جيش موازٍ أم قوة رسمية؟.. الحشد الشعبي في العراق أمام مفترق طرق بين مطالب الدمج والتفكيك
جيش موازٍ أم قوة رسمية؟.. الحشد الشعبي في العراق أمام مفترق طرق بين مطالب الدمج والتفكيك
بعد 11 عامًا من التأسيس، يواجه الحشد الشعبي في العراق أزمة جديدة تعيد النقاش حول تحوله إلى ميليشيات شيعية متهمة بانتهاكات ضد المناطق السنية، واعتباره ذراعًا لإيران في مواجهة مطالبات بحله، خاصة من قبل واشنطن، ويُجري البرلمان العراقي حاليًا مناقشة مشروع قانون لتحصين وجوده، ما يثير المخاوف من تحوله إلى جيش موازٍ.
وتأسس الحشد الشعبي عام 2014 استجابة لفتوى المرجع الشيعي علي السيستاني ودعوة رئيس الوزراء آنذاك نوري المالكي، لمواجهة تنظيم داعش، وفي 2016، أصدر البرلمان قانونًا يمنحه صفة رسمية ضمن القوات المسلحة، ورغم ذلك تنامت أدواره السياسية والعسكرية، حيث يقدر عدد فصائله بين 70 و119، تتبع معظمها لإيران، في حين تمثل نسبة صغيرة المكون السني والأقليات.
وكشف الباحث العراقي هشام الهاشمي، قبل اغتياله بأيام، عن انقسام داخل الحشد بين فصيل موالٍ للمرشد الإيراني علي خامنئي، وآخر مرتبط بالمرجعية النجفية. وقد بلغ عدد قوات الحشد 164 ألف عنصر حتى 2018، بينهم 110 آلاف من الشيعة، و45 ألفًا من السنة، و10 آلاف من الأقليات.
ومنذ 2014، واجه الحشد اتهامات بارتكاب جرائم بحق السنة، شملت التعذيب، القتل، الإخفاء القسري، ونهب وحرق المنازل. واتهمته الأمم المتحدة ومنظمات حقوقية، مثل "هيومن رايتس ووتش" و"العفو الدولية"، بجرائم حرب، ولا سيما في الفلوجة، تكريت، ديالى، وجرف الصخر، حيث مُنع السكان السنة من العودة.
وفي 2019، اتهم رئيس الوزراء السابق حيدر العبادي قيادات الحشد في العراق بجمع ثروات بطرق غامضة، فيما أقال في 2018 مستشار الأمن الوطني ورئيس الحشد فالح الفياض بسبب نشاطه السياسي. وفي مارس 2024، أكد رئيس الحكومة الأسبق عدنان الزرفي أن 30% فقط من قوات الحشد فعالة عسكريًا، في حين أن البقية تعمل بشكل غير منضبط.
مستقبل غامض
ويرى محللون أن الحشد قد يواجه حلًّا جزئيًا لتخفيف الضغط الأمريكي، أو صفقة استراتيجية للإبقاء عليه، كما تبرز احتمالية استهدافه عسكريًا، خاصة في ظل التوترات الإقليمية، مع استمرار اتهامه بتهديد الأمن الداخلي والخارجي من خلال هجمات بطائرات مسيرة على أهداف في العراق وإسرائيل، ويبقى مصيره مرتبطًا بتوازن القوى بين الحكومة العراقية، والنفوذ الإيراني، والضغوط الدولية.
وأكد رئيس الوزراء العراقي، محمد شياع السوداني، أن بلاده لم تتلقَ طلبًا أمريكيًا لحل قوات الحشد الشعبي، مشددًا على أن "لا جهة تستطيع فرض ذلك على العراق"، جاء ذلك بعد تصريح السفير الإيراني في بغداد، محمد كاظم آل صادق، بأن رسالة الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب لطهران تضمنت طلبًا بحل الحشد أو دمجه، وهو ما رفضته إيران.
وفي ظل الضغوط الأمريكية، عاد مشروع قانون الخدمة والتقاعد للحشد الشعبي إلى البرلمان، حيث يتضمن المشروع منح رئيس الحشد رتبة وزير، وزيادة قوامه من 122 ألفًا إلى 238 ألف عنصر، ورفع ميزانيته إلى 3 مليارات دولار، إضافة إلى حظر انخراطه في السياسة، وتسليحه بأسلحة ثقيلة وحديثة، ما أثار مخاوف من تحوله إلى كيان مماثل للحرس الثوري الإيراني.
وتطالب واشنطن بحل الفصائل المسلحة، لكن الحكومة العراقية تدرس منح الحشد صلاحيات أوسع بدلًا من تفكيكه، في المقابل، يعترض السنة على وجود الحشد في مناطقهم شمال وغرب البلاد.
سيناريوهات المستقبل
بدوره يرى الدكتور غازي فيصل، رئيس المركز العراقي للدراسات الاستراتيجية، أن الحكومة الحالية والإطار التنسيقي الشيعي لا يرغبان في حل الحشد، معتبرين دوره أساسيًا في محاربة داعش.
وأشار فيصل في تصريح لـ"جسور بوست"، إلى أن واشنطن قد تحدد موقفها بناءً على استراتيجيتها العسكرية في المنطقة، خاصة بعد ضرباتها الأخيرة ضد الحوثيين.
فيما يصف المحلل السياسي العراقي المقيم خارج البلاد، حسين السبعاوي، الحشد الشعبي بأنه "جيش موازٍ" للقوات المسلحة العراقية، يشبه الحرس الثوري الإيراني، ويتكوّن من عشرات الفصائل الشيعية التي لا تلتزم بالقوانين، ما يمنحه نفوذًا يتجاوز الجيش الرسمي في العراق.
ويرى السبعاوي في تصريح لـ"جسور بوست" وجوده مخالفًا للدستور العراقي، الذي يحظر الانتماء الحزبي داخل القوات المسلحة، نظرًا لارتباطه بأحزاب وتيارات سياسية شيعية.
وأكد السبعاوي أن "نزع سلاح الحشد لا يمكن أن يتم داخليًا، بل يتطلب تدخلًا خارجيًا قويًا يفوق الدعم الذي يتلقاه من إيران"، كما يشير إلى أن المطالب بحل الحشد لا تقتصر على مخالفته القوانين، بل لاتهامه بارتكاب جرائم حرب، بما في ذلك القتل الجماعي وتهجير السكان السنة في مناطق مثل صلاح الدين، بابل، الموصل، وجرف الصخر، إلى جانب دوره في قمع احتجاجات 2019.
أما بشأن الضغوط الأمريكية، فيعتقد السبعاوي أن المكوّن الشيعي قد يحاول الالتفاف على المطالب الدولية من خلال سياسات الدمج أو التحصين، لكن ذلك لن يكون مقبولًا لدى واشنطن، إلا إذا أبرم الرئيس الأمريكي "صفقة كبرى" تضمن بقاء الحشد تحت شروط معينة، وإلا فسيكون الخيار تصعيد الضغط حتى تجميده أو إنهائه.
المواقف الدولية والإقليمية
تنظر الدول المجاورة إلى الحشد الشعبي بقلق، إذ تعده بعض دول الخليج وتركيا أداة نفوذ إيرانية داخل العراق. في المقابل، ترى إيران في الحشد امتدادًا استراتيجيًا لنفوذها الإقليمي. أما الولايات المتحدة، فترى في الحشد تهديدًا لمصالحها، خصوصًا بعد استهداف قواتها في العراق من قبل بعض فصائل الحشد.
ويطرح الحشد إشكالية قانونية كبرى، حيث ينص الدستور العراقي على منع تشكيل قوات مسلحة خارج إطار الدولة، في حين يعد الحشد قوة شبه مستقلة ذات ارتباطات حزبية وسياسية. وعلى الرغم من محاولات دمجه ضمن القوات المسلحة، فإن نفوذه السياسي والعسكري يحول دون ذلك.
ويشكل استمرار الحشد الشعبي في وضعه الحالي تحديًا لاستقرار العراق، إذ يثير مخاوف من تكريس الانقسامات الطائفية، خاصة مع اتهامه بارتكاب انتهاكات في المناطق السنية، كما يؤثر وجوده في العلاقات العراقية-الأمريكية، حيث تتعامل واشنطن معه باعتباره تهديدًا لمصالحها في المنطقة.
تتباين المواقف داخل العراق بشأن الحشد؛ فالمرجعية الدينية في النجف ترفض تسييسه، في حين تدعمه قوى سياسية شيعية كجزء من موازين القوى الداخلية، من ناحية أخرى، تطالب الأطراف السنية والكردية بحلّه أو تقليص نفوذه، في ظل اتهامات بانتهاكاته حقوق الإنسان.
وتراوح السيناريوهات بين بقاء الحشد كقوة عسكرية نافذة على غرار الحرس الثوري الإيراني، أو دمجه رسميًا في الجيش العراقي، رغم صعوبة تحقيق ذلك، كما يبقى احتمال التصعيد العسكري قائمًا، سواء عبر ضربات أمريكية ضد فصائله، أو من خلال صراع داخلي قد ينشأ بين الحشد والقوات العراقية.