"بوكا دي روا".. صحيفة برازيلية تعيد دمج المشردين اجتماعياً واقتصادياً
"بوكا دي روا".. صحيفة برازيلية تعيد دمج المشردين اجتماعياً واقتصادياً
في كل عصر يوم ثلاثاء، يتوجه ميشيل فاسكونسيلوس، البالغ من العمر 43 عامًا، إلى السوق المفتوح في مدينة بورتو أليغري جنوبي البرازيل، يحمل حقيبة ظهر مليئة بالصحف، ولم تكن هذه الصحف عادية، بل هي مرآة لحياة من عايشوا التشرد والفقر وهي أيضًا منبرهم.
ميشيل، الذي عاش سنوات صعبة في الشوارع بعد خلاف عائلي، يتحدث بصراحة عن ماضيه قائلاً: "كنت أعيش على السرقة وتجارة المخدرات"، لكن كل ذلك تغيّر حين انضم إلى مشروع "بوكا دي روا" -أي “كلمة في الشارع”- الذي أعاد تشكيل حياته وجعل منه بائع جرائد وصحفيًا، كما يحب أن يصف نفسه، وفق صحيفة "الغارديان" البريطانية.
ليست كبقية الصحف
هذه الصحيفة، التي تحتفل بمرور أكثر من عقدين على انطلاقتها، ليست كبقية الصحف في البرازيل، إنها إحدى أكثر من 90 صحيفة "شوارع" حول العالم، بحسب الشبكة الدولية لصحف الشوارع، وتُدار بالكامل من قبل أشخاص يعيشون أو عاشوا التشرد، ويشاركون في تحريرها وكتابتها وتصويرها وحتى بيعها.
الصحيفة الفصلية التي انطلقت عام 2000 في قلب بورتو أليغري، تنظم لقاءات أسبوعية يُشارك فيها البائعون لكتابة محتواها جماعيًا، وتوزع عليهم نسخ لبيعها في الشوارع والمحلات، مقابل 3 ريالات برازيلية للنسخة.
وكل بائع يحتفظ بكامل الأرباح، لكنها ليست مجرد وسيلة لكسب لقمة العيش، بل مساحة تمنح الناس صوتًا ووجودًا، وتُعيد الاعتبار لمن ظلوا طويلًا "غير مرئيين".
حياة المهمشين
تتذكر ميشيل ماركيز دوس سانتوس، 42 عامًا، وهي إحدى أقدم المشاركات، عنوان أول عدد صدر عام 2001: "أصوات أناس غير مرئيين"، حيث تقول: "لم نكن نُرى، لم يكن لنا صوت.. واليوم نكتب عن واقعنا، عن عنف الشرطة، وعن الألم الذي نحياه بصمت".
خلال أحد الاجتماعات الأسبوعية، ناقش الفريق تغطيتهم لحريق مأساوي في ملجأ للمشردين العام الماضي أودى بحياة 11 شخصًا، لم تتوانَ "بوكا دي روا" عن تسليط الضوء على هذه الكارثة، ما دفع وسائل الإعلام التقليدية في البرازيل لاحقًا لتتبنى القضية، وفتح تحقيق رسمي.
تقول روزينا دوارتي، الصحفية التي شاركت في تأسيس المشروع: "لقد قمنا بأكبر تغطية إعلامية لهذا الحريق والفيضانات.. وأثبت المشاركون أن لديهم قدرة مذهلة على إيجاد حلول حتى في أحلك الظروف"، وتضيف أن بعض المشاركين اقترحوا خلال جائحة كورونا إطلاق اشتراكات رقمية لتعويض تراجع المبيعات، وهو ما ساعد على استمرار الصحيفة.
إعادة الدمج الاجتماعي
اليوم، يُدير المشروع نحو 30 شخصًا، تمكن العديد منهم من مغادرة الشوارع، ورغم أن الهدف لم يكن إعادة إدماجهم اجتماعيًا، إلا أن قوة الكلمة والدعم الجماعي فتحت لهم أبواب الأمل.
وتقول ماركيز دوس سانتوس، التي تنتظر مولودها السابع: "هذا الطفل سيكون الأول الذي سأربيه بنفسي"، وهي تعيش الآن في شقة صغيرة مع شريكها، وتستعد لإصدار كتاب عن حياتها، بدعم من نفس الصحيفة التي منحتها ما لم تمنحه لها الحياة سابقًا: الكرامة والانتماء.
وفي شوارع بورتو أليغري، حيث كانت الحياة قاسية وغير عادلة، نجح هؤلاء في تحويل الصحافة إلى شريان أمل، وسلاح ناعم في وجه التهميش.