"نيويورك تايمز": الأحزاب الكورية الجنوبية توظّف معاداة النسوية لكسب دعم الذكور
"نيويورك تايمز": الأحزاب الكورية الجنوبية توظّف معاداة النسوية لكسب دعم الذكور
قادت النساء في كوريا الجنوبية احتجاجات شعبية واسعة للمطالبة بإقالة الرئيس السابق يون سوك يول، بعدما اتهم بتأجيج مشاعر الكراهية ضد النساء، حيث أطلقت الناشطات مسيرات حاشدة، استخدمن فيها موسيقى البوب الكورية والعصي المضيئة، للتنديد بقرارات الرئيس، أبرزها فرض الأحكام العرفية لفترة وجيزة في ديسمبر الماضي.
ووفقًا لتحليل نشرته صحيفة "نيويورك تايمز"، اليوم الاثنين، طالبت النساء آنذاك بمجتمع أكثر عدلًا وأمانًا، لكن مع اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية المقررة في 3 يونيو، عبّرن عن استيائهن من تجاهل المرشحين لقضاياهن، وهو شعور يتكرر في كل دورة انتخابية تقريبًا.
وتواجه النساء الكوريات الجنوبيات أحد أسوأ أشكال التمييز القائم على النوع الاجتماعي في الدول المتقدمة، تكسب النساء في المتوسط 31% أقل من الرجال، وهي أكبر فجوة في الأجور بين الجنسين في العالم المتقدم، لا يشغلن سوى أقل من خُمس المقاعد التشريعية، وثلاثة فقط من بين 29 منصبًا حكوميًا رفيعًا، و14.6% فقط من المناصب القيادية في الشركات، مقارنة بمتوسط 33.8% في الدول الغنية.
وتنتشر الجرائم الإلكترونية ضد النساء، بما في ذلك التحرش والابتزاز، دون فعالية قانونية حقيقية لردع المعتدين، ومع ذلك، لا تطرح هذه الملفات بقوة ضمن برامج المرشحين، خشية إثارة ردود أفعال سلبية بين الرجال الشباب الذين يعتبر بعضهم الخطاب النسوي تهديدًا لمكانتهم في سوق العمل والمجتمع.
خطاب انتخابي يخشى النساء
سعى حزب "قوة الشعب" اليميني، بقيادة يون سوك يول، إلى كسب أصوات الذكور الشباب من خلال إنكار وجود تمييز هيكلي ضد النساء.
وخلال حملته عام 2022، وعد يون بإلغاء وزارة المساواة بين الجنسين، ورغم عدم تنفيذه للوعد، انخفض المؤشر الوطني للمساواة بين الجنسين خلال ولايته لأول مرة منذ بدء تسجيله عام 2010.
وحافظ مرشح الحزب الديمقراطي اليساري، لي جاي ميونغ، على تقدم في استطلاعات الرأي، لكنه بدوره يتجنب تبني خطاب نسوي صريح، ورغم إقراره بالدور الريادي للنساء في الحراك المناهض ليون، التزم الحذر في تصريحاته لتفادي نفور الناخبين الذكور.
تهميش قضايا النساء
تجاهل المرشحان الرئيسيان، لي جاي ميونغ من الحزب الديمقراطي، وكيم مون سو من حزب قوة الشعب، المطالب النسائية الأساسية، لم يتضمّن خطاباهما التزامات واضحة نحو تشريعات مكافحة التمييز، أو توسيع تعريف الاغتصاب ليشمل المواقعة دون موافقة صريحة، إذ لا يعترف القانون الكوري الحالي إلا بالعنف أو الإكراه.
وقدّم لي بعض الوعود التي تصب ضمنيًا في مصلحة النساء، مثل تشديد العقوبات على جرائم العنف الجنسي، وتوفير خطوط اتصال أمنية لصاحبات الأعمال الصغيرة، وفرض الشفافية في أجور الشركات للحد من فجوة الرواتب، لكنه أبقى على صمته بشأن المطالب الجوهرية للحركة النسوية.
واحتلت النساء في العشرينيات من العمر المشهد الاحتجاجي المطالب بإقالة الرئيس يون، واستبدلت الناشطات شعارات الأغاني الرائجة بهتافات سياسية، وجعلن من التجمعات الفنية منصات للمطالبة بالعدالة والمساواة.
قالت الفنانة جانغ هيون جي، 28 عامًا، إن مشاركتها في التظاهرات كانت بدافع شخصي، لما تراه من سياسات كراهية تجاه المرأة تبناها يون.
وصفت عالمة السياسة في جامعة تشينجو الوطنية للتعليم، هانا كيم، في دراسة لها، هذه المشاركة النسائية بأنها الأعلى ضمن الفئات العمرية، مقارنة بصمت وتشاؤم الذكور الشباب.
مخاوف رغم إقالة الرئيس
دفعت النساء بعد إقالة يون بالمطالب إلى الواجهة مجددًا، ودعت جماعات حقوقية إلى إشراك النساء بنسبة 50% في مناصب صنع القرار، وتوفير دعم حكومي أقوى لرعاية الأطفال، لمنع تسرب النساء من سوق العمل، لكن تلك المطالب أُقصيت مجددًا في خضم التنافس الانتخابي المحموم على أصوات الشباب.
وأظهر استطلاع رأي أن دعم لي جاي ميونغ هو الأدنى بين الرجال في العشرينيات من العمر، فيما تنخفض شعبية كيم مون سو بشدة بين النساء في نفس الفئة العمرية، ويُلاحظ وجود أعلى نسبة من الناخبين المترددين بين الشباب، ما يدفع الحملات لتفادي المواضيع المثيرة للجدل، وعلى رأسها قضايا النساء.
وأبدت المديرة التنفيذية لمركز تعليم المساواة بين الجنسين التابع لجمعية نساء سيول، بارك جيا، أسفها حيال ضآلة الخيارات المتاحة للنساء، ورأت أن الكثير من النساء قد يصوتن للي جاي ميونغ فقط لتفادي فوز المحافظين، وليس لقناعتهن ببرنامجه.
وعبّرت بعض الشابات عن شكوكهن في نيات المرشحين. قالت الطالبة الجامعية جونغ أون بيول إن حزب قوة الشعب غير قابل للثقة بالنسبة للناخبات الشابات، ما يدفع الحزب الديمقراطي لتجاهلهن، كأنهن "صيد مضمون".
تصريحات مثيرة للجدل
اقترح كيم مون سو تمكين النساء من الخدمة العسكرية الإلزامية، في إطار تحقيق "المساواة بين الجنسين"، كما وعد بمنح امتيازات لمن يُتم الخدمة من الشباب، سعى أيضًا لتشجيع الزواج والإنجاب عبر إعفاءات ضريبية ومساكن بأسعار مناسبة، لكن تصريحاته السابقة أثارت حفيظة النساء، حين قال إن الكوريات يفضلن تربية الكلاب على إنجاب الأطفال.
واجه كيم انتقادات لتعيينه مدير حملة معروفاً بعدائه الصريح للنساء، ما زاد من القلق بشأن نواياه الحقيقية.
ورغم الإحباط، لا تزال بعض الناخبات مستعدات لمنح لي جاي ميونغ فرصة، كأمل أخير، قال الناشط كيم دو وون، البالغ من العمر 28 عامًا: "ليس لدينا خيار آخر سوى منحه صوتنا.. وإن خذلنا، سنعود إلى الشارع ونحتج من جديد".