من الساحل السوري إلى عكار.. لاجئون يبحثون عن الأمان في لبنان

من الساحل السوري إلى عكار.. لاجئون يبحثون عن الأمان في لبنان
سوريون يفرون إلى لبنان

بدأ السوريون يستبشرون بمستقبل أفضل بعد انتهاء حقبة النظام السوري السابق، آملين بمرحلة جديدة يعيش فيها أبناء البلد الواحد بعيدًا عن العنف والتصفيات، لكن التوترات الأمنية التي أعقبت سقوط النظام، والجرائم التي استهدفت فئات من الشعب، أعادت مشهد النزوح واللجوء إلى الواجهة، وفتحت فصلًا جديدًا من فصول المعاناة الإنسانية.

دفعت أحداث العنف التي شهدتها منطقة الساحل السوري في مارس الماضي كثيرًا من السكان إلى الفرار نحو لبنان طلبًا للأمان، وسط مخاوف حقيقية من تفاقم الأوضاع وانعدام الحماية.

قال “علي”، وهو من سكان محافظة حمص السورية، في حديث لـ"جسور بوست": "نزحنا إلى منطقة عكار شمال لبنان لقربها الجغرافي من حمص، كانت الرحلة مرهقة للغاية، والقلق يسيطر علينا كبارًا وصغارًا من أن يتعرض لنا أحد على الطريق، ما حدث في الساحل أرعبنا، ولم نعد نشعر بأي أمان داخل سوريا".

وتابع: "لم يكن هناك خطر مباشر في منطقتنا حين قررنا المغادرة، لكننا لم نعد نحتمل التوتر، لجأنا إلى أقاربنا الذين يقيمون في لبنان منذ سنوات، وكان الاستقبال اللبناني طيبًا، نعيش اليوم على أمل عودة سريعة إلى سوريا، وإن لم يكن ذلك ممكنًا، فالهجرة إلى الخارج أصبحت حلمنا الوحيد من أجل حياة أفضل".

نزوح على الأقدام

أما كيندا، 25 عامًا، فروت لـ"جسور بوست" تفاصيل نزوحها قائلة: "مع بدء العمليات العسكرية في الساحل، بدأ المسلحون يطلقون النار عشوائيًا في مناطق بعيدة عنا، لكننا خفنا كثيرًا، لذا قررنا الرحيل فورًا إلى لبنان، فاستقللنا السيارة إلى الحدود، ومن ثم أكملنا الطريق مشيًا على الأقدام لأربع ساعات".

وأضافت: "الكثير من أهل منطقتنا غادروا سوريا، في حين بقي البعض هناك، ولا نعرف مصيرهم، قيل لنا لاحقًا إن الأمور هدأت، وإن الدولة وعدت بمحاسبة المسؤولين، لكننا لا نشعر بأي ثقة، لن نعود من دون ضمانات حقيقية".

تفيد أرقام الأمم المتحدة بأن عدد اللاجئين السوريين الذين وصلوا إلى لبنان منذ سقوط نظام بشار الأسد تجاوز 100 ألف شخص، من بينهم 30 ألفًا يتمركزون في شمال البلاد، وتشير البيانات إلى أن 91% من اللاجئين يعيشون خارج الملاجئ الجماعية، في حين فتحت المجتمعات المحلية 25 مأوى جماعيًا، منها 22 في عكار و3 في مناطق شمالية أخرى، لإيواء من لا يملكون مأوى بديلًا.

جهود أهلية ومجتمعية

أوضح إحسان رمضان، ممثل المجلس الإسلامي العلوي لدى الجالية العلوية في أستراليا وعضو لجنة "أهل الخير"، في حديثه لـ"جسور بوست"، أن اللاجئين السوريين بحاجة ماسة إلى رعاية دولية، مشيرًا إلى أنهم "توزعوا في أنحاء لبنان، لكن الثقل الأكبر يتركز في عكار وجبل محسن ومجدليا والكورة، ومعظمهم لجأ إلى أقربائه، فيما اضطر الآخرون للسكن في قاعات عزاء ومحال فارغة، ويُقدّر عددهم بأكثر من 50 ألف نازح".

وتابع رمضان: “كنا في لجنة أهل الخير بمنطقة جبل محسن، على تواصل مع المجلس الإسلامي العلوي، وبدأنا بتوزيع مساعدات مالية، إلى جانب الفرش والأغطية والمخدات، بدعم من مجموعة ”متحدون" التي فتحت باب التبرعات للنازحين، وأسهم أبناء منطقة جبل محسن بشكل كبير من خلال التبرع بالملابس والمواد الغذائية".

دعم من الصليب الأحمر والمؤسسات

وأشار رمضان إلى تواصل حصل بين الصليب الأحمر اللبناني والمجلس الإسلامي العلوي والرابطة الخيرية الإسلامية العلوية، حيث أسهم هذا التعاون في تأمين الفرش والأغطية والمواد الغذائية اللازمة لبعض الملاجئ، مؤكدًا أن الاحتياجات اليومية لا تزال كبيرة وتتطلب دعمًا مستمرًا.

تشير تقارير أممية إلى أن نحو 90% من اللاجئين السوريين في لبنان يعانون الفقر المدقع، وهو ما يزيد من تعقيد واقعهم، ويضعهم في مواجهة مستمرة مع نقص الحاجات الأساسية من غذاء ومأوى ورعاية صحية.

اتصالات لضمان العودة الآمنة

من جانبه، يوضح المحامي علي أعد، أن اللاجئين “واجهوا انتهاكات مماثلة لتلك التي يتعرض لها عموم اللاجئين السوريين، لكنهم في بعض الحالات يواجهون تحديات إضافية ذات طابع طائفي أو سياسي، ويعاني كثير منهم التمييز والوصم على خلفية انتمائهم المذهبي أو مناطقهم الأصلية في سوريا، إضافة إلى غياب أي دعم مجتمعي حقيقي داخل لبنان نتيجة التوترات السياسية والطائفية”.

ويضيف في حديثه لـ"جسور بوست": "وضعهم اليوم هشّ للغاية، إذ يعيشون في حالة خوف دائم من الملاحقة، سواء من الجهات الرسمية أو من بعض المجتمعات المحلية، وسط انعدام الحماية القانونية وغياب صوت واضح يدافع عنهم".

وحول ما إذا كانت الدولة اللبنانية قد اطّلعت على أوضاع هؤلاء اللاجئين السوريين، أو وعدت بتقديم المساعدة، يوضح أعد: "رغم أن الخطاب الرسمي اللبناني لا يُظهر تمايزًا في التعامل مع فئات اللاجئين، فإن هناك مبادرات فردية وجهودًا حثيثة لإيصال صوتهم، من أبرزها ما يقوم به رئيس المجلس الإسلامي العلوي سماحة الشيخ علي قدور، الذي حمل مؤخرًا ملف النزوح العلوي الجديد إلى رئيس الحكومة اللبنانية وقائد الجيش خلال زيارات رسمية، عارضًا تفاصيل دقيقة عن المعاناة التي يعيشها هؤلاء اللاجئون، والحاجة الملحّة لتوفير الحماية الإنسانية والاجتماعية لهم، إلى جانب مخاطبة وزارة الداخلية عبر محافظي طرابلس وعكار".

ويتابع: "هذه الخطوة شكّلت بادرة مهمة لكسر الصمت الرسمي، وإيصال صورة واقعية بعيدًا عن التسييس والتعميم، لكنها تحتاج إلى متابعة جادة وضغط مستمر حتى تُترجم إلى إجراءات عملية تحفظ كرامة النازحين وتؤمّن لهم أبسط حقوقهم."

ورداً على سؤال حول وجود تواصل مع جهات رسمية أو منظمات حقوقية وأممية لضمان عودة اللاجئين إلى سوريا، يكشف أعد: "برغم ضعف الآليات الدولية الحالية، هناك جهود جدية تُبذل من قبل شخصيات دينية ومجتمعية حريصة على كرامة وحقوق اللاجئين، وفي طليعتهم سماحة الشيخ علي قدور، الذي يواصل العمل لإيصال صوت اللاجئين العلويين في لبنان إلى الجهات المعنية محليًا ودوليًا".

ويكمل: “يقوم سماحته بالتواصل مع منظمات حقوقية وإنسانية، ويشارك في لقاءات رسمية وغير رسمية لتسليط الضوء على أوضاعهم، والدعوة إلى ضمان عودة آمنة وكريمة لهم، من خلال إحلال السلام في بلادهم وإقامة دولة مدنية عادلة، بعيدًا عن أي استغلال سياسي أو طائفي، كما يعمل على تعزيز الوعي العام حول معاناتهم، والدفع باتجاه بناء شبكة حماية مجتمعية تصون حقوقهم وتعيد الاعتبار لكرامتهم الإنسانية، وقد زارنا وفد من مفوضية اللاجئين وبرنامج الغذاء العالمي، ونثني على الدور الإنساني الذي يؤديه الصليب الأحمر اللبناني، والذي لا يألو جهدًا في مساعدة هؤلاء النازحين”.

أزمات متعددة واحتياجات طارئة

يوضح مكتب المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في لبنان أن السوريين الذين ما زالوا يصلون إلى شمال البلاد عبر الحدود غير الشرعية "يبلغون عن صعوبات كبيرة في الوصول إلى الحدود، وغالبًا ما يفتقرون إلى الوثائق الشخصية، ويضطرون لاستخدام مدخراتهم لتمويل رحلة النزوح، بعد أن عانوا تبعات مباشرة للصراع، يقول كثير منهم إنهم شهدوا مقتل أصدقائهم وأفراد من عائلاتهم بأعينهم، وقد أدت تجربة الفرار والنزوح إلى تفاقم الأمراض المزمنة، فيما تظهر على الأطفال علامات واضحة للصدمة النفسية".

ويضيف المكتب لـ"جسور بوست" أن اللاجئين يواجهون جملة من المشكلات، أبرزها "صعوبة الوصول إلى الخدمات الطبية نتيجة محدوديتها الشديدة، إضافة إلى الآثار النفسية التي خلفها النزوح، وندرة الدعم المقدم من وزارة الصحة العامة والضمان الاجتماعي، فضلًا عن الاكتظاظ في مراكز الإيواء الجماعية وما ترتب عليه من ظروف غير صحية وانعدام للخصوصية، ناهيك عن محدودية مرافق المياه والصرف الصحي".

ورغم تفاقم هذه الأزمات، يشدد المكتب على ضرورة إيجاد حلول عاجلة، مشيرًا إلى أنه، وبالتعاون مع جهات دولية مانحة، قام بتوزيع العديد من المواد الأساسية مثل الفرش، الأغطية، وأطقم المطبخ وغيرها من المستلزمات.

دور رسمي محدود

وحول المساعدات التي وفّرتها الدولة اللبنانية للاجئين السوريين، يكشف النائب في البرلمان اللبناني أحمد رستم أن "تنسيقًا جرى مع الهيئة العليا للإغاثة والجهات الفاعلة في شمال لبنان، ما أسفر عن توفير بعض المواد الأساسية من أغطية وطعام وغير ذلك".

ويضيف في حديثه لـ"جسور بوست": "قمت بالتنسيق أيضًا مع وزير الصحة بشأن توفير الأدوية، ونظمت بوصفي طبيبًا جولات ميدانية للكشف عن أوضاع اللاجئين، ومعاينة المرضى وتوفير أدويتهم قدر المستطاع".

وفي سياق متصل، يلفت إلى أن هناك ما لا يقل عن 4000 لبناني كانوا مقيمين في سوريا، وقد لجؤوا أخيرًا إلى لبنان بعد تصاعد الأحداث في الساحل السوري، مضيفًا: "من الضروري أن يحظى هؤلاء أيضًا بالاهتمام اللازم من قبل الدولة اللبنانية".

ويختم رستم بالقول: "حل أزمة اللاجئين مسؤولية الحكومة اللبنانية، ويجب أن يتم التعامل معها بما يضمن كرامة الإنسان وحقوقه الأساسية".

وكان رئيس الحكومة اللبنانية نواف سلام قد زار العاصمة السورية دمشق، حيث التقى بالرئيس السوري أحمد الشرع، وتناول الطرفان في لقائهما ملفات عدة، على رأسها ملف اللاجئين السوريين في لبنان.

منذ اندلاع الثورة السورية عام 2011، دخل أكثر من 1.5 مليون لاجئ سوري إلى لبنان بحسب الأمم المتحدة، في حين تشير تقديرات غير رسمية إلى أن العدد تجاوز 2.5 مليون، ووسط تفاقم الأوضاع الإنسانية وتراجع قدرة الدولة اللبنانية على الاستجابة، تبقى الأزمة مرشحة للتصاعد، ما لم تتوفر حلول إنسانية عادلة تحفظ كرامة اللاجئين وتؤمّن لهم مستقبلاً أفضل.



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية