«فايننشيال تايمز»: أزمة الرسوم الأمريكية تعيد فتح ملف إصلاح «التجارة العالمية»

«فايننشيال تايمز»: أزمة الرسوم الأمريكية تعيد فتح ملف إصلاح «التجارة العالمية»
منظمة التجارة العالمية

أشعل إعلان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، الأسبوع الماضي، بفرض رسوم جمركية جديدة موجة من القلق داخل الأوساط الاقتصادية والتجارية العالمية، بعدما وصف قراره بـ"يوم التحرير".

ووفقًا لتقرير نشره المدير التنفيذي السابق بصندوق النقد الدولي والمستشار السابق بمنظمة التجارة العالمية، هيكتور توريس، في صحيفة “فايننشيال تايمز”، اليوم الأحد، يبدو أن هذه الخطوة قد توجه ضربة قاتلة لنظام التجارة العالمي الذي يدار من خلال منظمة التجارة العالمية، والذي يعاني بالفعل من التآكل والجمود.

وأوضح توريس، قائلًا "أنشأ المجتمع الدولي هذه المنظمة لضمان استقرار التجارة والاستثمار، من خلال مبدأين أساسيين: (المعاملة الوطنية)، الذي يكفل معاملة السلع المستوردة بعد دخولها البلاد مثل السلع المحلية، ومبدأ (الدولة الأولى بالرعاية)، الذي يُلزم كل دولة عضو بتوفير نفس شروط التجارة لجميع الأعضاء، باستثناء بعض الاتفاقات الإقليمية الحرة".

وتهدد الخطوة الأمريكية بتمزيق هذا الإطار القائم على القواعد، وتحويله إلى شبكة معقدة من الاتفاقيات الثنائية، ما يُضعف ثقة المستثمرين ويزيد من الفوضى في النظام التجاري العالمي.

دعوة لإصلاح القواعد القديمة 

تُبرز هذه الأزمة ضرورة استغلالها لدفع إصلاحات طال انتظارها داخل منظمة التجارة العالمية، خاصة ما يتعلق بطريقة اتخاذ القرارات التي تقوم على "الإجماع الكامل"، وهي ممارسة أصبحت عبئًا على فاعلية المنظمة في التفاوض وصياغة الاتفاقيات الجديدة.

وقد اعتمدت المنظمة مبدأ الإجماع، رغم أن قوانينها تُجيز التصويت، وذلك لإعطاء القرارات طابعًا توافقيًا، لكن هذا النهج تحوّل إلى وسيلة ضغط، حيث يستخدمه المفاوضون كأداة لانتزاع تنازلات، ما يُعوق المبادرات ويجمد المسارات التفاوضية.

يعرقل هذا الوضع تقدم المنظمة لسببين أساسيين: أولهما، أن الإجماع يُساوي بين جميع الأعضاء من حيث الحقوق والواجبات، رغم اختلاف مستوياتهم الاقتصادية، وثانيهما، أن تصاعد التوترات الجيوسياسية يجعل من الصعب الوصول إلى توافقات، ما يحوّل الإجماع من وسيلة تعاون إلى أداة تعطيل.

تحديث آليات العمل 

طرحت بعض الأطراف فكرة استبدال مبدأ الإجماع بـ"قاعدة الأغلبية المزدوجة"، التي تقتضي أن تحظى أي قرارات بدعم 65% على الأقل من الأعضاء، على أن يمثل هؤلاء ما لا يقل عن 75% من حجم التجارة العالمية.

يرى أصحاب هذا الطرح أن النظام المقترح سيمنح القرارات قدرًا أعلى من التمثيل الواقعي للثقل التجاري للدول، دون أن يُقصي الدول الصغيرة، وفي حال تم اعتماد هذا التوجه، سيكون من الضروري أيضًا تعزيز ما يُعرف بـ"المعاملة الخاصة والتفضيلية" لصالح الدول النامية، بما يضمن إنصافها ودعم قدراتها على المنافسة.

وتُطرح أيضًا فكرة إنشاء "مكتب تقييم مستقل" داخل منظمة التجارة العالمية، على غرار ما هو معمول به في مؤسسات مالية دولية مثل صندوق النقد الدولي والبنك الدولي، ويُنتظر من هذا المكتب تقديم تقييمات موضوعية لأداء المنظمة وتحديد مكامن الخلل من دون تدخل سياسي.

ولا يُتوقع أن تكون تكلفة هذا المكتب عالية، إذ إن التجربة المماثلة في صندوق النقد الدولي تُظهر أن مكتب التقييم يعمل بميزانية لا تتجاوز 0.5% من الإنفاق التشغيلي، لكنه يلعب دورًا محوريًا في توجيه السياسات وتعزيز الشفافية.

ومن شأن وجود جهة مستقلة للتقييم أن يُسهم في تحسين الأداء المؤسسي، وإعادة بناء الثقة بين الأعضاء، وفتح الباب لإصلاحات أعمق في المستقبل.

نحو استقرار الاقتصاد العالمي 

أمام هذا الواقع المضطرب، يُفترض بصناع القرار في العالم أن يتجنبوا الانزلاق نحو حرب تجارية مفتوحة، ويستغلوا اللحظة لإطلاق مسار إصلاحي شامل يعيد الاعتبار لأهمية التعاون الاقتصادي الدولي.

ويشكل إصلاح منظمة التجارة العالمية رسالة طمأنة للأسواق بأن العالم لا يسير نحو الفوضى، بل يسعى لتجديد مؤسساته بما يعزز الاستقرار والعدالة في التبادل التجاري، وإذا نجح المجتمع الدولي في ذلك، فسيكون قد حول أزمة الرسوم إلى فرصة لإنقاذ نظام تجاري دولي يواجه أكبر اختبار له منذ عقود.



 



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية