مارينا نخلة.. فراشة مصرية تُحلق بساقين من حديد في أمريكا وتُلهم ذوي الإعاقة "حوار"

مارينا نخلة.. فراشة مصرية تُحلق بساقين من حديد في أمريكا وتُلهم ذوي الإعاقة "حوار"
مارينا نخلة

مهما كان الأمر كبيرًا، احزم أمرك وتوكل ولا تتردد، فالتردد يدفعك إلى السقوط، فأكثر الناس تأثيرًا لا يتجاوزون المحن بل يتبنونها، إنهم يدركون أن ما هم عليه هدية وليس عقبة يجب التغلب عليها، فيسعون لتحويل ما يمكن أن يكون مصدر ضعف، إلى نسخة أكثر قوة وتأثيرًا في حياة الآخرين.

من هؤلاء فراشة عشرينية تدعى مارينا نخلة، مصرية أمريكية من متحدي الإعاقة، ولدت بمشكلة صحية تطلبت بتر قدميها، لتستبدلهما بساقين من حديد، أصبحتا فيما بعد أداة تحلق من خلالهما لمساندة ودعم ذوي الإعاقة.

مارينا نخلة، البطلة والناشطة في الدفاع عن حقوق متحدي الإعاقة، تمتلك إرادة فولاذية وروحًا متوهجة لا تهزم، كانت عونًا لها في التغلب على صعوبات كثيرة منذ أن كانت في عمر 14 شهرًا، فاتخذت بدعم والديها من هذه الرحلة دافعًا ومحفزًا لها للدفاع عن حقوق متحدي الإعاقة، وتستكمل هذا السعي من خلال دراستها للدكتوراه في جامعة كاليفورنيا - سان دييجو في برنامج علم النفس الإكلينيكي، حتى تتمكن من العمل كطبيبة نفسية إكلينيكية، وتواصل إجراء البحوث في علم النفس العصبي لدعم ورعاية كل من يعاني من إعاقة.

نجحت البطلة في تبني الأزمة والصعود من خلالها أعلى درجات الإنسانية، فكتبت في المجلات عن تجربتها، وجمعت كل ذي إعاقة في جامعتها وقدمت لهم الأنشطة، وصورت الفيديوهات الإرشادية، كما تشارك في الكثير من الفاعليات والأنشطة وكان من بينها ماراثون مشت خلاله 5 كيلومترات في حدث نظمته مؤسسة التحدي للرياضيين، وعرض أزياء.

ما قامت به الفراشة المصرية، كان مصدر فخر لبلدها الأم ما دفع وزيرة الهجرة وشؤون المصريين بالخارج نبيلة مكرم، إلى التواصل معها هاتفيًا لتهنئتها على ما تحققه من إنجازات، حيث أصبحت عضوًا فاعلًا في كثير من الجمعيات والمنظمات لرعاية مبتوري الأطراف.

"جسور بوست"، حاورت الفراشة الشابة حول تجربتها وكيف أصبحت نموذجًا وقدوة ليس لذوي الإعاقة فقط، وإنما للجميع.

كيف أصبحت هذا النموذج الملهم والإيجابي في حياة ذوي الإعاقة وكل من يعرفك؟

أنا مصرية وأحمل الجنسية الأمريكية، ولدت بحالة نادرة تسمى "تيبيا" وهي عبارة عن عدم وجود عظام كبيرة بالساقين، خيَّر الأطباء والداي بين البتر مع قدرتي على السير من خلال الأجهزة مستقبلًا، وبين إبقاء القدمين ولكن سأعيش حياتي خلال كرسي متحرك، وشجع الأطباء والدي على أخذ الخيار الأول، وتم بتر الساقين وأنا ابنة 14 شهرًا ولبست جهازا لمدة عامين متتاليين، كان يستبدل بآخر أكبر يتناسب وحجم جسمي، هذه الأجهزة "أرجل صناعية"، بالطبع كانت تساعدني على المشي والتحرك، بحمد ربنا وبشكر ماما وبابا لأخذهم هذا الاختيار.

ما نوعية الصعوبات التي واجهتك وكيف تغلبتِ عليها؟

عندما كنت صغيرة، كان الأطفال يتنمرون عليَّ وينظرون إليَّ ويسخرون مني، شجعتني أمي وأخبرتني أنني يمكنني تجاوز الأمر وفعل أي شيء أريده بل وأعتمد على نفسي في فعله، وكذلك أخبرني والدي أنني مميزة والله خلقني هكذا لسبب، فكانوا يجعلونني أشارك في أعمال المنزل، وحينما كنت أريد "غسيل الأطباق"، أقف على حوض المطبخ، لكنني كنت قصيرة بدون جهاز، فكانوا يخصصون لي مقعدًا صغيرًا لفعل ذلك، وتعلمني أمي فعل الأشياء ومنها كيفية الطهي، كذلك باقي العائلة أخبروا والداي أنهم يحمِّلونني ما لا أطيق، لكني لا أعتقد ذلك، بل على العكس جعلني ذلك قوية، لو تعاملت أمي معي على أني معاقة وأخفتني عن العالم لأصبحت شخصا اعتماديا، ولم أكن ما أنا عليه الآن.

أيضًا كان لدي مشكلة بل تحدٍ وهو القيادة، يستلزم الأمر إضافة جهاز للقيادة من خلال اليد دونما الأقدام، كذلك عندما أذهب لإحضار طلبات المنزل، لا أستطيع حمل الأشياء، ولذا قمت بشراء عجلة وأحمل شيئا بشيء حتى أضعها داخل السيارة، وهكذا يتم تفريغها وإدخالها داخل المنزل، إنني أستعين بالأجهزة والأمور حولي كي أعيش بشكل طبيعي وبدون الاعتماد على أحد، كذلك في المدرسة أتعب من المسير، ولذا ممكن أن أدرس من المنزل، أحيانا تحدث تغيرات جسدية عادية من زيادة وزن ونقصانه، مع سوء الأحوال الجوية قد يتسبب لي هذا في تقرحات وجروح، وهذا تحد إلى جانب تحديات أخرى.

وماذا عن والدك؟

 توفي والدي وأنا ابنة 11 سنة رحمه الله، قبل وفاته كان يوصيني على التعلم والمذاكرة وهذا هو الصواب، إذا كان لديك طفل متحدي إعاقة فلا بد أن تعامله على أنه إنسان عادي وتساعده أيضًا فيما يحتاج إليه من الذهاب إلى الطبيب، اجعله قويًا.

والدي أحبني كثيرًا وشجعني، كنت أول ابنة له، وهذا وضعني في ركن مميز لديه، كان يحلم أن أكون طبيبة، وقد حققت له حلمه، أخبرني أنني سأكون مشهورة ولم أصدقه وقتها لكن الآن أصدقه، عندما توفي، قامت أمي بدورها ودوره معًا، البيت مهم جدًا في الدعم، هو الأساس إما أن يجعلوا منك بطلًا أو لا يفعلون.

كيف تعاملت مع هذه المشاكل؟

أخذتها خطوة خطوة، كنت أعلم أنني سوف أبذل مجهودًا ووقتا أكثر إذا أردت فعل شيء من الإنسان الطبيعي، لكن المهم أن أحقق ما أريده، تعلمت من والدتي منذ الصغر أشياء كثيرة أستمد قوتي من والداي منذ الصغر، ولذا عندما أصبحت شابة لم يكن الأمر مستحيلًا.

ما نوعية الأنشطة التي تستطيعين من خلالها مساعدة متحدي الإعاقة؟

في العيادة الخاصة بأجهزة متحدي الإعاقة، يقومون بإرسالي إلى ولايات أخرى كي أشجع من تعرضوا لحوادث، أو من فقدوا أطرافهم بسبب أمراض أو عدوى، وأحيانًا يطلبون مني دعمهم نفسيًا من خلال أحاديث مع الحالات، وحدث وقمت بإظهار نفسي لمجموعة من الفتيات الصغيرات من متحدي الإعاقة، وحدثتهم بروح عالية كي يستطيعوا الاستمرار في الحياة ويستكملوا دراستهم.

أيضًا أكتب قصتي وأقدم الدعم من خلال المجلات، وأحيانًا يطلب مني الكتابة عن دراستي وكيف أتممتها، لإرسال رسالة إلى كل متحدي الإعاقة، مفادها، إذا كانت الدراسة صعبة على الإنسان العادي -نعم صعوبتها أكبر علينا- ولكن يمكننا تجاوز المشكلة وتحقيق الهدف والنجاح في الدراسة، وأقدم نفسي نموذجًا لذلك حيث إنني أدرس الدكتوراه حاليًا، كذلك قمت بتجميع متحدي الإعاقة في جامعتي سواء كانت إعاقة بدنية أو عقلية، ونتواصل وندعم بعضنا بعضا، هذا بخلاف الفيديوهات التي أقوم بتصويرها أتحدث فيها عن الصحة النفسية، والمرأة المتحدية للإعاقة، وبهذا أستطيع التواصل مع متحدي الإعاقة من دول مختلفة.

ماذا تعلمت من تجربتك، وما هي فلسفتك في الحياة؟

الإعاقة ليست مرضًا، وإنما هي حالة مختلفة، هي أمر واقع نعيش به، هذه الحالة علمتني الصبر، وأن أكون قوية وكيف أكون أملًا ومصدرًا للتفاؤل، كذلك الاعتماد على النفس، وحب الناس والاستماع إلى مشاكلهم.

ماذا تمثل لك مهاتفة وزيرة الهجرة المصرية؟

أشعر بالتقدير والتشجيع على الاستمرار، لقد كان شرفا كبيرا، سعيدة أن أكون جزءا من تغيير حياة أحدهم أو تغيير شيء ما نحو الإيجابية في مصر، ولدي أمل أن مصر فيما يخص متحدي الإعاقة تتغير للأفضل، معاملة متحدي الإعاقة لا بد أن تتغير وينظر لها على أنها أمر عادي ليس في مصر فقط وإنما في العالم أجمع، وهذا ما أرغب في فعله.

كيف تنوين مساندة متحدي الإعاقة من خلال دراستك؟

أدرس الدكتوراه في علم النفس في السنة الرابعة، وتخصصي في مجال أمراض المخ مثل ألزهايمر، وسبق الدكتوراه، 2 من الماجستير والبكالوريوس بالطبع، الدراسة جعلتني أفهم الناس أكثر وأستطيع التعامل معهم بشكل أكبر وأفضل، إنها تجعلني أساعد الناس بطريقة محترفة.

إذا كانت هناك رسالة يمكنك توجيهها إلى متحدي الإعاقة والشباب بشكل عام، فماذا ستكون؟

اقبل نفسك كما هي عليه، اقبل ذاتك، لن يحبك أو يتقبلك الآخر وأنت لا تفعل، حدد هدفًا، كان هدفي أن أصبح طبيبة كما تمنى لي والدي، ثم بعد تحديد هدفك اسعَ إلى تحقيقه بكل ما أوتيت من قوة ولا تستلم لآراء الغير.

تحدثتِ عن دور الحيوانات الأليفة في دعم ذوي الإعاقة كيف ذلك؟

معظم وقتي أقضيه في الدراسة، ثم أذهب للعيادات بهدف العمل مع حالات، كذلك أعمل على أبحاث الدكتوراه، لكن من أفضل أوقاتي حينما أعود إلى الكلب الذي أربيه، وهنا في أمريكا الحيوانات ينظر إليها على أنها جزء من العلاج عن طريق الدعم العاطفي، أفرح مع كلبي وحينما أعود إلى المنزل يستقبلني، أحب هذا بالطبع ويؤثر في إيجابيًا.

هل تمارسين الرياضة بشكل دوري؟

ألعب بصالة الألعاب الرياضية "الجيم"، ألعب كذلك لعبة مخصصة لمتحدي الإعاقة عن طريق اليد، ورياضة الجري، وغيرها.

هل زرت مصر مؤخرًا؟

نعم، زرت مصر كثيرًا وآخر مرة في 2011، وأحبها  كثيرًا كما أحب حي شبرا الذي عاشت فيه أسرتي.

 



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية