خلال 3 سنوات من الحرب.. وفيات أطفال السودان كارثة حقوقية تتفاقم وتنتظر ترياق السلام

خلال 3 سنوات من الحرب.. وفيات أطفال السودان كارثة حقوقية تتفاقم وتنتظر ترياق السلام
أطفال سودانيون يعانون جراء استمرار الحرب- أرشيف

في ظل دخول الحرب بالسودان عامها الثالث، لا يزال الأطفال حسب التقديرات الحقوقية في صدارة ضحايا ذلك النزاع بين الجيش وقوات الدعم السريع، وسط صمت دولي ومناشدات أممية بتدخلات عاجلة، ووفيات لا تزال تشكل مأساة يومية بالبلد العربي.

ويرى خبراء في الشأن الحقوقي، تحدثوا لـ"جسور بوست"، أن الأطفال هم الضحايا الصامتون الذين تزداد وفياتهم جراء الجرائم والانتهاكات غير المسبوقة بالبلاد منذ اندلاع النزاع في أبريل 2023، مشددين على أنه لا حل سوى وقف الحرب فورا وبدون شرط وزيادة التمويل وعدم الغياب الدولي عن المساندة الإنسانية والحقوقية لا سيما للأطفال والفئات الضعيفة بالسودان.

وتكشف الأرقام الحقوقية الدولية مأساة مستمرة منذ اندلاع الحرب، أعلنت اللجنة التمهيدية لنقابة أطباء السودان وفاة 45 ألف طفل بسبب سوء التغذية منذ اندلاع الحرب في أبريل 2023، 

وقالت عضو اللجنة التمهيدية أديبة إبراهيم السيد، إن “حصيلة حالات الإصابة بالأمراض وسط الأطفال ارتفعت بصورة كبيرة نتيجة لاستمرار الحرب، كما توفي 45 ألف طفل بسبب سوء التغذية منذ اندلاع النزاع”.

وأشارت السيد إلى أن اللجنة رصدت وفاة طفل أو طفلين كل ساعة بمخيم كلما بجنوب دارفور ومخيم زمزم بشمال دارفور ومراكز الإيواء في مدينة أدري شرقي تشاد التي تستضيف مئات الآلاف من اللاجئين السودانيين، لافتة إلى أن رصد وفاة طفل أو طفلين كل ساعة يشمل مراكز الإيواء البعيدة عن مرافق الرعاية الصحية.

وبحسب تقرير حديث لـ"اليونسيف"، فإن "النزاع في السودان الذي يدخل عامه الثالث، سجل تضاعف عدد الأطفال الذين يحتاجون إلى المساعدات الإنسانية؛ حيث ارتفع من 7.8 مليون طفل في بداية عام 2023 إلى أكثر من 15 مليون طفل الآن".

ويحذر التقرير الأممي الصادر قبل أيام من أنه "ما لم تتّخذ إجراءات عاجلة، قد تزداد حدّة الأزمة الإنسانية المروّعة في السودان فتصبح كارثة أكبر"، مؤكدا أن "عنف أطراف النزاع ضد الأطفال والجوع والأمراض في تزايد ويستمر التهجير في تعطيل الحياة، وتتقلص إمكانية الوصول الإغاثي الإنساني إلى الأسر".

أرقام مفزعة 

ووفق التقرير الحديث لـ"اليونسيف"، "يعاني السودان أكبر الأزمات الإنسانية وأكبر أزمات تهجير الأطفال على مستوى العالم.. وهناك أكثر من 30 مليون شخص يحتاجون إلى المساعدة الإنسانية هذا العام، نصفهم من الأطفال".

وأشار التقرير إلى أن “النزاع أدى إلى تهجير نحو 15 مليون شخص، داخل السودان وعبر حدوده وأكثر من نصف النازحين هم من الأطفال.. ومن هؤلاء، نحو ثلثهم تحت سن الخامسة”. 

ولفت إلى ارتفاع عدد الانتهاكات الجسيمة ضد الأطفال بمقدار 10 أضعاف خلال عامين، موضحة أن الانتهاكات الجسيمة الأكثر تكراراً التي تم التحقق من وقوعها تشمل: القتل والتشويه، واختطاف الأطفال، والهجمات على المدارس والمستشفيات. 

وأوضح تقرير “اليونيسف” أنه بين عامي 2022 و2024، تم قبول 60% من مجمل القبولات السنوية في المستشفيات لحالات سوء التغذية الحاد الوخيم خلال موسم الأمطار.. وإذا استمر هذا التوجّه، فقد يصيب سوء التغذية الحاد الشديد 462 ألف طفل بين شهري مايو وأكتوبر من هذا العام".

ومن المتوقع أن تتفشى الأمراض؛ في عام 2024 وحده تم الإبلاغ عن 49 ألف حالة كوليرا وأكثر من 11 ألف حالة من حمى الضنك 60 بالمئة منها بين الأمهات والأطفال.. وتزداد حدّة هذه الفاشيات بسبب آثار موسم الأمطار التي تشمل تلوث المياه، وتدهور الصرف الصحي، وزيادة النزوح وتنقّلات السكان، يحذر التقرير الأممي.

ولا يزال تمويل الاستجابة في السودان في أزمة، وتطلب اليونيسف مبلغ مليار دولار أمريكي لتمويل استجابتها في السودان لعام 2025. وهذا المبلغ لا يمثّل إلا 76 دولاراً أمريكياً فقط لكل شخص طوال العام، أي 26 سنتاً أمريكياً في اليوم، وبحسب التقرير فإنه حتى الآن، ليس لدى اليونيسف إلا 266.6 مليون دولار أمريكي مخصصة لهذه الاستجابة، ومعظم هذه تم تدويرها من عام 2024، ما عدا 12 مليون دولار أمريكي فقط هي التي تم استلامها في عام 2025.

أوضاع بائسة

في السياق، قالت منظمة "أنقذوا الطفولة" الدولية إن نحو 6 ملايين طفل يعيشون أوضاعا بائسة، مطالبة بوقف الحرب فورا.

وقال رئيس العمليات الإنسانية بالمنظمة في السودان فرانشيسكو لانينو، لوكالة الأنباء الإيطالية "أنسا"، إن الصغار يدفعون الثمن الأكبر للمعاناة الناجمة عن الحرب التي دخلت عامها الثالث من دون أن يلوح في الأفق أمل لوقفها.

وأوضح لانينو: "عيون الأطفال شهدت عنفا لا يوصف.. عندما يلجؤون إلى معسكراتنا تبدو عليهم عيون ضائعة وحزينة ومكتئبة".

وحذرت مديرة برامج الطوارئ في منظمة اليونيسف لوشيا إلمي في تصريحات للصحفيين مارس الماضي من أن السودان يخاطر بفقدان جيل كامل من الأطفال، مشيرة إلى أن أطفال السودان محاصرون في واحدة من أسوأ الأزمات الإنسانية في العالم ويعصف بهم الصراع والنزوح والجوع.

وقالت مسؤولة اليونيسف إنه من المتوقع أن يعاني 3.2 مليون طفل دون سن الخامسة من سوء التغذية الحاد هذا العام، بمن فيهم 770 ألفا يواجهون سوء التغذية الحاد الوخيم، وهو أشد أشكال الجوع فتكا، ما يجعل الأطفال أكثر عرضة للوفاة من المرض بمقدار 11 مرة.

ضحايا صامتون

قالت هالة الكارب، المديرة الإقليمية لمبادرة نساء القرن الإفريقي (صيحة)، في تصريح لـ"جسور بوست" إن "للحرب تأثير كبير جدا على الأطفال في السودان وهم الضحايا الصامتون حيث يفوق عدد الأطفال المتأثرين بالحرب تاثيرا مباشر الـ12 مليون طفل يعانون من غياب الخدمات الصحية والوقائية والتعليم والسكن الآمن".

وأضافت الحقوقية السودانية هالة الكارب: "ترتفع نسب وفيات الأطفال بشكل كبير، خصوصا الأطفال حديثي الولادة.. ويتعرض الأطفال للاستغلال الجنسي والتجنيد القسري والحرمان من التعليم، وهناك أعداد ضخمة من الأطفال فقدوا أسرهم ولا توجد مؤسسات رعاية تحميهم وتوفر سكنا آمنا لهم".

وأوضحت أن "الأطفال في السودان يعانون من الاختطاف والاسترقاق تحديدا في مناطق الدعم السريع والعمل القسري، وترتفع نسبة زواج الفتيات الصغيرات نتيجة للفقر وغياب القوانين والحماية الاجتماعية"، مشيرة إلى أنه "مع ارتفاع أزمة التمويل دوليا يقع السودان في أسفل قائمة الدول التي تتلقى التمويل، حيث تعاني المنظمات الدولية العاملة في السودان من نقص حاد في التمويل وبالتالي غياب كامل للخدمات والعون الموجه نحو الأطفال".

خطر الموت 

يرى صالح عثمان، الحقوقي السوداني المتخصص في شؤون النزاعات، أن "الأطفال ظلوا يتعرضون للموت منذ اندلاع الكارثة الإنسانية في دارفور والسودان بسبب الحروب المستمرة، وكانوا وما زالوا يتعرضون للموت بصورة مباشرة جراء حرق القري بواسطة الجنجويد والدعم السريع وبقية القوات المعروفة وبواسطة الطيران الحربي الحكومي والمسيرات بواسطة طرفي الحرب إلى جانب دانات المدافع والرصاص المستخدم بواسطة أطراف الصراع".

وأضاف عثمان، في تصريحات لـ"جسور بوست": "يموت الأطفال أيضا بطرق غير مباشرة بسبب سوء التغذية والأمراض المعدية وانعدام الدواء والعلاج بسبب تدمير المستشفيات ومراكز العلاج، والأطفال أيضا لا يزالون يشكلون نسبة عالية من ضحايا النزوح في المعسكرات"، لافتا إلى أن "هناك عددا كبيرا من الأطفال من فاقدي الأبوين بخلاف تعرض الأطفال للتجنيد القسري بواسطة طرفي الحرب في مناطق الصراع".

وأكد الحقوقي السوداني المتخصص في شؤون النزاعات، أنه "لا تتوفر الحماية المطلوبة للأطفال وقد ظلوا يتعرضون للانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان والقانون الدولي الإنساني وهم عرضة بصورة ملحوظة للانتهاكات الجنسية الشنيعة من بينها الاغتصاب والاستعباد الجنسي والاتجار بالبشر".

وشدد على أن "معاناة الأطفال تتضاعف بصورة ملحوظة في حالات حصار المدن والنزوح القسري كما هي الحال في الفاشر، وأم كدادة، وزمزم وأبو شوك ومناطق أخرى في مختلف أنحاء دارفور وكردفان وأطراف أم درمان".

ويرى الحقوقي صالح عثمان أن "الحل يكمن في وقف الحرب فورا وبدون شروط"، مشددا على أنه "تقع المسؤولية القانونية والأخلاقية على طرفي الحرب وحلفائهم، وتتحمل الأمم المتحدة ووكالاتها المختلفة ومجلس الأمن المسؤولية الكاملة في حماية أطفال دارفور والسودان".

وهو ما تؤكده أيضا الحقوقية السودانية ومديرة وحدة مكافحة العنف ضد المرأة (هيئة حكومية)، سليمى إسحاق، قائلة، إنه لا "سبيل لوقف هذه الجرائم والانتهاكات بحق الأطفال ومختلف شرائح الشعب السوداني سوى بإدانة دولية قوية ضد قوات الدعم السريع وتحرك أكبر دولي لوقف الحرب"

وشددت إسحاق، في تصريح لـ"جسور بوست"، على أنه "حدث تغير في الموقف الدولي لصالح إدانة قوات الدعم السريع لكن هذا غير كافٍ خاصة أن هناك غيابا دوليا وعدم مساندة على أرض الواقع".



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية