"نيويورك تايمز": البابا ليو الرابع عشر يبدأ عهده بإشارات حقوقية مهمة
"نيويورك تايمز": البابا ليو الرابع عشر يبدأ عهده بإشارات حقوقية مهمة
أطلق البابا المنتخب أولى إشاراته الرمزية من خلال اختياره الاسم البابوي،"ليو الرابع عشر" وهو ما عدّه الكاردينال بليز كوبيتش مؤشرًا على نية البابا المضي في مسار يركز على العدالة الاجتماعية وكرامة الإنسان.
ووفقًا لتقرير نشرته "نيويورك تايمز"، الجمعة، اختار مجمع الكرادلة، المجتمع في الفاتيكان، يوم الخميس، البابا الجديد للكنيسة الكاثوليكية، وهو أسقف من أصل أمريكي، أعلن عن نفسه بلقب "ليو الرابع عشر"، في إشارة واضحة إلى الإرث الاجتماعي الذي ميز باباوية ليو الثالث عشر في القرن التاسع عشر.
وجاءت التسمية تكريمًا لأحد أبرز الوجوه الإصلاحية في تاريخ الكنيسة، إذ أصدر ليو الثالث عشر عام 1891 الرسالة البابوية الشهيرة "ريروم نوفاروم"، التي أرست دعائم التعليم الاجتماعي للكنيسة، ودافعت عن حقوق العمال وكرامتهم في مواجهة تجاوزات الرأسمالية الصناعية الناشئة آنذاك.
وقال كوبيتش: "أعتقد أننا قد نشهد ما يمكن أن نُطلق عليه ريروم نوفاروم 2.0 – تحديثٌ لرسالة حقوقية تأسيسية، تعكس قلق الكنيسة من الظلم في الاقتصاد العالمي المعاصر".
أضاف كوبيتش أن البابا الجديد لا يستلهم أفكاره من المبادئ المجردة للاقتصاد الحر أو المقولات النيوليبرالية، بل ينطلق من الواقع الإنساني للفئات التي تكافح يوميًا من أجل حياة كريمة.
وأوضح: "هو يدرك أن هناك كثيرين ممن يعملون بجد، ويُربّون أبناءهم في ظروف صعبة، ويستحقون الاحترام والتقدير".
تحولات في نمط القيادة
شارك البابا الجديد في جلسات المجمع الانتخابي بروح منفتحة ونقاش بنّاء، وأشار الكاردينال ويلتون غريغوري، أول كاردينال أمريكي من أصل إفريقي، إلى أن البابا لم يكتفِ بإلقاء كلمات تقليدية، بل انخرط في مجموعات العمل الصغيرة، مستمعًا ومعلقًا ومرحبًا بالأفكار المتنوعة.
وأضاف غريغوري أن هذا النهج يعكس طبيعة البابا الجديد، إذ لا يفرض رأيه، بل يسعى إلى الاستماع والتفاعل الجماعي، قائلًا: "لقد كان وجوده مؤثرًا.. ليس فقط لِما قاله، بل للطريقة التي تفاعل بها"، مشيرًا إلى أن هذا النمط من القيادة يعكس تحوّلات في بنية اتخاذ القرار داخل الكنيسة.
وظهر البابا في صور متداولة بين طلاب اللاهوت، خلال احتفاله بعيد الشكر معهم في كلية لاهوتية أمريكية، حينما كان لا يزال كاردينالًا، حمل معه فطيرة اليقطين، وهو طبق أمريكي تقليدي نادر في روما، وشاركهم وجبة متواضعة في لحظة إنسانية عكست شخصيته البسيطة والمنفتحة.
صدى إيجابي داخل الكنيسة
يلقي هذا النوع من التفاعل المباشر، البعيد عن البروتوكولات، صدى إيجابيًا داخل الكنيسة، التي تسعى إلى تجديد صورتها العالمية، خصوصًا في مواجهة التحديات المعاصرة مثل الفقر والهجرة والتفاوت الاجتماعي.
وأكد عدد من الكرادلة أن اختيار البابا لم يكن موجّهًا ضد أي دولة أو تيار سياسي معين، مشيرين إلى أن عملية الانتخاب جرت في سياق من التفكر الجماعي حول التحديات العالمية الراهنة، نفى الكاردينال غريغوري أن يكون للبابا موقف عدائي تجاه أي زعيم عالمي، مؤكدًا أن تركيزه ينصب على بناء جسور الحوار، لا الحواجز.
وأوضح: "البابا الجديد يسعى إلى تقوية التواصل، لا سيما مع من لا صوت لهم.. يريد أن يجعل من الكنيسة مدافعة عن المهمشين، وليس خصمًا لأحد".
انطلاقة جديدة للتعليم
يُتوقع أن يُصدر البابا ليون الرابع عشر، خلال فترة وجيزة، وثيقة جديدة تُحدث التعليم الاجتماعي الكاثوليكي، استنادًا إلى الوقائع الجديدة في عالم العمل والاقتصاد الرقمي والبيئة.
يتوقع مراقبون أن تتناول الوثيقة قضايا الأجور المنصفة، الحماية الاجتماعية، حقوق المهاجرين، وضمان العدالة في توزيع الثروات.
وعدّ الكاردينال كوبيتش الوثيقة المرتقبة ستكون بمنزلة "تحديث تاريخي لفكر الكنيسة الحقوقي"، قائلًا: "نحن بحاجة اليوم إلى رؤية أخلاقية في وجه العولمة المتوحشة، وهذا ما يسعى البابا إلى تحقيقه".
وأعاد انتخاب البابا ليون الرابع عشر طرح الأسئلة الجوهرية حول دور الكنيسة في الدفاع عن حقوق الإنسان في القرن الحادي والعشرين، وفي حين يواجه العالم تحديات متزايدة تتعلق بالهجرة القسرية، والتغير المناخي، والظلم الاقتصادي، تلوح من روما ملامح توجه جديد للكنيسة يتسم بالانحياز إلى الفقراء، والدفاع عن العمال، وتعزيز كرامة الإنسان دون استثناء.