية سيؤدي إلى زيادة الضغط على الاقتصاد المحلي في بنغلاديش، حيث ستتزايد أعداد اللاجئين الذين يعتمدون على آليات التكيف السلبية، مثل الاقتراض من السكان المحليين، أو اللجوء إلى عمالة الأطفال، أو حتى الاتجار في السلع المدعومة بطرق غير قانونية، ومن منظور اقتصادي أوسع، فإن انعدام الأمن الغذائي في المخيمات قد يؤدي إلى موجات نزوح جديدة، سواء داخليًا -داخل بنغلاديش- أو باتجاه دول أخرى، ما يخلق ضغوطًا إضافية على اقتصادات الدول المجاورة. 

وأشار إلى أن التجارب السابقة في مناطق النزاع والأزمات الإنسانية تشير إلى أن تقليص المساعدات الغذائية لا يضر فقط باللاجئين، بل يمتد تأثيره إلى استقرار الدول المضيفة نفسها؛ فالتوترات الناجمة عن انعدام الأمن الغذائي قد تؤدي إلى اضطرابات اجتماعية داخل المخيمات، فضلًا عن زيادة معدلات الجريمة والعنف، ما قد يُثقل كاهل السلطات المحلية التي تعاني تحديات اقتصادية، وفي حالة بنغلاديش التي تعاني ارتفاع الدين الخارجي والتضخم، فإن أي تصاعد في الأزمات الإنسانية قد يزيد من الأعباء الاقتصادية. 

وأتم، في ظل هذه المعطيات، يصبح من الضروري أن تعيد المنظمات الإنسانية والحكومات المعنية تقييم استراتيجياتها في التعامل مع اللاجئين، بحيث لا يكون الحل معتمدًا فقط على المساعدات الطارئة، بل على إيجاد مسارات اقتصادية تضمن الحد الأدنى من الاستقلالية للاجئين، وتقلل من تأثير التقلبات الاقتصادية العالمية على أوضاعهم المعيشية؛ فترك مئات الآلاف من اللاجئين في مواجهة مصيرهم دون تدخل حقيقي لن يؤدي لغير تفاقم الأزمة.



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية