«غابت عنها الحلول».. دراما رمضان 2025 تناقش العديد من القضايا الحقوقية
«غابت عنها الحلول».. دراما رمضان 2025 تناقش العديد من القضايا الحقوقية
في كل عام، تتحول شاشات التلفزيون خلال شهر رمضان إلى منصة ثقافية واجتماعية تعكس هموم المجتمع وتناقش قضاياه، سواء كانت سياسية أو اجتماعية أو حقوقية.
وفي العام الجاري (2025) لم تكن الدراما الرمضانية بعيدة عن هذا الدور، حيث تناولت العديد من المسلسلات قضايا حقوقية بجرأة لافتة، ما أثار نقاشات واسعة في الأوساط الفنية والاجتماعية ومع ذلك، كانت هناك أيضًا انتقادات لطريقة تناول بعض الأعمال لهذه القضايا، سواء بسبب التسطيح أو الإفراط في الدرامية التي أضعفت الرسالة الحقوقية.
أحد أبرز المسلسلات التي لفتت الانتباه هذا العام كان مسلسل "لام شمسية"، ويتناول قضية اجتماعية حساسة أثارت اهتمام الرأي العام في السنوات الأخيرة، وهي التعدي على الأطفال، وذلك من خلال طرح درامي توعوي يعكس أبعاد هذه المشكلة وتأثيراتها العميقة على الأفراد والمجتمع. حيث يهدف العمل إلى زيادة الوعي بأهمية حماية الأطفال ودعمهم نفسياً لمواجهة تداعيات مثل هذه الأزمات.
تدور أحداث المسلسل حول نيللي، التي تجسدها الفنانة أمينة خليل، وهي معلمة بإحدى المدارس الدولية، تواجه تحديات متعلقة بالتأثير النفسي العميق للأذى الذي قد يتعرض له الإنسان في طفولته. يسعى العمل إلى إبراز أهمية الاعتراف بالمشكلات النفسية وضرورة معالجتها بدعم من الأسرة والمجتمع، مع التركيز على دور الآباء في بناء علاقة وثيقة مع أبنائهم لحمايتهم وتعزيز صحتهم النفسية.
والمسلسل بتفاعل كبير من الجمهور، خاصة مع مشاهدته من قبل أكثر من 20 مليون مشاهد خلال الشهر الفضيل.
قلبي ومفتاحه
وقدم مسلسل "قلبي ومفتاحه" قصة تتمحور حول معاناة النساء في بيئات اجتماعية محافظة، لكنه وقع في فخ التنميط، حيث رسم صورة نمطية للرجل باعتباره دائمًا القامع والمتحكم، مما أثار جدلاً حول ازدواجية المعايير في تقديم صورة متوازنة للعلاقات الأسرية، ورغم ذلك، أسهم العمل في فتح نقاشات حول القوانين المتعلقة بحماية المرأة، خاصة بعد أن أشارت تقارير المجلس القومي للمرأة في مصر إلى أن نسبة العنف المنزلي ضد النساء وصلت إلى 34%، وهو ما يبرر أهمية تسليط الضوء على هذه القضية.
أما مسلسل "80 باكو" فقد لامس جانبًا آخر من الحقوق الاجتماعية، حيث تناول قضايا الفقر والتمييز الطبقي بأسلوب جريء العمل استعرض تجارب شباب يعانون من البطالة والاستغلال، ونجح في إبراز الفجوة الكبيرة بين الطبقات، مستندًا إلى بيانات البنك الدولي التي تشير إلى أن 30% من المصريين يعيشون تحت خط الفقر ورغم نجاحه في تقديم سرد واقعي، تعرض المسلسل لانتقادات بسبب ميله إلى السوداوية المطلقة، حيث صور الواقع بشكل قاتم دون تقديم حلول أو رؤية للخروج من هذه الأزمات.
مشكلات الاستغلال الوظيفي
وبرزت أعمال قدمت نماذج إيجابية لمعالجة القضايا الحقوقية بواقعية وإنسانية، مثل مسلسل “النص”، حيث ناقش موضوعات تتعلق بحقوق العمال ومشكلات الاستغلال الوظيفي، حيث لم يكتفِ المسلسل بإظهار معاناة الشخصيات، بل قدم رؤية متكاملة حول القوانين العمالية، مستشهدًا بتقارير الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء في مصر والتي تفيد بأن نسبة البطالة بلغت 7.4%، وهو ما يعكس أهمية تسليط الضوء على حقوق العمال.
إحدى الظواهر اللافتة هذا العام كانت زيادة حضور الشخصيات النسائية القوية في الدراما، حيث لم تعد المرأة مجرد عنصر مساعد في القصة، بل أصبحت محور الأحداث في عدة أعمال، مسلسل "لما تقابل حبيب" قدم نموذجًا لامرأة تواجه الظلم المجتمعي وتنتزع حقوقها، وهو تطور مهم يعكس التحولات التي طرأت على صورة المرأة في الدراما العربية، هذا التوجه يتماشى مع الإحصاءات الرسمية التي تشير إلى ارتفاع نسبة النساء العاملات في مصر إلى 18%، ما يعكس تحولات مجتمعية ينبغي أن تجد صداها في الدراما.
"ولاد الشمس".. دراما تكشف معاناة الأيتام وضرورة حماية حقوقهم
عرض مسلسل ولاد الشمس، بطولة أحمد مالك وطه دسوقي، ضمن الأعمال الدرامية لموسم رمضان 2025، بدأ المسلسل بمشهد مؤثر داخل دار أيتام، حيث يظهر "ولعة" و"مفتاح" في طفولتهما، يواجهان التعنيف وسوء المعاملة، ما يعكس واقعًا قاسيًا يعيشه العديد من الأطفال المحرومين من الرعاية الأسرية، في أحد المشاهد، يطرح أحدهما تساؤلًا وجوديًا على معلمه: "إحنا ولاد مين؟"، في إشارة إلى أزمة الهوية التي يعاني منها الأيتام في ظل غياب سياسات اجتماعية تحميهم وتؤمّن لهم مستقبلًا أفضل.
ويسلط العمل الضوء على التحديات والانتهاكات التي تواجه الأطفال داخل دور الأيتام، خاصة مع بلوغهم السن القانوني للخروج من هذه المؤسسات دون تأمين أي بدائل تحفظ حقوقهم وتؤهلهم لحياة كريمة. يستمر "ولعة" و"مفتاح" في العيش داخل الدار حتى بعد وصولهم لسن الرشد، ما يعكس إحدى الثغرات الحقوقية في منظومة الرعاية الاجتماعية. ومع مرور الأحداث، يتورطان في أعمال غير قانونية تحت إشراف القائمين على الدار، مما يفضح الاستغلال والانتهاكات التي قد يتعرض لها الأيتام من قبل الجهات المفترض أن تحميهم.
يثير المسلسل قضايا جوهرية حول ضرورة الرقابة على دور الأيتام، ووجوب سنّ قوانين تضمن حماية هؤلاء الأطفال، وتأمين مستقبلهم، وتوفير آليات دعم حقيقية تعزز اندماجهم في المجتمع بعد خروجهم من المؤسسات الرعائية.
صورة المرأة في الدراما
أكدت الصحفية أمنية طه قلاوون، أن بعض المسلسلات عززت صورة العنف ضد المرأة، كما هي الحال في العتاولة وإش إش، حيث قُدمت مشاهد تحوي تهديدات مباشرة ضد النساء، في حين أن مسلسل أخواتي كسر القوالب النمطية وقدّم صورة مغايرة وأكثر وعيًا.
وتابعت قلاوون، في تصريحات لـ"جسور بوست"، الحوار في بعض الأعمال الدرامية جاء مشحونًا برسائل سلبية، إذ شهد مسلسل العتاولة تهديدًا من أحد الشخصيات لشريكته السابقة برشها بماء النار، بينما تضمّن إش إش تهديدات بالخطف والقتل.
واعتبرت أن تقديم هذه المشاهد دون نقد أو معالجة درامية متوازنة يعزز ثقافة العنف ضد المرأة، خاصة أن هذا النوع من التهديدات يُمارَس واقعيًا من قبل شركاء عنيفين، وانتقدت قلاوون غياب الرقابة الجادة على مثل هذه المشاهد، في حين أن الاهتمام الرقابي غالبًا ما ينصب على القضايا السياسية والدينية، رغم أن معدلات العنف ضد النساء في المجتمع مرتفعة وتستدعي اهتمامًا أكبر.
وتطرقت لأحد المشاهد في الحلقة الأولى من مسلسل “أشغال شقة جدًا”، والذي اعتبرته يحمل دلالات عنصرية ضد الممثلة السودانية التي قُدمت دور خادمة نيجيرية، مشيرة إلى أن طريقة تصوير المشهد، بما في ذلك استخدام الكاميرا والمزاح المرتبط بحجمها وطولها، عززت الصور النمطية السلبية عن الأفارقة، لا سيما النساء واستشهدت بحادثة تعرضت لها فتاة تدعى نورا عائشة في مصر، حيث كانت تُنادى بلقب "مدينة" فقط بسبب جنسيتها الإفريقية، مؤكدة أن مثل هذه الصور النمطية في الدراما تُسهم في ترسيخ التمييز والعنصرية المجتمعية.
وفي المقابل، أشادت قلاوون بأحد المشاهد في مسلسل أخواتي، حيث يقول الفنان محمد ممدوح للفنانة روبي: "المطبخ هتدخليه بإرادتك وبمزاجك" واعتبرت أن هذه الجملة تمثل مواجهة مباشرة للصور النمطية التي تربط المرأة حصريًا بدور ربة المنزل.. وأشارت إلى أن عبارة "على المطبخ"، التي شاع استخدامها للسخرية من النساء، مستوحاة من مسلسل Game of Thrones، ولكن تم تداولها خارج سياقها الأصلي لتكريس التصورات النمطية عن مكان المرأة.
وأتمت بالإشارة إلى تصاعد وتيرة العنف في الأعمال الدرامية، مؤكدة الحاجة إلى إنتاج محتوى خالٍ من العنف غير المبرر، فالأعمال الدرامية القديمة كانت تستخدم تقنيات إخراجية لتخفيف تأثير مشاهد القتل، مثل تقليل حركة الكاميرا أو تجنب التركيز على الدم، بينما تعتمد بعض المسلسلات الحديثة بشكل كامل على العنف كعنصر أساسي في حبكتها، ما يسهم في تطبيع ثقافة العنف داخل المجتمع.
صرخة لكسر الصمت
أكدت الناشطة الحقوقية أسماء رمزي أن مسلسل "لام شمسية" يعالج قضية التحرش بالأطفال بجرأة، مسلطًا الضوء على تأثيرها العميق على صحتهم النفسية وسلوكهم، فمنذ الحلقات الأولى، يظهر الطفل يوسف، البالغ من العمر تسع سنوات، وهو يعاني من عصبية، وعزلة، وحزن، وغضب غير مبرر، في انعكاس واضح للندوب التي يتركها التحرش على الضحايا، خاصة حين يُقابل حديثهم بالإنكار أو اللوم.
وتابعت رمزي، في تصريحات لـ"جسور بوست": المسلسل يبرز حقيقة مؤلمة وهي أن التحرش لا يقتصر على الاعتداء الجسدي فقط، بل يشمل الكلمة، والنظرة، واللمسة، وحتى الاحتضان غير المريح، كما يكشف كيف أن الضحايا غالبًا ما يعجزون عن التعبير، تمامًا كاللام الشمسية التي تُكتب ولا تُنطق، وهو ما يجسده النشيد داخل المسلسل: "مش كل اللي المكتوب يتقال".
ولحماية الأطفال، شددت رمزي على ضرورة تعليمهم أسماء أجزاء أجسادهم الصحيحة، وغرس مفهوم الخصوصية، وتمكينهم من قول "لا" لأي تصرف غير مريح، حتى من المقربين، كما نبهت إلى أهمية مراقبة سلوك المحيطين بهم، إذ تشير الإحصائيات إلى أن 90% من حالات التحرش تحدث داخل الدوائر القريبة، إلى جانب ذلك، يجب على الأهل فتح قنوات تواصل آمنة مع أطفالهم، وتعليمهم كيفية التعامل مع المواقف المشبوهة، ومراقبة استخدامهم للإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي.
وأتمت: التحرش بالأطفال قضية مسكوت عنها رغم آثارها المدمرة، و"لام شمسية" بمثابة جرس إنذار يدعو لكسر الصمت، وحماية الصغار من الانتهاك، ومنحهم الثقة بأن صوتهم مسموع، ومخاوفهم مشروعة.
مقاربات جريئة تعكس الواقع
قالت الناقدة الفنية رحاب الغطريفي، إن الدراما هذا العام قدمت مقاربات جريئة لقضايا حقوقية واجتماعية لم يُسلَّط عليها الضوء من قبل بهذه الدرجة من العمق والشفافية، مشيدةً بمعالجة بعض الأعمال لملفات إنسانية حساسة بأسلوب ينطوي على جرأة ومسؤولية درامية.
وتابعت الغطريفي، في تصريحات لـ"جسور بوست: مسلسل أولاد الشمس يعد نموذجًا بارزًا لهذا الطرح، إذ تناول قضية الأطفال الذين نشؤوا في دور الأيتام من منظور نفسي واجتماعي ومعيشي، مستعرضًا تجاربهم في مواجهة مجتمع لا يزال يحيطهم بالوصم والتمييز.
وأضافت أن العمل لم يكتفِ بالطرح السردي التقليدي، بل تعمق في التفاصيل الدقيقة لمشاعر هؤلاء الأطفال، متناولًا صراعاتهم الداخلية والخارجية، خاصة في ما يتعلق بعدم تقبل المجتمع لهم في مسألة الزواج وتكوين أسرة، بالإضافة إلى التحديات التي يواجهونها في استكمال تعليمهم، والذي غالبًا ما يصبح عائقًا أمام اندماجهم الفعلي في المجتمع.
وأشادت بالمصداقية التي أضفاها العمل عبر الاستعانة بأطفال حقيقيين من دور الأيتام، ما منح الأحداث بعدًا وثائقيًا يعزز تأثيرها، كما لفتت إلى أهمية الفيلم التسجيلي الذي عُرض بعد انتهاء المسلسل، والذي قدَّم نماذج واقعية لشباب استطاعوا تجاوز صدمات الماضي واستعادة توازنهم النفسي والاجتماعي، رغم الانكسارات العاطفية والمجتمعية التي تعرضوا لها، سواء بسبب الرفض الاجتماعي أو بسبب الاستغلال في أعمال غير مشروعة كالتسول وتجارة المخدرات.
وفي سياق تناول الدراما لقضايا النساء، أشادت الغطريفي بمسلسل “80 باكو”، الذي وصفته بأنه "صرخة درامية صادقة في وجه التحديات التي تواجهها المرأة في مجتمع لا يزال يضعها في اختبارات قاسية" وأوضحت أن العمل قدَّم مقاربة جريئة لموضوع العنف الأسري، مع التركيز على التداعيات النفسية والاجتماعية التي تعانيها النساء جراء تعنيف الأزواج لهن.
وأكدت أن الدراما هذا العام لم تقف عند حدود الإثارة أو المعالجة السطحية، بل تعمقت في التفاصيل، وطرحت القضايا من منظور أكثر واقعية ومسؤولية، ما يعكس تطورًا ملحوظًا في السرد الدرامي، ويضع المشاهد أمام مرآة حقيقية تجبره على إعادة النظر في كثير من المسلّمات الاجتماعية، وهو ما يُحسب لصُنّاع هذه الأعمال.