"واشنطن بوست": رسوم ترامب الجمركية تهدد مستقبل التكنولوجيا الطبية
"واشنطن بوست": رسوم ترامب الجمركية تهدد مستقبل التكنولوجيا الطبية
أطلق عمّال مصنع في مدينة فورشهايم الألمانية، الواقعة في منطقة تُعرف بـ"الوادي الطبي"، مرحلةً جديدة في عالم الرعاية الصحية، حيث يُجمّعون جهاز "نايوتوم ألفا"، الذي يُعدّ نقلةً نوعية في التصوير المقطعي المحوسب.
ووفقاً لتقرير نشرته صحيفة "واشنطن بوست" ،اليوم الأحد، طوّرت شركة "سيمنز هيلثينيرز"، الرائدة في تقنيات التصوير الطبي، هذا الجهاز الفريد على مدى عقدين من الزمن، ويتميّز بقدرته على توليد صور داخلية عالية الدقة لأعضاء الجسم الحيوية، كالدماغ والرئتين والقلب.
تفاخر مدير تسويق منتجات التصوير المقطعي في "سيمنز هيلثينيرز"، خيسوس فرنانديز، بمستوى جودة الصورة الذي يُقدّمه الجهاز، مشبّهًا هذه القفزة التكنولوجية بالانتقال من شاشات التلفاز القديمة إلى شاشات العرض عالي الوضوح.
بعد إطلاقه، اجتذب الجهاز اهتمام كبرى المؤسسات الطبية عالميًا، ووصفت إدارة الغذاء والدواء الأمريكية "نايوتوم ألفا" بأنه أول تطور كبير في تكنولوجيا التصوير المقطعي منذ نحو عقد، وأُرسلت 40% من الوحدات المُنتجة إلى الولايات المتحدة.
صدمة جديدة
والآن، واجهت شركات الأجهزة الطبية، وعلى رأسها "سيمنز هيلثينيرز"، صدمة جديدة مع فرض الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، رسومًا جمركية على واردات المعدات الطبية من أوروبا.
فرض ترامب رسومًا بنسبة 20% في أبريل، ثم علّقها مؤقتًا لمدة 90 يومًا، قبل أن يُلوّح بفرض رسوم تصل إلى 50% اعتبارًا من 1 يونيو، احتجاجًا على ما عدّه جمودًا في مفاوضات التجارة مع الاتحاد الأوروبي.
تُعرّض هذه الرسوم العديد من الأجهزة الطبية للخطر، لا سيما تلك المُعتمدة على مكونات تُستورد من عشرات الدول.
تُصنّف الأجهزة المتأثرة ضمن الفئات الأكثر حساسية في سلاسل الإمداد العالمية، نظرًا لاعتمادها على دقة التصنيع وتكامل الأجزاء، وقد تصل تكلفة بعضها إلى ملايين الدولارات.
تبعات إنسانية واقتصادية
طالبت كبرى شركات تكنولوجيا الصحة، بما في ذلك ممثلون عن مصنّعي الروبوتات الجراحية والحقن، الحكومة الأمريكية بإعفاء منتجاتها من الرسوم الجمركية.
حذّر الرئيس التنفيذي لجمعية "أدفا ميد"، سكوت ويتاكر، من أن فرض رسوم شاملة على الأجهزة الطبية يُمثّل ضريبة انتقائية تهدد الابتكار وتُفاقم التكاليف في منظومة الرعاية الصحية، كما أنها تُهدد بفقدان الوظائف.
أشار ويتاكر إلى أن القطاع الطبي غالبًا ما كان مستثنى من الرسوم الواسعة نظرًا لطبيعته الحيوية، مؤكدًا أن هذه السابقة تُقوّض الاستثناءات التاريخية التي كانت تُمنح للقطاع الطبي.
جودة الرعاية الصحية
كما انضم مسؤولون أمريكيون إلى التحذيرات، قال أكين ديميهين، نائب رئيس سياسة الجودة والسلامة في جمعية المستشفيات الأمريكية، إن الرسوم قد تُعطّل إمدادات الأجهزة الحيوية وتُعوق صيانتها المنتظمة، ما ينعكس سلبًا على جودة الرعاية الصحية.
وأقرت شركة "جنرال إلكتريك للرعاية الصحية" في تقرير سنوي للمساهمين بأن الرسوم الجمركية المفروضة على الواردات من الصين، وإمكانية فرض رسوم جديدة على منتجات من كندا أو المكسيك، قد تُكلّف الشركة مبالغ إضافية.
رغم عدم تحديد تأثير مباشر في سعر "نايوتوم ألفا"، فإن "سيمنز هيلثينيرز" حذّرت من أن التصعيد الجمركي والتقلبات الجيوسياسية المتزايدة ستؤثر سلبًا في نتائجها المالية، وقد خفّضت توقعاتها لأرباح السهم السنوية.
صرّح المدير المالي للشركة، يوشن شميتز، في اتصال بالمحللين، بأن "الواردات الأمريكية من أوروبا ستشهد التأثير الأكبر".
وقع القرارات الجمركية
تُشكّل السوق الأمريكية أكثر من ربع إجمالي مبيعات "سيمنز هيلثينيرز"، ما يُضخّم من وقع أي قرارات جمركية تصدر في واشنطن.
وكشف مهندسو "سيمنز هيلثينيرز" عن الفروقات الجوهرية بين جهاز "نايوتوم ألفا" وأجهزة التصوير التقليدية، فبينما تقيس الأجهزة القديمة إجمالي الطاقة الصادرة عن الأشعة السينية دفعة واحدة، يرصد الجهاز الجديد كل شعاع على حدة عبر كاشفات عدّ الفوتونات، ما يُنتج صورًا أوضح وأدق.
أشار المهندسون إلى أن الجهاز يُمكنه فحص المريض خلال ثلاث ثوانٍ فقط، وبجرعة إشعاعية منخفضة، ما يسمح باستخدامه مع الأطفال والنساء الحوامل.
ويعتمد الجهاز على بلورات "تيلورايد الكادميوم" المتطوّرة، التي تُنتجها "سيمنز" داخل منشأة فورشهايم، وتُخضع الشركة هذه العمليات لسرّية تامة، حيث تجري عملية نمو البلورات في أفران مغلقة تُشرف عليها فرق متخصصة.
قال قائد فريق إنتاج البلورات، بول هايمان، إن العمل يُشبه الكيمياء الدقيقة، مضيفًا أن تطوير هذه التكنولوجيا يتطلب دقة عالية وظروفًا محسوبة بدقة.
أشار رئيس إنتاج أجهزة التصوير المقطعي في فورشهايم، ديفيد إنجلستيتر، إلى أن غالبية أجهزة عدّ الفوتونات التي تُنتجها الشركة تتجه إلى الولايات المتحدة، واصطفّت الرايات الأمريكية فوق أحواض الاختبار، تأكيدًا على أهمية السوق الأمريكية.
أكدت شركة "سيمنز هيلثينيرز" أن مؤسسات أمريكية مرموقة، مثل "مايو كلينك"، وجامعتي "نيويورك" و"ديوك"، قد اشترت هذا الجهاز، واحتفلت بعض المستشفيات بالحصول عليه عبر بيانات رسمية، نظرًا للقيمة التشخيصية العالية التي يُقدّمها.
قال رئيس قسم الاتصالات المؤسسية في الشركة، ماتياس كرايمر، إن نقل الإنتاج خارج ألمانيا أمر غير منطقي تجاريًا، مشيرًا إلى أن التصنيع بكميات محدودة في مواقع متعددة سيُهدّد الجدوى الاقتصادية وجودة الأجهزة.
قالها بوضوح: "نحن بحاجة إلى نطاق إنتاج عالمي"، مؤكدًا أن العقبات الجمركية تهدّد هذا النطاق الحيوي.
المرضى هم الخاسر الأكبر
قال إنجلستيتر من قلب مصنع فورشهايم إن العوائق التجارية لا تُهدّد الشركات فقط، بل تُهدّد حياة المرضى في جميع أنحاء العالم.
أضاف: "كلّ منا لديه عائلة وأصدقاء، ومن المحتم أن نعرف شخصًا احتاج إلى جهاز كهذا.. لذلك، فإن كل تأخير، وكل تكلفة إضافية، ليست مجرد رقم.. إنها تؤثر في الأرواح".
تُجسّد قصة "نايوتوم ألفا" كيف يُمكن للقرارات السياسية أن تمتدّ إلى غرف العمليات، لتُهدد بتقويض إنجازات علمية وطبية احتاجت عقودًا من التطوير، فقط لأنها عالقة في دوّامة السياسات التجارية المتقلبة.