طفولة مسروقة.. كيف يُساق أطفال اليمن إلى ساحات القتال؟

طفولة مسروقة.. كيف يُساق أطفال اليمن إلى ساحات القتال؟

في زوايا اليمن المكلومة، حيث تتلاطم أمواج الحرب بلا هوادة، تضيع حكايات صغيرة تحمل في طياتها مآسي أكبر من أن تتحملها قلوب الكبار، فكيف بقلوب أطفال لم يروا من الحياة سوى لهيب الصراع وصوت الرصاص؟ هنا، تتجسد الحقيقة المؤلمة لتجنيد الأطفال، ظاهرة تفترس البراءة وتخطف الأحلام، وتحول المستقبل الواعد إلى ماضٍ مثقل بالندوب. 

أحمد صالح، فتى لم يتجاوز الرابعة عشرة من عمره، لكنه يحمل في ذاكرته تجارب قاسية تتجاوز عمره بكثير، ليصبح واحداً من آلاف الأطفال الذين ألقى بهم القدر في أتون حرب لم يختاروها، حرب سلبتهم طفولتهم وألقت بهم في مهام كانت مخصصة للكبار. 

طفولة مسروقة في أروقة الحرب

في إحدى ضواحي محافظة عمران شمال اليمن، حيث تسود الحياة البسيطة والهدوء النسبي، كان أحمد صالح يعيش كأي طفل في عمره، يلهو ويلعب، ويحلم بمستقبل لم يصله بعد.. لكن القدر كان يخبئ له مساراً مختلفاً، مساراً ألقى به في قلب الصراع الدائر. 

لم يختر أحمد أن يكون جزءاً من الحرب، لكنه وجد نفسه فجأة في وسطها، يؤدي مهاماً كانت مخصصة للكبار: حراسة نقاط التفتيش، تفتيش السيارات، نقل الأسلحة، ومراقبة الجبهات.

بدأ الأمر ببساطة صادمة… جاءه رجل من الحي، بوجه يحمل ملامح الثقة، وبكلمات لا تشي بما تخبئه الأيام: "هناك عمل مع رجال وفلوس، وما فيه تعب كثير". 

لم يكن أحمد يفهم معنى "الجبهة" حينها، لم تكن سوى كلمة غريبة تتردد على ألسنة الكبار، لكنه وافق، مدفوعاً بفضول الطفولة، وربما برغبة مبهمة في مساعدة عائلته في ظل ظروف الحياة القاسية. 

كانت هذه هي اللحظة الفاصلة، نقطة اللاعودة التي دفعته نحو عالم من المسؤوليات الثقيلة والخطر المحدق.

في البداية، وضع أحمد عند نقطة تفتيش على طريق فرعي.. لم يسلم سلاحاً، بل دفتراً وقلماً وجهازاً لاسلكياً صغيراً. كانت مهمته أن يسجل أرقام السيارات ويفتش الحقائب ويسأل الناس عن وجهتهم، وإذا كان لديهم أوراق رسمية. كان عليه أن يبلغ فوراً إذا شك في أي شخص. 

كان يقف لساعات طويلة تحت الشمس الحارقة والغبار الكثيف، مع أوامر صارمة لا تقبل الجدل: "النقطة أمانة في رقبتك، لا تغفل"، كلمات تحولت إلى عبء على كتفي طفل لا يزال يكتشف العالم.

بعد أسابيع قليلة، تغيرت مهمته، تحول أحمد إلى نقل صناديق صغيرة بين المواقع. لم يُخبر بمحتواها، لكنه أدرك لاحقاً أنها ذخيرة، كان يرافق السائق أو يذهب بمفرده على دراجة نارية، مع تحذير دائم ألا يفتح الصناديق أو يتحدث مع أحد عنها. 

وكانت هذه المهام، على بساطتها الظاهرة، تخبئ وراءها خطراً حقيقياً، فكانت كل رحلة تحمل في طياتها احتمالية الموت أو الإصابة، أو حتى مجرد رؤية مناظر لا ينبغي لعين طفل أن تراها.

في مرحلة لاحقة، أُرسل أحمد إلى موقع ترابي قريب من الجبهة، مزوداً بمنظار صغير وجهاز لاسلكي، كانت مهمته أن يكون عينه على الطريق، يرصد أي تحركات، كان يرسل تقارير عن مرور سيارات عسكرية أو طائرات، بالنسبة له، لم تكن هذه حرباً، بل كانت أشبه بلعبة، لعبة خطيرة يشارك فيها الكبار، وهو يحاول أن يكون مثلهم.

عندما سُئل أحمد عن خوفه، تردد قليلاً، ثم قال بكلمات تحمل الكثير من المرارة والنضج المبكر: "أول مرة سمعت صوت القذيفة شعرت وكأن قلبي توقف، لكن مع الوقت تعودت، كنت أقول لنفسي كل من حولي كبار وأنا لازم أكون مثلهم"، هذه الكلمات تلخص مأساة تجنيد الأطفال، فالبراءة تذوب أمام قسوة الواقع، والخوف يتلاشى ليحل محله تأقلم مرير، محاولة للاندماج في عالم الكبار الذي فُرض عليهم.

رغم أنه لم يشارك في القتال المباشر فإن أحمد كان جزءاً لا يتجزأ من منظومة الحرب.. لا ينسى الليالي التي قضاها في مواقع مكشوفة مع قطعة خبز وقارورة ماء، وأوامر بعدم النوم حتى لا يتعرض الجميع للخطر، "كانوا يقولوا لي إذا غفلت نموت كلنا"، هذه المسؤولية الكبيرة، التي تفوق قدرة طفل على الاستيعاب أو التحمل، تركت بصماتها العميقة على نفسه.

اليوم، عاد أحمد إلى حياته في الحي، يحاول أن يعيش كطفل عادي.. لكنه يعترف بصدق مؤلم: "لا أستطيع اللعب مع أقراني. كلما سمعت صوت انفجار ينبض قلبي بسرعة.. الناس يرونني طفلاً، لكن في داخلي شيء مختلف"، هذا الاختلاف هو ندوب الحرب، آثارها العميقة التي لا تُمحى بسهولة، صراع داخلي يعيشه الطفل، بين ماضٍ مفروض وحاضر يحاول استعادته، ومستقبل لا يزال مجهولاً.

أرقام تروي مأساة

تؤكد المنظمات الحقوقية العاملة في اليمن أن قصة أحمد ليست حالة فردية، بل هي جزء من نمط ممنهج ومنظم لتجنيد الأطفال من قبل جماعة الحوثي. 

شدد أحمد القرشي، رئيس منظمة سياج لحماية الطفولة، على صعوبة الحصول على إحصائيات دقيقة لأعداد الأطفال المجندين في ظل النزاعات المسلحة والكوارث الطبيعية، حيث يستحيل عملية العد والإحصاء للضحايا، ومع ذلك، هناك تقديرات صادمة، "نحن في منظمة سياج، ومن خلال السنوات الماضية، قدرنا بأن نسبة -الأطفال المنخرطين في النزاعات المسلحة- ارتفعت إلى أكثر من 5 أضعاف ما كان عليها الحال قبل 2014"، هذه التقديرات وإن كانت لا يمكن الجزم بها بشكل مؤكد، إلا أنها تظل تقديرات تأخذ بها حتى الأمم المتحدة، ما يمثل ارتفاعاً ملحوظاً وكبيراً جداً.

وأضاف القرشي أن هذا الارتفاع يندرج في ما يخص إشراك الأطفال في النزاعات المسلحة، أما بالنسبة للتجنيد فقد ارتفع بنسبة مهولة جداً "إذا عرفنا بأنه سنوياً يتم استقطاب ما يقرب من مليون طفل في المخيمات الصيفية بحسب تصريحات المسؤولين الحوثيين، فهذا عدد كبير وغير مسبوق جداً". 

وأوضح القرشي أن المخيمات الصيفية في اليمن، في مناطق سيطرة جماعة الحوثي، تحولت إلى حاضنة لتجنيد الأطفال فكرياً وعقائدياً، لتهيئتهم لمرحلة أخرى وهي الاشتراك في النزاع المسلح، "هذه أعداد كبيرة جداً وتعتبر جماعة الحوثي من أكثر من يقوم بتجنيد الأطفال في النزاع المسلح في اليمن".

وعلى النقيض، يشير القرشي إلى "تراجع ملحوظ في عدد الأطفال أو في نسبة الأطفال الذين يتم تجنيدهم في مناطق سيطرة الحكومة الشرعية"، حيث يقتصر تجنيد القاصرين في هذه المناطق على أن يكونوا ضمن كشوفات الإعاشة أو الإكراميات التي تأتي كل ربع سنوي، بهدف الحصول على مخصصات مالية. 

وأكد القرشي أن "لم نجد ضمن الأطفال ضحايا الحرب كمجندين لم نجد في صفوف الحكومة الشرعية أطفال قتلى ومصابين كما هي الحال بالنسبة لجماعة الحوثي الذين يفاخرون بصور الأطفال القتلى والمصابين وينشرونها على قبورهم وعلى العربات التي تجوب الشوارع لتشجيع الأطفال الآخرين للالتحاق"، هذه المفارقة العجيبة؛ أن يتم حشد الأطفال من خلال صور الأطفال القتلى، تعكس مدى استغلال جماعة الحوثي للأطفال كوقود للحرب.

شبكة من الاستغلال

يكشف أحمد القرشي عن الأسباب التي تدفع الأطفال للالتحاق بجماعة الحوثي كمجندين، "هناك أيضاً استخدام منصات المدارس ومنصات التعليم والمراكز الصيفية واستكتاب الأطفال والمراهقين الباحثين عن فرص عمل لإعالة عائلاتهم من قبل ميليشيا الحوثي"، ويضاف إلى ذلك، "استخدام المناهج الدراسية والخطب المسجدية وغيرها من الخطابات المؤثرة التي تؤثر في الأطفال، وفي المراهقين وفي الأسر أيضاً"، ما يدل على أن "هي عملية منظمة ومنهجية بطبيعة الحال عن مسألة تجنيد الأطفال".

وأوضح القرشي أن تجنيد الأطفال يمثل لجماعة الحوثي "واحدة من أسباب استمرارية الحرب واستمرارية الجماعة أيضاً هي أن يكون لديهم أكبر قدر ممكن من المجندين الأطفال"، يعود ذلك إلى أن جماعة الحوثي "لا تتمتع بحاضنة شعبية كما هو معلوم ولا تتمتع بحضور مجتمعي أو حضور التفاف شعبي حولها نظراً لأنها خلال مسيرة عشر سنوات دمرت كل شيء في البلد". 

وتابع: من ضمن ما دمرته، أوقفت مرتبات المعلمين والقطاع العسكري والمدني، ما عدا الذين هم في صفوف الجماعة أو الأشخاص أو المجموعات التي لها اتصال سلالي أو ولاء مطلق للجماعة، هذا الوضع خلق "شارع محتقن وغاضب من الجماعة"، وبالتالي "هي لا تراهن على الأشخاص البالغين الآن بل هي تراهن على أبنائهم وأطفالهم من خلال عملية ممنهجة من التجريد والإشراك في النزاع المسلح للأطفال والمراهقين وحتى الشباب أيضاً".

أرقام وحقائق من "سام"

تُقدم منظمة سام للحقوق والحريات أرقاماً أكثر تفصيلاً حول حجم الظاهرة. توفيق الحميدي، رئيس منظمة سام، يؤكد أنه "لا توجد إحصاءات دقيقة لتعدد الجهات التي تقوم بالتجنيد للأطفال، كالمدارس وعقال الحارات، والمشرفين ووزارة الدفاع والداخلية"، ومع ذلك، وبحسب تقرير سام "عسكرة الطفولة"، "قدر العدد بـ39 ألف طفل". 

وفي تقريرها الصادر في فبراير 2023 بعنوان "ما زالوا في الجبهة"، وثقت المنظمة تجنيد 11,310 أطفال في اليمن بين سبتمبر 2014 ونهاية ديسمبر 2022، "ميليشيا الحوثيين مسؤولة عن 10,649 حالة، أي نحو 94.2% من إجمالي الحالات، بينما توزعت النسبة المتبقية بين الحكومة اليمنية وفصائل مسلحة أخرى". 

وفي تقرير 2024، وثقت "سام" ما يقارب 200 حالة جديدة. والأخطر، أن "العدد تزايد بشكل كبير بعد أحداث غزة، حيث تستغل الجماعة العاطفة الدينية للتغرير بالأطفال".

وأشار الحميدي إلى أن "أكثر المناطق هي المناطق ما يسمى شمال الشمال، الواقعة بشكل مباشر تحت سيطرة المشرفين، وتنتشر فيها الأمية وتقل التنمية كصعدة وحجة والحديدة وعمران وذمار وإب والحديدة وتعز، في الجهة الواقعة تحت سيطرة المليشيات"، أما عن الفئات العمرية المستهدفة، فبحسب تقرير "عسكرة الطفولة" الصادر عن "سام"، فإن "الفئات ما بين 16 و17 عاماً هي الأكثر تعرضاً للتجنيد والاستخدام كجنود، ومع ذلك، تم توثيق حالات تجنيد لأطفال تقل أعمارهم عن 11 عاماً، بل وحتى أطفال في سن الثامنة، ما يُظهر مدى خطورة هذه الظاهرة".

وأكد الحميدي أن "المسؤولية الكبرى عن ظاهرة تجنيد الأطفال في اليمن تقع بالدرجة الأولى على ميليشيا الحوثي"، فالأرقام الموثقة حتى نهاية 2022 تبين أن "نحو 94% من حالات تجنيد الأطفال (أكثر من 10,600 حالة) تتحملها جماعة الحوثي وحدها". 

ويعزو الحميدي ذلك إلى أن "جماعة الحوثي تمتلك شبكة منظمة لتجنيد الأطفال، تبدأ من المدارس والمراكز الصيفية وحتى الجبهات، لأنها تستخدم الإكراه والفقر وسيلة للضغط على العائلات، لأنها تعتمد على الأطفال في الخطوط الأمامية لتعويض نقص المقاتلين وتخفيض خسائرها البشرية، لديها شبكة إعلامية ودينية لتغذية هذه الظاهرة بخطاب تعبوي طائفي".

على النقيض، أوضح الحميدي أن "هناك حالات تجنيد موثقة أيضاً في معسكرات الحكومة الشرعية، خصوصاً ضمن وحدات عسكرية محلية، لكنها أقل حجماً ومنتشرة بطريقة غير ممنهجة كما لدى الحوثيين".

التجنيد الممنهج.. أدلة دامغة

"وثقنا في تقارير منظمة سام للحقوق والحريات أدلة قوية تشير إلى أن جماعة الحوثي تمارس تجنيد الأطفال بشكل منظم ومنهجي، وليس مجرد ممارسات فردية أو عشوائية"، يؤكد الحميدي: "وتتمثل هذه الأدلة في قصص وإفادات لأطفال عائدين من الجبهات، وأسماء المعسكرات التي يتم فيها التدريب، والمدارس والمشرفين على التجنيد في المراكز الصيفية، ومقاطع مصورة".

أما عن أساليب التجنيد فأشار الحميدي إلى أنها "تختلف من جماعة مسلحة إلى أخرى، لكنها تشترك جميعها في استغلال هشاشة الوضع الاقتصادي والاجتماعي"، ويُعد الحوثيون "الأكثر تنظيماً وخطورة، حيث تعتمد على التلقين العقائدي في المدارس والمراكز الصيفية، وتنظم دورات تدريبية خاصة لغرس أفكار الطاعة والاستشهاد، إلى جانب الإغراءات المادية مثل الرواتب والسلال الغذائية، والضغط على العائلات بالخوف والتهديد، بل وأحياناً اللجوء للاختطاف المباشر من المدارس والقرى".

في المقابل، "تعتمد القوات الحكومية اليمنية أكثر على التطوع بدافع الحاجة، والتجنيد العائلي (حيث يُرافق القاصر أحد أقاربه إلى المعسكر)، مستفيدة من ضعف آليات التحقق من العمر"، أما "المجلس الانتقالي الجنوبي والفصائل الجنوبية، فيستند تجنيدهم على الولاء المناطقي، والتعبئة ضد الحوثيين كعدو مشترك، مع استغلال الفوضى الأمنية". 

واختتم الحميدي هذا الجانب بقوله: "وبينما تختلف الوسائل، يظل الفقر وغياب البدائل الآمنة وضعف القوانين المشتركات الكبرى التي تسمح لهذه الظاهرة بالاستمرار".

وعود زائفة وآثار مدمرة

تؤكد التقارير الحقوقية أن "الوضع الاقتصادي من أهم المداخل التي تستغل لإقناع الأسر الفقيرة بتجنيد أبنائها"، ويتم استدراج الأطفال للتجنيد "من خلال وعود مباشرة تقدم لهم أو لعائلاتهم، مستغلين الوضع الاقتصادي الهش والفقر المدقع الذي تعيشه غالبية الأسر"، تشمل هذه الوعود "تقديم رواتب شهرية تُصرف للعائلة، وسلال غذائية ومساعدات عينية تُغطي الاحتياجات الأساسية، إلى جانب وعود بالحماية من الملاحقة في المناطق الخاضعة لسيطرة الجماعة المسلحة". 

و"تُعطى وعود بترقيات ومكافآت مالية إذا أظهر الطفل شجاعة أو التزاماً في الجبهات، مع تغليف كل ذلك بخطاب تعبوي يمنح الطفل (مكانة) اجتماعية باعتباره مدافعاً عن الوطن أو الدين"، لكن الواقع "يكشف أن هذه الوعود غالباً ما تنتهي بالخداع والاستغلال، إذ يُترك الأطفال في خطوط النار دون حماية حقيقية، بينما تُترك عائلاتهم تواجه الفقر والمعاناة بمفردها".

وأشار الحميدي إلى أن "هذا أحد أخطر الجوانب التي وثقتها منظمة سام ومنظمات حقوقية أخرى، خاصة في تقاريرها الأخيرة، فقد لوحظ بوضوح أن جماعة الحوثي بشكل خاص تستخدم المدارس والمراكز الصيفية والمؤسسات الدينية كوسائل أساسية وممنهجة لتجنيد الأطفال"، لقد "حولت المدارس من بيئة تعليمية إلى ساحات للتلقين العقائدي، حيث يُفرض على الأطفال حضور محاضرات تعبئة فكرية ودينية تمجد القتال والشهادة". 

وكذلك "تُستخدم المراكز الصيفية، التي يُفترض أن تكون للتعليم والترفيه، كأماكن لغرس الأفكار الجهادية وتحديد الأطفال المناسبين للتجنيد"، أما المساجد والمؤسسات الدينية فيُستغل فيها "المنبر والخطاب الديني لإقناع الأطفال وأسرهم بأن القتال (فريضة دينية) أو (دفاع عن العقيدة)، ما يخلق ضغطاً نفسياً ودينياً كبيراً يدفع الأطفال للالتحاق بالجبهات".

الآثار النفسية الكارثية

تكشف دراسة "طفولة معذبة" الصادرة عن "سام" في نوفمبر 2023، والتي تُعنى بأثر الصراع على الصحة النفسية للأطفال، عن "آثار نفسية واجتماعية مدمرة على الأطفال المجندين في اليمن"، فمنها "صدمة نفسية عميقة بسبب التعرض المباشر للعنف، مشاهد القتل، والخوف المستمر من الموت، ما يترك آثاراً طويلة الأمد مثل الكوابيس، والقلق المزمن، واضطرابات النوم، وأيضاً فقدان الثقة بالآخرين، سواء داخل الأسرة أو في المجتمع، نتيجة ما مروا به من تجارب قاسية واستغلال وخداع". 

ويُعاني الأطفال من "صعوبة إعادة الاندماج في الحياة الطبيعية بعد عودتهم، إذ يصبحون غرباء حتى في أسرهم، والانخراط في الجريمة، بعدما اكتسبوا خبرات عسكرية في سن مبكرة".

وأوضح أحمد القرشي أنه "طبقاً لقرار مجلس الأمن الدولي 1612 سنة 2005 وغيره من القرارات المتعلقة بحماية المدنيين في النزاعات المسلحة فقد نصت بشكل واضح على منع تجنيد وإشراك الأطفال في النزاعات المسلحة بالإضافة إلى انتهاكات خمسة أخرى وذلك بالنظر إلى ما يترتب على عمليات تجنيد وإشراك الأطفال في النزاعات المسلحة من آثار كارثية عليهم في ما يتعلق بتعرضهم للقتل والإصابات وتعرضهم للإصابات الجسدية وأيضاً تعرضهم للأزمات وحالات النفسية المريعة".

ويضرب القرشي مثلاً، قائلاً: "إذا كانت الحروب والنزاعات المسلحة تؤثر على الكبار والبالغين والذين نالوا قدراً من التعليم وقدراً من النضج مثل الجيوش الكبيرة كالجيش الأمريكي كما شاهدنا كثير من الأشخاص الذين تأثروا نفسياً من حروب أفغانستان والعراق وغيرها وفيتنام وغيرها، فما بالك بأطفال اليمن الذين لا زالت نفسياتهم غضة وطرية؟ إذاً هم يتأثرون بشكل كبير جداً".

وأضاف القرشي أن "لاحظنا آثار ذلك أو مؤشرات ذلك من خلال ارتفاع نسب قتل الأطفال والمراهقين لذويهم.. حصلت كثير من الحوادث وجرائم القتل كان الشباب الذين تم استقطابهم من قبل ميليشيا الحوثي وتجنيدهم وإشراكهم في النزاعات المسلحة"، كما أن هناك معلومات تفيد بأن "يتم استخدام كثير من الوسائل للتأثير على الأطفال فكرياً ومن ضمنها العثور على مخدرات العثور على ما يسمى في اليمن الشمى وهي مخلوطة بمواد مخدرة تؤثر على الصحة النفسية والصحة العقلية للشخص وتجعله منقاداً بسهولة أكبر، وبالتالي هذا يظل مدمراً نفسياً".

وعندما يعود الطفل فإنه "يُعرض لمشاهد القتل والترهيب التي يراها إما مباشرة أو يراها من خلال الاستعراضات التي يتم عرضها في المخيمات والمراكز الصيفية، وفي المناسبات التي يتم فيها عرض عمليات القتل والاستهداف ومقاطع من المعارك التي تدلل على بطولات المشاركين فيها من أجل حتى بقية الأطفال والمراهقين والشباب ليكون هؤلاء المقاتلون في المقاطع أو الفيديو قدوة لهم، وبالتالي هي تؤثر فيهم نفسياً"، خصوصاً إذا "رأينا أن الأطفال عندما يبحثوا في الإنترنت وهو مفتوح الآن في كل مكان يبحث فيجد مقاطع لاستهداف قطاعات من المقاتلين الحوثيين من قبل الطيران مثلاً عندما يرون القصف الجوي على منشآت يمنية وما يتصاعد منها من ألسنة اللهب والنيران والدمار الذي يخلفها، هذه كلها تؤثر نفسياً على الأطفال".

والأسوأ من ذلك، هو غياب المعالجة لهذه الآثار النفسية الخطيرة، "للأسف الشديد أيضاً هذه الآثار النفسية الخطيرة ليست لها معالجات خصوصاً إذا علمنا بأن جماعة الحوثي منعت برامج الدعم النفسي والاجتماعي للأطفال كما منعت أيضاً تطعيم الأطفال باعتبار هذه من الأشياء الترفيهية والزائدة عن الحاجة كونها تريد أموالاً نقدية أو تريد مساعدات عينية ولا تريد مثل هذه البرامج التي لا تستفيد منها الميليشيا بشيء". 

ويُبرر القرشي ذلك بأن هذه البرامج "تصب عكس مصلحة الميليشيا، لأنه عندما يحصل إرشاد نفسي واجتماعي فإن الميليشيا هنا تفقد أو قد تفقد بعض المستهدفين من الأطفال والمراهقين الذين قد ينالوا حظاً من التوعية والتهذيب النفسي والإرشاد النفسي، وبالتالي فالجماعة منعت هذه المعالجات النفسية وهذه الإرشادات النفسية وهذا يضاعف حجم المشكلة التي يعاني منها الأطفال المتأثرون نفسياً من النزاع المسلح".

وأكد الحميدي أن "وثقت تقارير حقوقية وإعلامية متعددة حالات لأطفال مجندين في اليمن عانوا من اضطرابات نفسية حادة بعد عودتهم من جبهات القتال، وصلت في بعض الحالات إلى محاولات انتحار"، وعلى سبيل المثال "تشير تقارير إلى تسجيل ثلاث حالات انتحار بين الأطفال في مدينة تعز خلال نصف شهر، ما أثار قلقاً متزايداً في الأوساط الأسرية"، كما "تشير تقارير إلى أن الحرب في اليمن فرضت على الأطفال العيش في ظروف صعبة وسط انعدام الأمان والموت والعنف، ما أدى إلى ارتفاع في حالات انتحار الأطفال نتيجة الضغوط النفسية الناتجة عن الحرب وصعوبة المعيشة"، وتتزايد المخاوف "في ظل غياب الدعم النفسي، وبرامج طويلة الأمد لدعم الأطفال العائدين من الجبهات".



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية