جدلية تعدد الزوجات بين التأييد والرفض وكيف حسمتها المؤسسات الدينية

جدلية تعدد الزوجات بين التأييد والرفض وكيف حسمتها المؤسسات الدينية
شيخ الأزهر الشريف الدكتور أحمد الطيب

مرارًا وتكرارًا خلقت قضية الزواج الثاني أو تعدد الزوجات حالة عنيفة من الجدل على منصات التواصل الاجتماعي بشتى أنواعه، في ظل تصريحات متبادلة بين مؤيد ومعارض، ما بين مباح ومقيد ومحرم في أقوال أخرى، وحق المرأة في طلب الطلاق بمجرد علمها لتضررها من هذا الزواج، ما اضطر المؤسسة الدينية لتدلو بدلوها في المسألة.

ودارت الجدلية هذه المرة بين أستاذ الفقه المقارن الدكتور أحمد كريمة، وأستاذ العقيدة بجامعة الأزهر الدكتورة آمنة نصير، فيما حسم شيخ الأزهر الشريف الدكتور أحمد الطيب الجدل من خلال جريدة الأزهر الرسمية "صوت الأزهر".

ومنذ عام ضجت مواقع التواصل الاجتماعي في مصر بعد الحديث عن تشريع برلماني جديد لتجريم الزواج بثانية دون علم الزوجة الأولى.

وكانت النائبة المصرية، أمل سلامة، قد طالبت بتجريم الزواج الثاني دون إخطار الزوجة الأولى، وبمعاقبة الزوج بالحبس حال عدم إخطار الزوجة بشكل رسمي، والنص على عقوبة الحبس والغرامة للزوج حال عدم القيام بإقرار حالته الاجتماعية في وثيقة الزواج. 

وتقدمت النائبة هالة أبوالسعد، بمشروع قانون لتعديل نص المادة 11 بشأن تعدد الزوجات دون علم الزوجة.

وترصد "جسور بوست" في هذا التقرير جميع الآراء وحججها، وأقوال المؤسسات الدينية "الأزهر والإفتاء" فيها.

أحمد كريمة والزواج الثاني

قال أستاذ الفقه المقارن الدكتور أحمد كريمة في لقاء تلفزيوني "إن الزوجة الأولى يجب أن تعين الزوج على الزواج بثانية، إذا أراد أن يعف نفسه كي لا يرتكب فاحشة"، على حد قوله، كما أوضح أن "استئذان الزوجة الأولى قبل الزواج بالثانية لم يرد في الشريعة الإسلامية".

وفي تصريحات لاحقة، قال أستاذ الفقه المقارن: "إن الإعلام في العالم الثالث إعلام متسرع، فهو لم يستوعب التصريحات التي أدلى بها"، على حد قوله، وأضاف: "أولاً أنا لم أتطرق إلى التعدد من أصله "فلا رغبة ولا رهبة"، ولكني سئلت أثناء لقاء في التلفزيون المصري ماذا لو سافر زوج إلى بعثة علمية أو دبلوماسية لعدة سنوات.

وحالت ظروفه سواء المادية أو المهنية أو التأشيرات عن التواصل مع زوجته واحتاج إلى الزواج من ثانية فأجبت إذن يتزوج، وأقترح على الزوجة الأولى عدم الممانعة وإن كان الأولى والأفضل أن يسافر إليها كل 4 أشهر. 

فسألوا مجدداً وإذا منعت الظروف؟ قلت إذن فليتزوج طالما يتوق إلى الزواج، لأن الله قال في سورة النساء: "فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع".

آمنة نصير تعترض

وردت أستاذ العقيدة بجامعة الأزهر الدكتورة آمنة نصير، على تصريح الدكتور أحمد كريمة، والذي قال فيه إن على الزوجة إعانة زوجها على الزواج بأخرى بدلا من ارتكابه الفاحشة، قائلا: “مش عارفة أبلعه الكلام ده”، وقالت خلال مداخلة هاتفية مع الإعلامية عزة مصطفى ببرنامج "صالة التحرير"، المذاع على قناة صدى البلد، "ليه الرجل المتزوج يرتكب الفاحشة، ومن ترغب زواج زوجها بثانية، لم لا تقوم بواجباتها وتجعله لا يحتاج إلى الزواج الثاني". 

وأكدت الدكتورة آمنة نصير، أنه ليس من طبيعة الزوجة أن تبحث لزوجها عن زوجة أخرى، مردفة "الزوجة الثانية في المنزل فتنة وغيرة، ولا تكون الزوجة راضية في تربية أولادها أو أي شيء"، وتابعت: أود من صاحب التصريح أن يدرك طبيعة المرأة التي إذا أحبت زوجها فإنها تريد أن تكون زوجة وحيدة.

الأزهر يحسم الجدل

نشرت جريدة صوت الأزهر لسان حال مشيخة الأزهر الشريف في مصر، حول الزواج وقضية التعدد، وجاءت هذه التصريحات على شكل نقاط تصدرت صفحة الجريدة الرسمية وقال شيخ الأزهر في هذه التصريحات: زوجة واحدة تكفي، من يقولون إن الأصل في الإسلام هو التعدد مخطئون، والمسألة تشهد ظلمًا للمرأة وللأبناء في كثير من الأحيان. 

وأشار الدكتور أحمد الطيب إلى أن التعدد من الأمور التي شهدت تشويهًا للفهم الصحيح للقرآن الكريم والسنة النبوية، مطالبا المسلمين بإعادة قراءة الآية التي وردت فيها مسألة تعدد الزوجات بشكل كامل، وتدبر ما قبلها وما بعدها.

وأكد أن المسلم ليس حرًا في أن يتزوج على زوجته الأولى، فهذه رخصة مقيدة بقيود وشروط، والتعدد حق للزوج لكنه "حق مقيد"، وتحتاج رخصته إلى سبب جوهري وإذا انتفى السبب بطلت الرخصة.

 وأوضح الدكتور أحمد الطيب أن العدل ليس متروكًا للتجربة إنما بمجرد الخوف من عدم العدل أو الضرر يحرم التعدد، فالقرآن يقول: "فإن خفتم ألا تعدلوا فواحدة". 

وشدد على أنه لا يتحدث عن تحريم أو حظر تعدد الزوجات، "ولا أدعو إلى تشريعات تلغي حقًا شرعيًا، لكن أرفض التعسف في استخدام الحق الشرعي والخروج به عن مقاصده".

رخصة التعدد

وفي تصريحات سابقة، قال فضيلة الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر الشريف، إن رخصة تعدد الزوجات لم تأتِ في آية منفصلة أو حكم مطلق دون تقييد، وإنما وردت في سياق آية قرآنية تدافع عن اليتيمات من الظلم الذي قد يتعرضن له من قبل بعض الأولياء عليهن، وهو ما يجعلنا نستحضر الظلم الذي قد تتعرض له الزوجة الأولى بسبب التعدد، إذا لم يتم الالتزام بالشرط المتعلق به وهو العدل. 

ولفت خلال برنامجه على القناة الفضائية المصرية، إلى أن هذا المنظور في التعامل مع رخصة التعدد ليس بالجديد، فهو موجود في تراثنا وقرره علماؤنا، لكن أهيل التراب على هذا التراث، وساد فهم آخر أدى إلى هذه المآسي التي نعاني منها، والتي دفعت البعض لاتهام الإسلام بأنه هو الذي فتح باب التعدد، مع أن التعدد كان موجوداً في المجتمع العربي قبل الإسلام، وجاء الإسلام ليضع حدا لفوضى التعدد التي كانت سائدة، ويضع سقفا للتعدد، بعدما كان مطلقا. 

وحول لماذا لم يحرم الإسلام التعدد بشكل مطلق؟"، قال إن هذا المنع كان سيوجد حرجا لدى البعض، فالتعدد في بعض الحالات هو حق طبيعي للرجل، فمثلا إذا كانت الزوجة لا تنجب والزوج يريد أن تكون له ذرية، فمن حقه أن يتزوج بأخرى، فهذه غريزة وليس من حق أحد أن يقوله له: "عش هكذا بدون ذرية"، لكن عليه ألا يظلم زوجته الأولى، وأن يحرص على أن تنال نفس الاحترام الذي كانت تلقاه قبل أن يتزوج عليها، كما أن لهذه الزوجة أن تطلب الطلاق للضرر إذا لم تقبل العيش مع زوجة أخرى، ولا يجوز للزوج أن يحبسها. 

واستشهد شيخ الأزهر بما ذكره الإمام محمد عبده حول التعدد، من أن "إباحة تعدد الزوجات في الإسلام أمر مضيق فيه أشد التضييق كأنه ضرورة من الضرورات التي تباح لمحتاجها بشرط الثقة بإقامة العدل"، كما يضيف الإمام محمد عبده: "وإذا تأمل المتأمل، مع هذا التضييق، ما يترتب على بعض صور التعدد في هذا الزمان من المفاسد جزم بأنه لا يمكن لأحد أن يربي أمة فشي فيها فوضى التعدد، ولو شئت تفصيل الرزايا والمصائب المتولدة من فوضى تعدد الزوجات العاري من العدل، لأتيت بما تقشعر منه جلود المؤمنين فمنها السرقة والزنا والكذب". 

وأكد فضيلة الإمام الأكبر أن العدل بين الزوجات يكون في كل شيء حتى في بشاشة الوجه، وليس في الأمور المادية فقط والمعاشرة والمبيت، فهذا فهم خاطئ وقاصر ولا ينجي الزوج من العذاب يوم القيامة إذا مال ولم يعدل، مشددًا على أن الزوج الذي يقصد من الزواج بأخرى قهر الزوجة الأولى وإلحاق الضرر بها، عذابه عند الله شديد، وينطبق عليه قوله تعالى: "وَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلًا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ ۚ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصَارُ".

 رأي مفتي الجمهورية

قال الدكتور شوقي علام، مفتي الجمهورية، إن تعدد الزوجات ينبغي أن يكون له مبرر قوي معتبر مع مراعاة العدل بين الزوجات، وأضاف علام خلال لقاء سابق له مع الإعلامي حمدي رزق، ببرنامج "نظرة"، المذاع على قناة "صدى البلد"، أن الأصل عدم التعدد، إلا أن التعدد جاء لعلاج مشكلة اجتماعية، ولذلك ينبغي أن يكون التعدد تحت وطأة مبرر قوي معتبر، وأن يتوافر العدل مع باقي الزوجات. 

 



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية