«نيويورك تايمز»: منظمة التجارة العالمية تواجه اختباراً صعباً أمام التصعيد الأمريكي
«نيويورك تايمز»: منظمة التجارة العالمية تواجه اختباراً صعباً أمام التصعيد الأمريكي
دخلت منظمة التجارة العالمية في واحدة من أصعب الأزمات منذ إنشائها، مع تصاعد التوترات التجارية بين الولايات المتحدة والدول الكبرى، فقد أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب عن فرض رسوم جمركية جديدة على الواردات من عدة دول، في خطوة وصفت بأنها هجوم مباشر على النظام التجاري الحر الذي تأسس بعد الحرب العالمية الثانية، وفقًا لتقرير نشرته صحيفة "نيويورك تايمز"، الجمعة.
وأكد ترامب، الخميس، أن هذه التعريفات ستدخل حيز التنفيذ في أبريل المقبل، مشيرًا إلى أنها ستمنح الولايات المتحدة قوة تفاوضية أكبر، حيث ستتيح فرض ضرائب مباشرة على الواردات بدلًا من الالتزام بالتعريفات العالمية الموحدة.
وتبنّت الولايات المتحدة، باعتبارها أكبر مستورد في العالم، سياسة تجارية قائمة على استيراد بضائع أكثر من صادراتها، لكن ترامب سعى إلى إعادة التوازن التجاري عبر فرض تعريفات جمركية جديدة تهدف إلى حماية الصناعات الأمريكية.
وراهن ترامب على أن الدول المصدرة للسوق الأمريكية ستتجنب فرض تعريفات جمركية مضادة، خوفًا من الخسائر الاقتصادية، لكن خبراء التجارة حذروا من أن هذه الإجراءات قد تؤدي إلى ارتفاع عالمي في التعريفات الجمركية، مما قد يضع منظمة التجارة العالمية أمام أزمة غير مسبوقة.
مستقبل التجارة الحرة
أفادت "نيويورك تايمز" بأن قرار ترامب قد يؤدي إلى ارتفاع أسعار السلع عالميًا وتقويض مبدأ التجارة الحرة.
ونقلت عن رئيسة قسم السياسات التجارية في مؤسسة هينريتش، ديبورا إلمز، أن مصير النظام التجاري العالمي يعتمد على ردود أفعال الدول الأخرى، متسائلة: "هل ستلتزم الدول بالقواعد المتفق عليها، أم أنها ستتجه إلى فرض سياسات تجارية أحادية؟".
وأسست الدول الكبرى عقب الحرب العالمية الثانية الاتفاقية العامة للتعريفات الجمركية والتجارة (GATT)، التي لا تزال تشكل أساس التجارة العالمية حتى اليوم.
وقّعت 23 دولة، من بينها بريطانيا وفرنسا، على هذه الاتفاقية عام 1947، والتزمت بفرض تعريفات موحدة على جميع الشركاء التجاريين.
واصلت الدول مفاوضاتها لخفض التعريفات، وأسفرت جولة أوروغواي عام 1993 عن خفض إضافي في الرسوم الجمركية وإنشاء منظمة التجارة العالمية، التي تتولى مسؤولية تنظيم القواعد التجارية الدولية وتسوية النزاعات بين الدول.
ترامب يصعّد المواجهة
انتقد ترامب، منذ بداية ولايته الأولى، آلية التحكيم داخل منظمة التجارة العالمية، متهمًا إياها بـ التحيز ضد المصالح الأمريكية، خاصة فيما يتعلق بسياسات الدعم الحكومي للصناعات المصدرة في بعض الدول، مثل الصين.
عرقل ترامب تعيين قضاة جدد في الهيئة العليا لحل النزاعات، مما أدى إلى تعطيل قرارات المنظمة ومنعها من إصدار أحكام ملزمة في القضايا التجارية.
ناقشت إدارته إمكانية إعادة صياغة التعريفات الجمركية بالكامل، لكن تعقيد العملية، التي تشمل أكثر من 4 آلاف فئة من الواردات المتبادلة بين الولايات المتحدة و150 دولة، دفعها إلى التراجع، ومع ذلك، يبدو أن ترامب مستعد الآن لاتخاذ هذه الخطوة.
تصعيد ضد الدول النامية
أشارت نيويورك تايمز إلى أن بعض الدول النامية، مثل الصين والهند، حافظت على تعريفات جمركية مرتفعة منذ توقيع اتفاقية الجات عام 1947، بهدف حماية صناعاتها الناشئة من المنافسة الأجنبية.
أصرت هذه الدول أيضًا على دعم قطاعها الزراعي لضمان تحقيق الاكتفاء الذاتي من الغذاء، وهي سياسات أجازتها الاتفاقية لحماية الاقتصادات النامية.
وأصبحت الصين والهند من أكبر القوى الاقتصادية في العالم، لكنها لا تزال تحتفظ بوضعها كدول نامية وفقًا لقواعد منظمة التجارة العالمية، مما يسمح لها بفرض تعريفات مرتفعة والاستمرار في تقديم دعم زراعي كبير.
ورغم أن الصين بدأت في تخفيض بعض تعريفاتها الجمركية خلال الحرب التجارية مع الولايات المتحدة بين 2018 و2019، فإنها لا تزال تحتفظ بأكبر دعم زراعي في العالم.
وألمح ترامب إلى أن الدول النامية التي تفرض تعريفات جمركية مرتفعة قد تواجه رسومًا أمريكية مماثلة، لكن الصين والهند، إلى جانب دول نامية أخرى، جادلت بأن مستويات الدخل فيها لا تزال منخفضة مقارنة بالدول المتقدمة، مما يستدعي حماية اقتصاداتها وأمنها الغذائي.
حرب تجارية تلوح في الأفق
تجد أوروبا والدول النامية نفسها في موقف صعب، حيث تعتمد هذه الدول على تحقيق فائض تجاري مع الولايات المتحدة من أجل تعويض العجز التجاري مع الصين.
إذا قررت هذه الدول الرد على تعريفات ترامب بفرض إجراءات انتقامية، فقد يؤدي ذلك إلى حرب تجارية عالمية تهدد بانهيار منظمة التجارة العالمية، التي شكلت الركيزة الأساسية لنمو الاقتصادات النامية على مدى العقود الماضية.
وتواجه منظمة التجارة العالمية لحظة حاسمة، حيث إن استمرار السياسات الأمريكية التصعيدية قد يؤدي إلى إعادة تشكيل النظام التجاري العالمي، أو إلى حالة من الفوضى الاقتصادية غير المسبوقة.
وفي ظل هذه التوترات، يترقب العالم تطورات المشهد التجاري، وسط مخاوف من انهيار نظام التجارة الحرة الذي ساعد في دفع عجلة النمو الاقتصادي العالمي لعقود.