الحالة الصحية للقادة تتحول إلى سلاح لتصفية الخصوم في الولايات المتحدة
ترامب يفتح النار على بايدن
مع اقتراب كل استحقاق انتخابي كبير، تتجدد الأسئلة حول أهلية القادة، ليس فقط من حيث السياسات والمواقف، بل من حيث الحالة الصحية والقدرات الذهنية والجسدية.
وقد بات الطعن في الحالة الصحية للخصوم أداة سياسية معروفة تُستخدم لكسب النقاط أو تقويض الثقة العامة في المرشح المنافس، باعتباره غير قادرا على إدارة مقاليد الأمور.
وتعد الولايات المتحدة الأمريكية ساحة نموذجية لهذا النوع من الحملات، حيث يتقاطع الخطاب السياسي مع الصحة العقلية والجسدية في كثير من المحطات التاريخية.
في يونيو 2024، عاد الجدل حول الحالة الذهنية للرئيس الأمريكي آنذاك جو بايدن إلى الواجهة بعد تصريحاته المتقطعة وزلات لسانه التي أثارت تساؤلات حول مدى أهليته الذهنية للاستمرار في منصبه.
واستغل الرئيس الأمريكي الحالي دونالد ترامب هذه النقطة، وطالب بفتح تحقيق في ما وصفه بـ"التستر المتعمد" على تدهور الحالة العقلية لبايدن من قِبل البيت الأبيض ووسائل الإعلام.
ويقول المراقبون إن هذه الحملة تعد جزءًا من استراتيجية أوسع لطعن ترامب بشرعية إدارة بايدن والتشكيك في قدرتها على قيادة البلاد خلال فترة رئاسته (يناير 2021- يناير 2025).
*احتدام الأزمة
ومؤخرا أصدر الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، توجيهًا بفتح تحقيق رسمي حول مزاعم "تآمر" داخل إدارة سلفه جو بايدن، تتعلق بإخفاء حالته الذهنية واستغلال صلاحياته الدستورية، في خطوة وصفها الديمقراطيون بأنها "رد فعل انتقامي لأهداف سياسية".
وجاء في بيان للبيت الأبيض أن ترامب كلّف المستشار القانوني للرئاسة ببدء تحقيق قانوني للتأكد مما إذا كان بعض أعضاء إدارة بايدن قد تواطأوا للتستر على حالته الذهنية، ومارسوا صلاحيات رئاسية باسمه دون سند دستوري، بحسب ما أوردته وكالة فرانس برس.
وصرح ترامب بأن هناك مؤشرات متزايدة تفيد بأن مساعدين مقربين من بايدن استخدموا نظام توقيع إلكتروني أو آلي للموافقة على قرارات رئاسية، واصفًا الأمر بأنه "فضيحة دستورية تهدد بشرعية عدد من الإجراءات التي اتُّخذت خلال فترة رئاسة بايدن".
فيما أصدر الرئيس السابق جو بايدن بيانًا مقتضبًا شدد فيه على أنه هو من اتخذ كافة القرارات الرئاسية خلال ولايته، بما في ذلك قرارات العفو والتشريعات والأوامر التنفيذية، مؤكدا أن أي تلميح بأن آخرين كانوا يديرون الأمور بدلاً مني هو مجرد كذب وافتراء.
وأضاف: "أود أن أكون واضحًا: لم يتخذ أحد قرارات نيابة عني، أنا كنت المسؤول الوحيد، وما يُشاع غير ذلك هو محض سخافة وكذب متعمد".
وتأتي هذه التطورات في أعقاب أشهر من حملات انتقادية شنها ترامب حول الحالة الصحية والعقلية لبايدن، الذي أعلن مؤخرًا عن إصابته بسرطان البروستاتا، وهو ما اعتبره ترامب "أمرًا تم إخفاؤه عن الرأي العام من قبل دائرته المقربة".
وجاء التصعيد بعد صدور كتاب بعنوان "الخطيئة الأصلية"، زعم فيه مؤلفه أن فريق بايدن سعى عمدًا إلى إخفاء تدهور حالته الذهنية خلال فترة رئاسته، مستندًا إلى ما وصفه بأداء مرتبك وتصريحات غير واضحة صدرت عن بايدن خلال عدد من المؤتمرات الصحفية واللقاءات العامة.
*سوابق تاريخية
في عام 1984، واجه الرئيس رونالد ريغان (73 عامًا آنذاك) انتقادات حادة بشأن عمره، خاصة بعد أدائه الضعيف في أول مناظرة رئاسية، لكنه رد ساخرًا في المناظرة التالية قائلاً: "لن أستغل صغر سن خصمي وقلة خبرته السياسية"، ما أدى إلى انقلاب موازين الحملة لصالحه، حيث ظهر بمظهر المتحكم في صحته وذهنه.
فيما عاني الرئيس جون كينيدي، رغم صغر سنه، من مشاكل صحية عديدة أُخفيت عن الرأي العام، بما في ذلك آلام مزمنة في الظهر ومرض أديسون، لكن حملته الانتخابية عام 1960 صوّرته كرمز للشباب والحيوية.
وأصيب الرئيس الأمريكي فرانكلن روزفلت، بالشلل في النصف السفلي من جسده، بينما تمكن بمساعدة الإعلام في حينه من تجنب تصويره على كرسي متحرك أمام الكاميرات، لئلا يُنظر إليه كرئيس ضعيف ومريض.
وخلال الحملة الرئاسية في عام 2016، تعرضت المرشحة هيلاري كلينتون، إلى حملة ممنهجة شككت في قدرتها الصحية على الحكم، خاصة بعد حادثة فقدانها للتوازن أثناء مغادرتها فعالية في ذكرى 11 سبتمبر.
وتلعب وسائل الإعلام دورًا محوريًا في تأجيج أو تهدئة الجدل بشأن الصحة الجسدية والعقلية للقادة، ففي حين تتبنى بعض المؤسسات خطاب التشكيك كما تفعل قنوات محسوبة على الجمهوريين، فإن وسائل إعلام أخرى تتبنى خطاب الدفاع أو التبرير، ما يخلق انقسامًا إعلاميًا يوازي الانقسام السياسي.
*سلاح انتخابي
وتثير هذه الاستراتيجيات جدلاً أخلاقيًا حول حدود النقد السياسي، ومدى احترام الحياة الخاصة، وحقوق الأفراد في الخصوصية الطبية، كما أن التركيز المفرط على الصحة قد يصرف الأنظار عن البرامج الانتخابية الحقيقية ويؤسس لثقافة سياسية سطحية.
وفي خضم الحروب الانتخابية، تبقى الصحة الذهنية والجسدية للقادة نقطة هجوم سهلة وشعبية، لكنها أيضًا تحمل في طياتها تحديات قانونية وأخلاقية كبرى، بينما تستمر الحملات السياسية في استغلال هذا السلاح، يبقى الوعي العام والإعلام المسؤول هما الحصن الأخير ضد التلاعب بالمعلومة من أجل مكاسب انتخابية قصيرة المدى.
بدوره قال عضو الحزب الجمهوري وأستاذ العلوم السياسية في جامعة واشنطن، الدكتور نبيل ميخائيل، إن ما طرحه ترامب بشأن التحقيق يطرح تساؤلا بشأن من المؤسسة التي ستقوم بهذا التحقيق، حيث رجح أنه في حال تولي الكونغرس للتحقيق، سيرفض الديمقراطيون ذلك بشكل قاطع وقد يكون هناك معارضة من بعض الجمهوريين أيضا.
وبحسب تصريح لميخائيل لـ"جسور بوست" فإن معارضة بعض الجمهوريين، ستعود إلى كون الأمر قديما ويرجع لفترة رئاسة جو بايدن للولايات المتحدة الأمريكية، وبالتالي لا طائل من وراء فتح هذا الملف مجددا.
ويعتقد الدكتور نبيل أن ترامب يذكر تلك الأمور كجزء من حملة موجهة لانتقاد الديمقراطيين، وكشفهم أمام الرأي العام بأنه كاذبون ومخادعون ويتحكمون في الإعلام الذي يتعاطف معهم وأشياء من هذا القبيل.
وأوضح أن هذا الأمر يطرح بالتزامن مع مشاكل بين الرئيس الديمقراطي السابق باراك أوباما وزوجته، وهذا الأمر يراه ترامب في مصلحته، مشيرا إلى أن ترامب يستخدم تلك الأمور في تصوير أن الزعامات لدى الديمقراطيين مثل أوباما وبايدن لا يتواصلون بمصداقية مع الشعب الأمريكي.
ويعتقد وأستاذ العلوم السياسية في جامعة واشنطن، أن ترامب سيتخدم هذه القضية الخاصة ببايدن في الحملات الانتخابية والخطاب السياسية لكسب مواقف.
بالمقابل، يرى عضو الحزب الديمقراطي والمحل السياسي الدكتور مهدي عفيفي، أن هذا أمر متوقعا من ترامب لأنه يحاول في كل فرصة تسديد طعنات لإدارة بايدن، لأن الأخير هزمه وكان هناك تحقيقات في قضايا فساد تخصه، وبالتالي يحاول أن يرد المواقف بالتشكيك في أي شيء له علاقة بالرئيس السابق أو الحزب الديمقراطي، وكثيرون من الجمهوريين لا يقبلون بهذا المستوى من الحوار الذي يصر عليه ترامب.
وأوضح عفيفي في تصريح لـ"جسور بوست" أن الانتخابات الرئاسية المقبلة أمامها نحو 3 سنوات ومن المبكر أن يستغل تلك التحقيقات فيها، ولكن الأهم لديه الآن هو التجديد النصفي للكونغرس، مستبعدا أن يؤثر هذا الموضوع في الانتخابات، لا سيما وأنها لن تكون طعنا في شخص الرئيس السابق ولكن في المنظومة الصحية بالكامل والبيت الأبيض أيضا.
وأضاف: "ما يقوم به ترامب أشبه بالحركات البهلوانية كالعادة، لمحاولة تسديد أي طعنات للرئيس بايدن"، مشيرا إلى أن مراقبين يرون ما يثيره ترامب إساءة للولايات المتحدة والشعب الأمريكي الذي اختار أن يكون ترامب له رئيسا.
ولم يعد الجدل حول الحالة الصحية والعقلية للمرشحين مجرد قضية طبية، بل تحول إلى أداة سياسية تُستخدم في معارك انتخابية محتدمة، لا سيما وأن تحقيق ترامب في أداء بايدن يعكس توترًا متزايدًا في المشهد الأمريكي، ويطرح تساؤلات جوهرية حول حدود الصراع السياسي، واحترام المؤسسات الدستورية، وثقة الناخبين.