أنهت الحرب الأهلية.. وفاة رئيسة نيكاراغوا السابقة فيوليتا تشامورو عن 95 عاماً
أنهت الحرب الأهلية.. وفاة رئيسة نيكاراغوا السابقة فيوليتا تشامورو عن 95 عاماً
توفيت رئيسة نيكاراغوا السابقة فيوليتا تشامورو، أمس السبت، في مدينة سان خوسيه، كوستاريكا، عن عمر ناهز 95 عامًا، وفقًا لبيان أصدرته عائلتها لم يُفصح عن سبب الوفاة، بعد أن انسحبت من الحياة العامة عام 2011 بعد إصابتها بورم في الدماغ.
وتُعدّ تشامورو أول امرأة تصل إلى رئاسة البلاد، كما قادت البلاد نحو المصالحة الوطنية بعد عقد من الحرب الأهلية الدامية.
دخلت تشامورو، التي تنتمي إلى عائلة نيكاراغوية نافذة، الساحة السياسية على مضض بعد اغتيال زوجها بيدرو خواكين تشامورو كاردينال عام 1978، وكان رئيس تحرير صحيفة "لا برينسا"، الصحيفة المستقلة الوحيدة في نيكاراغوا آنذاك، وقد أثار اغتياله موجة غضب شعبي أسهمت في إسقاط حكم عائلة سوموزا الديكتاتوري الذي دام أكثر من أربعة عقود.
وتفاعلت تشامورو مع تصاعد أعمال العنف التي شهدتها البلاد في ظل المواجهات بين حكومة الساندينستا اليسارية ومقاتلي "الكونترا" المدعومين من الولايات المتحدة، وراح ضحية هذا النزاع أكثر من 30 ألف شخص.
ومن رحم هذا المشهد المأساوي، ظهرت تشامورو كصوت وطني يطالب بالإصلاحات الديمقراطية، وبدت ملتزمة بخيار الحوار والمصالحة الوطنية.
الأبيض رمز للسلام
خاضت تشامورو انتخابات عام 1990 بدعم من "الاتحاد الوطني للمعارضة"، وهو ائتلاف ضم 14 حزبًا سياسيًا من أطياف متعددة.
وترشحت كامرأة مستقلة واعتُبرت مرشحة سلام وتوافق، رغم افتقارها إلى خبرة تنفيذية واضحة أو برامج سياسية تفصيلية.. ارتدت الأبيض رمزًا للسلام، وأعلنت التزامها بإنهاء التجنيد الإجباري وتقليص حجم الجيش.
تفوقت على زعيم الساندينستا دانيال أورتيغا بنسبة 55% من الأصوات، في لحظة شكّل فيها فوزها مفاجأة دولية.
وقالت في خطاب النصر: "لن تكون هناك منفى ولا اعتقالات سياسية بعد اليوم، لا غالب ولا مغلوب"، وواصلت هذا النهج التصالحي خلال رئاستها التي امتدت حتى عام 1997، إذ أبقت على شقيق أورتيغا في قيادة الجيش لطمأنة المعسكر السانديني.
التحديات الاقتصادية
أشرفت تشامورو خلال ولايتها على تنفيذ برنامج تقشف اقتصادي أدى إلى خفض التضخم من 11000% إلى نحو 11%، ودشّنت أيضًا عهدًا من التعددية السياسية، وأعادت للصحافة استقلالها، وفرضت رقابة مدنية على أجهزة الأمن، وعلى الرغم من هذه النجاحات، لم تُفلح في كبح الفساد المستشري، وواجهت انتقادات لتسامحها مع متهمين بانتهاكات حقوق الإنسان من الساندينيين.
عانى أكثر من نصف السكان من البطالة أو نقص حاد في فرص العمل بنهاية ولايتها، ما دفع خصومها لاعتبارها "رئيسة رمزية" تدير البلاد عبر مستشاريها وأقاربها، وأبرزهم أنطونيو لاكايو، صهرها ورئيس أركانها.
وفي المقابل، وصفها مؤيدوها بأنها "أم الأمة"، وعدّوها رمزاً أخلاقياً في مرحلة دقيقة من تاريخ نيكاراغوا.
وحظيت تشامورو باحترام دولي، ورافقتها علاقات قوية مع إدارة الرئيس الأمريكي جورج بوش الأب، الذي سارع إلى رفع العقوبات عن نيكاراغوا ووافق على حزمة مساعدات بقيمة 300 مليون دولار بعد توليها المنصب.
ولم تلتزم بالبروتوكولات الصارمة، بل كانت قريبة من الناس، واستقبلت البابا يوحنا بولس الثاني في ماناغوا عام 1996 بقبلة على خده، في مشهد أثار اهتمام العالم.
وأشرفت على نزع سلاح الفصائل، ونجحت في تحقيق مصالحة حتى داخل أسرتها، إذ عمل اثنان من أبنائها في صحيفة المعارضة "لا برينسا"، في حين خدم اثنان آخران في حكومة الساندينيستا، كتبت في مذكراتها "أحلام القلب": "المرأة كأم مؤهلة بطبيعتها للحكم.. لأن مهمتها هي إعادة التوازن والانسجام للأسرة الوطنية".
قاومت تشامورو النظام السانديني من خلال صحيفة "لا برينسا"، وطالبت بالإصلاح والديمقراطية، أغلق أورتيغا الصحيفة لمدة 15 شهرًا، وهاجمها في خطاباته متهمًا إياها بالخيانة، بل وقال إنها تستحق السجن لمدة 30 عامًا.
خلال فترة الحرب بين الكونترا والساندينيين، خاضت معارك سياسية شرسة، خاصة في ظل دعم الولايات المتحدة للمتمردين من خلال صفقة بيع الأسلحة لإيران.
بعد إعلان أورتيغا تنظيم انتخابات مفتوحة في عام 1990، تقدّمت إلى السباق بدعم شعبي واسع، رغم ضعف أدائها العلني، واجهت صعوبة في الإجابة عن أسئلة سياسية معقدة، وأحالت معظمها إلى مستشاريها، لكن الشعب رأى فيها بديلاً عن الحرب والانقسام.
تسليم السلطة
بعد انتهاء ولايتها، سلّمت تشامورو السلطة لعمدة ماناغوا السابق أرنولدو أليمان، الذي اتبع نهجًا أكثر صدامية مع الساندينيين، أُدين أليمان لاحقًا بتهم فساد، وقضت المحكمة بسجنه لمدة 20 عامًا.
في تلك الفترة، بدأت نيكاراغوا بالانزلاق مجددًا إلى النظام الاستبدادي، وانتُخب أورتيغا مجددًا عام 2006، بعد أن عدّل الدستور لإلغاء تحديد فترات الرئاسة.
راقبت تشامورو المشهد السياسي من منزلها، وأعربت عن رضاها لأنها أدت ما عدّته "واجبها الوطني"، احتفظت بذكريات زوجها الراحل، بما في ذلك سترته التي ارتداها يوم اغتياله وسجادة السيارة الملطخة بالدماء.
قالت لمجلة "تايم": "أتحدث إلى بيدرو طول الوقت، وأعرف ما كان يريدني أن أفعله".
وُلدت فيوليتا باريوس توريس في مدينة ريفاس يوم 18 أكتوبر ، ضمن عائلة مكونة من سبعة أبناء، درست في الولايات المتحدة، ثم تزوجت من بيدرو خواكين عام 1950، وهو ابن ناشر صحيفة لا برينسا، تعرض زوجها مرارًا للسجن والنفي بسبب معارضته الصريحة لحكم سوموزا، واضطر للهروب مع عائلته إلى كوستاريكا قبل أن يعودوا عام 1960.
شاركت فيوليتا أبناءها في بناء صحيفة "لا برينسا" كمنبر معارض، في حين عمل ابنها كارلوس في صحيفة "لا باريكادا" الرسمية التابعة للساندينيين، وشغلت ابنتها كلوديا منصب سفيرة في كوستاريكا.
في السنوات الأخيرة، برزت ابنتها كريستيانا تشامورو كمرشحة معارضة قوية، لكن النظام الحاكم وضعها قيد الإقامة الجبرية عام 2021، ثم أدانها في العام الآتي بتهم قالت منظمات حقوقية إنها ذات دوافع سياسية.
وقالت تشامورو ذات مرة لصحيفة نيويورك تايمز: "حاول الساندينيستا تمزيق العائلات.. لكنّ الانقسامات لا تدوم طويلًا، لأن القلوب ليست من حجر".
لم تُعلن الأسرة عن تفاصيل الجنازة، لكن التاريخ سيذكر فيوليتا تشامورو كامرأة دخلت التاريخ من بوابة الحداد على زوجها، وأسهمت في إنهاء صراع دموي، وأرست قيم التفاهم والديمقراطية في بلد مزقته الانقسامات لعقود.