"الإيكونوميست": تراجع شعبية رئيس السلفادور وسط أزمات اقتصادية متفاقمة

"الإيكونوميست": تراجع شعبية رئيس السلفادور وسط أزمات اقتصادية متفاقمة
الرئيس السلفادورى نجيب بوكيلي

استغل الرئيس السلفادورى نجيب بوكيلي التفويض الشعبي لتوسيع سلطاته التنفيذية بطريقة غير مسبوقة منذ عودة الديمقراطية إلى بلاده، حيث شنّ حملة أمنية شرسة ضد العصابات، وفرض حالة طوارئ استثنائية استمرت لعامين، جرى خلالها اعتقال عشرات الآلاف من المشتبه بهم دون محاكمة أو احترام للإجراءات القضائية، تجاهل أحكام المحاكم، ودفع بالجيش لمبنى البرلمان للضغط على المشرّعين، واستفاد من الأغلبية الساحقة التي حاز عليها حزبه في انتخابات 2021 لتغيير تركيبة النظام القضائي بالكامل.

ووفقاً لتقرير نشرته مجلة "الإيكونوميست"، الجمعة، مكّن القضاة الموالون له من الترشح لولاية رئاسية ثانية، رغم أن الدستور السلفادوري يحصر الولاية في خمس سنوات دون تجديد متتالٍ، أظهرت تقارير موثوقة أن حكومته عقدت صفقات سرية مع قادة العصابات مقابل دعم انتخابي وهدوء أمني.

وأعاد الناخبون انتخاب الرئيس بوكيلي في 2024 بنسبة 85% من الأصوات، غير مكترثين للتحذيرات بشأن تقويض سيادة القانون، وذلك لأنهم أحبوه لأنه أنهى عقودًا من هيمنة العصابات، التي جعلت من السلفادور واحدة من أخطر دول العالم، ففي عام 2015، سجّلت البلاد 106 جرائم قتل لكل 100 ألف نسمة، وهو المعدل الأعلى عالميًا في ذلك الوقت.

وأغلق الرئيس السجون على أكثر من 85 ألف شخص، أي نحو 8% من إجمالي الشباب، لمجرد الاشتباه في صلتهم بالعصابات، تراجع معدل جرائم القتل رسميًا إلى 1.9 جريمة لكل 100 ألف نسمة بحلول عام 2024، أي أقل من المعدل في الولايات المتحدة، تلاشى الابتزاز بعد أن بات رجال العصابات يخشون الظهور علنًا.

موجة قمع جديدة

أطلق الرئيس بوكيلي بعد إعادة انتخابه موجة قمع جديدة استهدفت المعارضين، حيث اعتُقل صحفيون لتغطيتهم الانتهاكات، وأُوقف قادة نقابيون ومزارعون بسبب تشكيكهم في الإنفاق العام أو احتجاجهم على مصادرة أراضٍ، في 18 مايو، احتجزت السلطات روث لوبيز، وهي محامية بارزة في مجال حقوق الإنسان، دون توجيه تهم واضحة.

وفي 20 مايو الجاري، مرّر البرلمان الذي يهيمن عليه مؤيدو الرئيس قانونًا يُشبه قوانين الرقابة الروسية، يُلزم أي منظمة تتلقى تمويلاً أجنبيًا أو تُشتبه في عملها لمصلحة الخارج بالتسجيل كـ"وكيل أجنبي".

ويتيح هذا القانون للسلطات مراقبة تلك المنظمات أو إغلاقها متى شاءت، ما يُهدد بإنهاء نشاط العديد من منظمات حقوق الإنسان ومؤسسات مكافحة الفساد.

صمت مؤسسات الرقابة

مكّن الرئيس بوكيلي نفسه من تعديل الدستور بسهولة، بعد أن حيّد خصومه وسكت أغلب مؤسسات الرقابة، أطلق على نفسه لقب "أروع ديكتاتور في العالم"، ويبدو مستعدًا للبقاء في السلطة لعقود مقبلة.

استفاد من تجاهل الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لملف حقوق الإنسان، وسمح له باستخدام سجون بلاده كمراكز احتجاز مرحلين بعيدًا عن القانون الأمريكي.

ورغم اعتراض الرئيس جو بايدن على نهج بوكيلي وفرضه عقوبات على مقربين من النظام بتهم فساد وانتهاكات، استمر الرئيس السلفادوري في التعاون الأمني مع الجمهوريين، بل استقبل مرحّلين يحملون سوابق جنائية قد تُضعف سمعته في الداخل.

تراجع شعبية بوكيلي

تراجعت شعبية الرئيس بوكيلي مؤخرًا رغم استمرار انخفاض الجريمة، بدأ السلفادوريون يعبرون عن استيائهم من تدهور الخدمات العامة وارتفاع معدلات الفقر، كما شعر كثيرون بعدم ارتياح لدور بلادهم في تنفيذ السياسات الأمنية الأمريكية.

وأثارت تحقيقات استقصائية، أبرزها من صحيفة إل فارو، تساؤلات حول علاقته السابقة بالعصابات، وأفادت التقارير أن عصابات نافذة ساعدته على الفوز بمنصب عمدة العاصمة في أولى خطواته السياسية، مقابل وعود بخفض جرائم القتل بوسائل ملتوية، من بينها إخفاء الجثث.

وأحكم الرئيس بوكيلي قبضته الإعلامية عبر منع الصحفيين من الوصول إلى المعلومات وملاحقة وسائل الإعلام المستقلة، وفي المقابل، عزز حضوره على وسائل التواصل الاجتماعي، مستفيدًا من آلة دعاية رقمية تُلمّع صورته وتشيطن خصومه.

ورغم تراجع مصداقية استطلاعات الرأي بسبب الخوف السائد، تُظهر بعض البيانات أن شعبيته انخفضت عن ذروتها التي بلغت نحو 90%، ويُرجح أن هذا التراجع هو ما يدفعه الآن لتوسيع دائرة الاستهداف ضد المعارضين.

وتكشف تجربة الرئيس بوكيلي عن معضلة حقيقية للدول التي تُكافح عنف العصابات، مثل الإكوادور وبيرو، قد يُغري الاستقرار الأمني الجماهير في البداية، لكن عندما يأتي على حساب القانون، يصبح المواطن نفسه بلا حماية أمام تعسف الدولة، ما يبدأ كرجل إنقاذ، قد ينتهي كديكتاتور يُحكم قبضته على البلاد لعقود.



 



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية