"واشنطن بوست": الاتفاق الجمركي يخفف التوتر بين واشنطن وبكين
"واشنطن بوست": الاتفاق الجمركي يخفف التوتر بين واشنطن وبكين
يُخفف الاتفاق الأخير بين الصين والولايات المتحدة من حدة التوترات في الحرب التجارية بين البلدين، لكنه لا يُحدث أي تغيير ملموس في المسار العام لتدهور العلاقات بين بكين وواشنطن، وفقًا لما يراه محللون اقتصاديون وسياسيون.
ووفقًا لتقرير نشرته صحيفة "واشنطن بوست"، اليوم الاثنين، رغم الأجواء التفاؤلية التي رافقت الإعلان عن خفض الرسوم الجمركية لمدة 90 يومًا، فإن خبراء يؤكدون أن الخطوة لا تمثل تحولًا جذريًا، بل مجرد هدنة مؤقتة في صراع اقتصادي يتصاعد منذ سنوات بين أكبر اقتصادين في العالم.
واتفق الطرفان على خفض الرسوم الجمركية المفروضة على السلع المتبادلة لمدة ثلاثة أشهر، في خطوة تهدف إلى إتاحة الفرصة لمزيد من الحوار وتخفيف التوترات التي أثّرت سلبًا في التجارة العالمية وهددت بإدخال الاقتصاد الدولي في حالة ركود.
وخلال مؤتمر صحفي عُقد في جنيف، اليوم الاثنين، أعلن وزير الخزانة الأمريكي سكوت بيسنت والممثل التجاري جيميسون جرير، أن الولايات المتحدة ستخفض الرسوم الجمركية على البضائع الصينية من 145% إلى 30%، من جهتها، تعهّدت الصين بخفض الرسوم الجمركية العامة من 125% إلى 10%، بدءًا من يوم الأربعاء.
وفي بيان مشترك صدر عقب المحادثات التي امتدت على مدار عطلة نهاية الأسبوع، تعهد الجانبان بمواصلة المحادثات "بروح الانفتاح المتبادل والتواصل المستمر والاحترام المشترك"، من دون تقديم جدول زمني واضح أو التزامات تفصيلية.
الأسواق ترحب بحذر
سجّلت الأسواق الآسيوية ارتفاعًا ملحوظًا يوم الاثنين، على خلفية هذا التطور، حيث رحّب المستثمرون بالهدنة الجمركية وعبّروا عن أملهم في أن تؤدي إلى إلغاء جزئي أو دائم للرسوم.
لكنّ محللين اقتصاديين قللوا من شأن التفاؤل المفرط، مشيرين إلى أن ما جرى لا يُعد اتفاقًا تجاريًا فعليًا، بل خطوة تمهيدية لجولات تفاوضية قادمة قد تستغرق وقتًا طويلًا، وعدّ بعضهم هذا الاتفاق أشبه بـ"تأجيل للأزمة" لا أكثر.
وأعلن وزير الخزانة الأمريكي عقب انتهاء المحادثات أنه تم إحراز "تقدم كبير"، لكنه رفض الإفصاح عن التفاصيل، واصفًا الاجتماع بأنه "خطوة أولى مهمة" نحو تخفيف التوترات، كما أكّد أن اللقاء أرسى أساسًا لمحادثات لاحقة أكثر عمقًا.
وجاء هذا التطور بعد شهور من التصعيد المتبادل في الخطاب والإجراءات، منذ أن فرض الرئيس الأمريكي دونالد ترامب رسومًا جمركية على واردات صينية في فبراير، وردت الصين بإجراءات مماثلة، ما أدّى إلى ما يشبه لعبة "عض الأصابع" بين الجانبين، استُخدمت فيها الرسوم وسيلة للضغط السياسي والاقتصادي.
تصعيد متبادل منذ بداية الأزمة
صعّدت واشنطن تعريفاتها إلى ما لا يقل عن 145% على السلع الصينية، في حين رفعت بكين تعريفاتها إلى 125%، وفرضت قيودًا على صادرات مواد أولية رئيسية، بما فيها المواد المستخدمة في الصناعات العسكرية والإلكترونيات الاستهلاكية والأدوية.
ورأى مراقبون أن البيان المشترك لم يُغيّر من واقع الأزمة، إذ لا تزال العلاقات تمضي نحو مزيد من الانفصال الاقتصادي، رغم محاولة إبطاء هذا التدهور.
ووصفت الخبيرة الاقتصادية أليسيا غارسيا هيريرو الاتفاق بأنه "طريقة أكثر تهذيبًا للانفصال"، مؤكدة أن "الانقسام سيستمر"، وأضافت: "الاتفاق لا يقدّم حلاً جذريًا، بل مجرد إبطاء لوتيرة التدهور، بأقل كلفة ممكنة".
قمة بين ترامب وشي
مهّدت التطورات الأخيرة الطريق أمام احتمال عقد لقاء مباشر بين الرئيس الأمريكي دونالد ترامب والرئيس الصيني شي جين بينغ، وهو أمر قد يدفع بالمحادثات نحو مستويات أعلى، وفقًا لتقديرات الخبراء.
وقال سونغ غويو، نائب مدير مركز الدراسات الأمريكية في جامعة فودان بشنغهاي، إن "هذه نقطة تحول بارزة بعد سنوات من التوتر"، لافتًا إلى أن الاتصال الأخير بين الزعيمين يعود إلى ما قبل عودة ترامب إلى السلطة في يناير.
وتبادل الجانبان روايات متضاربة حول من بادر إلى عقد المحادثات في جنيف، إذ قال ترامب إن شي عليه أن يتخذ الخطوة الأولى، في حين أشار مسؤولون صينيون إلى أن المبادرة جاءت من واشنطن.
إعادة ضبط العلاقات
أشاد ترامب بالنتائج الأولية للمحادثات، وكتب على منصته للتواصل الاجتماعي: "ناقشنا ملفات كثيرة، واتفقنا على عدد كبير من النقاط.. هذه مفاوضات لإعادة ضبط شاملة للعلاقات، بطريقة ودية ولكن بنّاءة".
في المقابل، بدت الصين أكثر تحفظًا في خطابها الرسمي، بعد أن خفّفت نبرة التحدي التي كانت تتبنّاها منذ أشهر، وتوقفت عن التصريحات المتكررة التي كانت تتعهد فيها "بالصمود حتى النهاية".
ويرجّح محللون أن هذا التغير في اللهجة يعود إلى الضغوط الاقتصادية الداخلية التي تواجهها بكين، من تباطؤ النمو، إلى تراجع الإنفاق الاستهلاكي، فضلًا عن مؤشرات الانكماش الاقتصادي.
تراجع مؤشرات الاقتصاد الصيني
أظهرت بيانات رسمية، صدرت السبت، أن مؤشر أسعار المستهلكين في الصين انخفض بنسبة 0.1% خلال أبريل، في ثالث شهر على التوالي يشهد تراجعًا في الأسعار، ويُعزى هذا الانخفاض إلى ضعف الطلب الاستهلاكي وتنافس الشركات عبر خفض الأسعار لجذب الزبائن.
وفي هذا السياق، سعت وسائل الإعلام الرسمية الصينية إلى تصوير المحادثات على أنها نجاح لنهج بكين المرن، ونشرت وكالة شينخوا تعليقًا جاء فيه: "على الولايات المتحدة الآن أن تُقدّر حسن نية الصين"، وأضافت أن "لهذا النوع من حسن النية حدودًا، ولن يُستخدم مع من يبتزّوننا بلا هوادة".
وكتب هو شي جين، المحرر السابق لصحيفة "غلوبال تايمز"، على مدونة ويبو: "لم تتنازل الصين عن أي من مبادئها، وهذه النقطة تمثل تحولًا نتج عن صلابة موقف بكين".
حاجة واشنطن للاتفاق
مع بدء المحادثات، نشرت منصة حكومية صينية كاريكاتيرًا يظهر وزير الخزانة الأمريكي وهو يندفع إلى سويسرا بعربة تسوق فارغة، في إشارة إلى ما وصفته بـ"حاجة واشنطن الماسة للاتفاق".
وتبع ذلك مقطع رسوم متحركة يظهر الصين ترفض مكالمات من "رقم مجهول"، وسط تعليق ساخر: "لماذا لا تستطيع الولايات المتحدة أن تتصرف بهدوء؟".
تُظهر هذه التعليقات والدعاية الرسمية حجم الهوة في الثقة والتصورات المتبادلة بين الجانبين، رغم الاتفاق المؤقت على خفض الرسوم، ما يترك العلاقات بين الصين والولايات المتحدة عالقة بين هدنة هشة واحتمال تجدد المواجهة.