الشرق الأوسط على حافة نووية.. هل تجرّ إسرائيل وإيران المنطقة لسباق تسلّح لا عودة منه؟

الشرق الأوسط على حافة نووية.. هل تجرّ إسرائيل وإيران المنطقة لسباق تسلّح لا عودة منه؟
إيران وإسرائيل - أرشيف

في مشهد دولي يزداد تعقيدًا يوماً بعد يوم، يتسلل شبح الحرب النووية إلى قلب الشرق الأوسط، مهددًا بجرّ المنطقة إلى هاوية غير مسبوقة، وما بين التصعيد المتبادل بين إيران وإسرائيل، وتورط القوى الكبرى بشكل غير مباشر، تقف الإنسانية على شفا تحوّل كارثي قد يخلط أوراق النظام الدولي لعقود مقبلة.

بدأت الجولة الجديدة من التصعيد في 13 يونيو الجاري، عندما شنت إسرائيل غارات جوية غير مسبوقة على منشآت نووية ومواقع استراتيجية داخل إيران، أبرزها مجمع التخصيب في نطنز ومركز فوردو المدفون في عمق الأرض، الضربات استهدفت أيضًا محطات رادار ومراكز قيادة الحرس الثوري.

إيران لم تكتفِ بالرد العسكري، بل أطلقت سلسلة رسائل سياسية وتهديدات غير مسبوقة وزير الخارجية الإيراني، عباس أراقتشي، أكد في مقابلة مع وكالة «تسنيم» أن بلاده «لن تتردد في إعادة النظر في التزاماتها الدولية إذا استمرت الاعتداءات»، ملمحًا إلى إمكانية الانسحاب من معاهدة عدم الانتشار النووي (NPT) كما قال في مؤتمر صحفي بطهران: «صبرنا الاستراتيجي انتهى، وكل الخيارات أصبحت على الطاولة، بما في ذلك استراتيجيات الردع القصوى».

هذه التصريحات تزامنت وتقارير من الوكالة الدولية للطاقة الذرية تؤكد أن "أجهزة الطرد المركزي في نطنز وفوردو تعرضت لأضرار كبيرة"، ولكن دون مؤشرات على تسرب إشعاعي خارج الحدود المأمونة. ومع ذلك، أفادت مصادر طبية في محافظة أصفهان عن ظهور حالات تهيج تنفسي بين سكان المناطق القريبة من مجمع التخصيب، دون تأكيد رسمي لعلاقة ذلك بأي تسرب إشعاعي.

ووفقًا لتقرير صادر عن «معهد العلوم والأمن الدولي» الأمريكي، فإن إيران تمتلك حاليًا أكثر من 90 كيلوغرامًا من اليورانيوم المخصب بنسبة 60%، وهي نسبة لا تبعد كثيرًا عن عتبة التخصيب العسكرية البالغة 90%. ويقدّر المعهد أنه يمكن لإيران، نظريًا، تصنيع ما بين 9 إلى 15 قنبلة نووية خلال فترة لا تتجاوز 3 أسابيع، إذا اتخذ القرار السياسي بذلك.

هذا التقييم المقلق ترافق مع تقارير استخباراتية تؤكد أن إيران زادت من وتيرة إنتاج الصواريخ الباليستية خلال الأشهر الماضية، بما في ذلك طراز «قاسم بصير» القادر على حمل رؤوس متوسطة الحجم لمسافات تتجاوز 1200 كيلومتر، في محاولة لإعادة تشكيل ميزان الردع في المنطقة. في المقابل، تُقدَّر الترسانة النووية الإسرائيلية –التي لم يُعترف بها رسميًا– بأنها تضم بين 80 إلى 200 رأس نووي، حسب تقديرات "معهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام"، مما يضع إسرائيل في مرتبة متقدمة إقليميًا، ويجعل من أي مواجهة مباشرة احتماليةً لكارثة نووية متعدّدة الأطراف.

مشهد معقد

المشهد الآن معقّد للغاية، ويحتمل ثلاثة سيناريوهات رئيسية خلال الأيام القادمة. أولها، استمرار التصعيد العسكري التقليدي، وهو السيناريو الأكثر ترجيحًا حاليًا، مع استهداف متبادل للبنى التحتية دون اللجوء للسلاح النووي. الثاني، تصعيد غير متكافئ يشمل ضربة نووية إسرائيلية محدودة تستهدف منشآت تحت الأرض غير قابلة للتدمير بالأسلحة التقليدية، وهو ما قد يُشعل تدخلًا دوليًا واسعًا يشمل أطرافًا مثل روسيا وباكستان، التي صرّح مصدر إيراني أخيرًا أنها "سترد نوويًا إذا استخدمت إسرائيل السلاح النووي أولًا"، بحسب تقرير لصحيفة «Economic Times» الهندية.

أما السيناريو الثالث، فهو تسوية مؤقتة تشبه ما حصل في أزمة الصواريخ الكوبية عام 1962، تقضي باتفاق يتضمن تفكيك قدرات إيران النووية مقابل ضمانات أمنية بعدم الاعتداء عليها، لكن هذا السيناريو يتطلب وساطة دولية قوية وإرادة سياسية لا تبدو متوفرة في الوقت الحالي.

وفي خلفية كل هذا، تظهر التحذيرات الحقوقية الدولية التي تنبه إلى خطر تحول هذه المواجهة إلى جريمة حرب شاملة. منظمة العفو الدولية عبّرت عن قلقها العميق من "استهداف مواقع ذات طابع مدني في إيران"، وأكدت أن "الضربات الجوية الإسرائيلية تسببت في دمار شامل لمرافق حيوية غير عسكرية"، في حين حمّلت طهران المسؤولية عن تعريض المدنيين للخطر بسبب تموضع منشآتها النووية قرب تجمعات سكانية.

وربما ما يزيد المشهد قتامة أن المؤسسات الرقابية الدولية، وعلى رأسها الوكالة الدولية للطاقة الذرية، تبدو عاجزة عن لعب دور فعّال. المدير العام للوكالة، رافائيل غروسي، صرّح يوم 15 يونيو بأن "أنظمة الرقابة في بعض المواقع الإيرانية قد تضررت"، وأن "الوصول إلى المعلومات أصبح محدودًا". هذه التصريحات تؤكد أن العالم يفقد السيطرة التدريجية على ملف حرج يهدد بتقويض منظومة عدم الانتشار بأكملها.

ويقف العالم اليوم على مفترق طرق.. إما أن ينجح في احتواء الأزمة عبر مزيج من الضغط الدبلوماسي والضمانات الأمنية، أو أن يسقط في هاوية قد تكتب الفصل الأول من صراع نووي إقليمي قد يتحوّل بسرعة إلى عالمي. وبين صمت الشعوب وثرثرة الساسة، يبدو أن شبح «هيروشيما» لم يمت، بل ارتدى عباءة جديدة تحمل توقيع الشرق الأوسط.

تهديدات نووية وتصعيد

قال المحلل السياسي والخبير في الشؤون الآسيوية، الدكتور سيد مكاوي، إن التهديدات الأخيرة الصادرة عن رئيس جهاز الموساد الإسرائيلي "ديفيد بارنيع كاتس" بإحراق العاصمة الإيرانية طهران، تحمل في طياتها تلميحاً مبطّناً باستخدام السلاح النووي، وهو ما يشكّل سابقة خطيرة في مستوى التصعيد اللفظي والسياسي بين تل أبيب وطهران. 

وأكد الدكتور مكاوي، في تصريحات لـ"جسور بوست"، أن هذه التصريحات لم تأتِ في فراغ، بل رافقتها دعوة "غامضة ومريبة" من الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لإخلاء العاصمة الإيرانية، في ما بدا وكأنه صدى أمريكي يتناغم مع النغمة الإسرائيلية في تصعيد التوتر، بدلاً من كبح جماحه.

ورأى مكاوي أن الرد الصيني على الموقف الأمريكي، والذي اعتبره "سكباً للزيت على النار"، يعكس مدى القلق الدولي من انزلاق الأوضاع إلى مواجهات قد تخرج عن السيطرة، خاصة في ظل خطورة استخدام اللغة النووية كلغة تهديد سياسي. 

وأوضح أن التهديد الإسرائيلي لا يُقرأ إلا في سياق محاولة ابتزاز الولايات المتحدة من أجل تقديم المزيد من الدعم المفتوح وغير المشروط لتل أبيب، حتى لا "تضطر" الأخيرة – بحسب منطقها – إلى استخدام السلاح النووي، وهو ما وصفه مكاوي بأنه لعب بالنار على فوهة بركان.

وأشار الخبير في الشؤون الآسيوية إلى أن موقف واشنطن وحلفائها من الدول الغربية يعكس "نفاقاً سياسياً صارخاً وعقلية استعمارية" لا تزال تسكن عقل صانع القرار في العواصم الغربية. 

وأضاف مكاوي أن منطق الغرب مزدوج ومشوه؛ إذ يُصنَّف الهجوم الروسي على أوكرانيا كـ"عدوان" يستوجب الرد والدعم العسكري، فيما يُبرَّر هجوم إسرائيل على إيران بأنه "دفاع عن النفس". وتابع قائلاً: "حين يقاوم الأوكرانيون الاحتلال الروسي، فهم أبطال، لكن حين تقاوم إيران أو غزة الاحتلال والعدوان الإسرائيلي، يتم وسمها بالإرهاب والتطرف"، في مفارقة وصفها بأنها لا تستقيم لا أخلاقياً ولا قانونياً.

وتابع الدكتور مكاوي حديثه قائلاً إن مصير التصعيد الحالي بين إسرائيل وإيران، يشبه إلى حد كبير ما يجري في قطاع غزة، ويظل مرهوناً بسلوك واشنطن: "هل ستمتلك الإدارة الأمريكية الجرأة لتجميد الدعم المطلق لإسرائيل، وتضغط باتجاه حل دبلوماسي شامل للمسألة النووية الإيرانية، مع الاعتراف بأن جوهر الأزمة لا يكمن في إيران، بل في صمت المجتمع الدولي لعقود طويلة عن امتلاك إسرائيل لترسانة نووية خارجة عن أي رقابة دولية؟".

واختتم المحلل السياسي تصريحه، قائلاً إن لحظة الحقيقة تقترب، وأن استمرار سياسة الكيل بمكيالين سيفقد واشنطن وحلفاءها ما تبقى لهم من مصداقية في الشرق الأوسط، مؤكداً أن الشعوب، وإن صمتت حكوماتها، ما زالت تقرأ ما بين السطور، وتدرك من يزرع النار ومن يسقي الزيت.

تصعيد يهدد بانفجار وشيك

قال الباحث في العلاقات الدولية محمد اليمني، إنّ الحرب الدائرة حالياً بين إسرائيل وإيران لا يمكن فصلها عن سياقات أوسع تتجاوز حدود الصراع الثنائي، إذ يرى أن هذه المواجهة ما هي إلا فصل جديد في محاولة إعادة تشكيل الشرق الأوسط، ولكن هذه المرة تحت قيادة إسرائيلية، لا أمريكية. 

وأكد اليمني، في تصريحات لـ"جسور بوست"، أن الصراع الدائر ليس مجرد نزاع عسكري بحت، بل يحمل في طياته أبعاداً جيوسياسية عميقة، تتعلق بإعادة رسم خرائط النفوذ، وتوزيع موازين القوى في المنطقة، وسط صمت دولي يكاد يكون تواطؤاً.

وأوضح أن الحديث عن بُعد أخلاقي لهذا الصراع يبدو عبثياً في هذه المرحلة، إذ ما تزال المواجهة محصورة ضمن نطاق "التصعيد المضبوط" بين الطرفين، دون انخراط مباشر من قوى دولية كبرى إلى الآن، وإن كانت مواقف هذه القوى تميل بوضوح لدعم طرف على حساب آخر. 

وأضاف أن الدول التي يُقال إنها تساند إيران كروسيا، والصين، وباكستان، وكوريا الشمالية، لم تتدخل بشكل مباشر، شأنها شأن حلفاء إسرائيل التقليديين، رغم أن التصريحات الغربية، خاصة من الولايات المتحدة وألمانيا، تنذر بأن القضية النووية الإيرانية باتت على طاولة العمل الجاد، حيث دعا المستشار الألماني صراحة إلى تفكيك البرنامج النووي الإيراني بالكامل.

وأشار اليمني إلى أن احتمالية استخدام السلاح النووي، رغم أنها مطروحة نظرياً في التحليلات، إلا أنه يستبعدها في هذا التوقيت، مذكّراً بتجربة الحرب الروسية الأوكرانية التي حفلت بتكهنات مشابهة دون أن يُستخدم فيها السلاح النووي، بسبب ما يتطلبه هذا الخيار من حسابات دقيقة تتجاوز الغضب الآني والانفعالات السياسية. 

وأكد اليمني أن المنطقة باتت تُقاس تطوراتها الآن بالساعات وليس بالأيام، فالهجمات متواصلة بشكل مكثف، بمعدل قصف كل 12 ساعة تقريباً، سواء من إيران أو من إسرائيل، ما يجعل خطر الانفجار الإقليمي قائماً في كل لحظة. 

وأشار إلى أن الضربة الإسرائيلية الأولى يوم الجمعة الماضية كانت موجعة لإيران، وتعدّها تل أبيب نجاحاً استخباراتياً وعسكرياً كبيراً، وتسعى لتكراره، لا سيما باستهداف الصفين الأول والثاني من قيادات حزب الله وحماس، في سياسة اصطياد الرؤوس، التي دأبت عليها إسرائيل في السنوات الأخيرة.

ونوّه إلى أن التصعيد، رغم أنه ما زال محكوماً إلى حد ما، إلا أن خروجه عن السيطرة أمر وارد جداً، خصوصاً مع استهداف منشآت حساسة كقصف إذاعة وتلفزيون إيران، أو إذا ما توسعت الهجمات لتطال مواقع نووية أو منشآت نفطية، ما ينذر بكارثة إقليمية قد تمتد تداعياتها إلى الدول المجاورة، بل وتتسبب في أزمات بيئية وكيميائية إذا ما ضُربت مصانع تحتوي على مواد خطرة.

وعن السيناريوهات المحتملة، قال اليمني إن الأول يتمثل في اندلاع حرب إقليمية تشارك فيها قوى دولية إلى جانب إسرائيل، وتكون إيران رأس الحربة في الجانب المقابل، ما يجعل مصالح كبرى مهددة، ومنها المصالح الصينية والأمريكية في المنطقة، أما السيناريو الثاني، فهو الدخول في مفاوضات بوساطة دولية، ربما تشارك فيها روسيا والولايات المتحدة، نظراً لعلاقات كل منهما الجيدة بطرفي النزاع، إلا أن اليمني أعرب عن تشككه من جدوى هذا السيناريو، مستشهداً بتجارب سابقة مع حزب الله وحماس، حيث لم تحترم إسرائيل الاتفاقات، ما يجعل فرص وقف إطلاق النار – إن حدث – هشّة وقابلة للانهيار في أي لحظة.

 



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية