كشف أثري.. النساء حكمن أولى مدن الحضارة في تركيا قبل 9000 عام

كشف أثري.. النساء حكمن أولى مدن الحضارة في تركيا قبل 9000 عام
مدينة كاتالهويوك القديمة المخفية

اكتشف علماء آثار أدلة جديدة تشير إلى أن النساء كنّ يحكمن مدينة قديمة تعود إلى العصر الحجري الحديث، في منطقة "تشاتال هويوك" الواقعة جنوب تركيا، والتي كانت مدفونة تحت الأرض منذ نحو تسعة آلاف عام. 

وأكد الباحثون أن هذا الاكتشاف يملك القدرة على إعادة صياغة المفاهيم السائدة حول بدايات الحضارة البشرية، خاصة فيما يتعلق بالأدوار الجندرية ومكانة المرأة في المجتمعات الأولى، بحسب ما ذكر موقع "ديلي ميل" البريطاني، الثلاثاء.

حلّل فريق دولي من علماء الوراثة والأنثروبولوجيا والآثار الحمض النووي المستخرج من قرابة 400 هيكل عظمي عُثر عليها في المدينة الأثرية، حيث نُشرت نتائج الدراسة مؤخرًا في مجلة Science العلمية، في إنجاز أثري يسلط الضوء على نظام اجتماعي مختلف عن الروايات الذكورية التقليدية في نشأة المدن والحضارات.

مدينة مبنية على إرث النساء

أظهرت الأدلة أن النساء كنّ يُدفن مع بناتهنّ في قبور مشتركة أسفل منازل الطوب اللبن، في حين كان الرجال غالبًا يُدفنون بمفردهم أو ينتمون إلى عائلات جاءت من خارج المستوطنة، ما يشير إلى أن الذكور كانوا ينتقلون إلى مساكن زوجاتهم بعد الزواج، وهو سلوك مرتبط بالأنظمة الأمومية.

رجّح العلماء أن ما بين 70 إلى 100% من الفتيات بقين في منازل أمهاتهن لأجيال متعاقبة، في حين انتقل الذكور إلى أماكن أخرى، في نمط مجتمعي يعكس قوة الروابط النسائية، واستمرارية الإرث العائلي عبر الخطّ الأمومي.

سلّطت هذه المعطيات الضوء على إمكانية أن تكون النساء هنّ من أنشأن أولى أشكال المدن المنظمة، حيث كانت مدينة تشاتال هويوك تمتد على مساحة 13.2 هكتار (32.5 فدانًا)، ومزودة بنمط عمراني متطور وتماثيل تعكس رموزًا دينية قد ترتبط بالأم الكبرى أو الإلهات.

مقتنيات تكشف عن الهيمنة الأنثوية

عثر فريق البحث في المدافن الخاصة بالنساء على عدد من الحلي والأدوات والقرابين يزيد خمس مرات عن تلك الموجودة في قبور الرجال، ما يُظهر بوضوح أن النساء حظين بمكانة اجتماعية مرموقة حتى بعد الوفاة، وهو ما يُفسَّر بأنه انعكاس مباشر لنفوذهن في الحياة اليومية.

أثبت تحليل الرموز الجنائزية والمرفقات الأثرية أن المدينة لم تكن فقط مجتمعًا روحانيًا يُمجّد النساء عبر التماثيل، بل كانت في الواقع تُدار فعليًا من خلال شبكة اجتماعية تقودها الأمهات.

شدّدت الدراسة على أن تلك الممارسات لا تتفق مع النظام الأبوي السائد في معظم المجتمعات القديمة التي درستها العلوم الكلاسيكية، بل تُظهر بديلاً حضاريًا كان قائمًا على تمكين النساء.

إعادة التفكير في "التاريخ الرسمي"

طالبت الباحثة المشاركة في الدراسة، الدكتورة إيلين شوتسمانز من جامعة وُلونغونغ الأسترالية، المجتمع الأكاديمي والجمهور العام بإعادة النظر في التصورات القديمة حول الأدوار الجندرية، معتبرة أن فكرة اقتصار السلطة والحكم على الرجال منذ فجر التاريخ لم تعد قائمة أمام هذه الأدلة القاطعة.

نوّهت شوتسمانز بأن هذه النتائج تُسهم في كسر الصورة النمطية التي طالما سيطرت على سرديات التاريخ، داعية إلى الاعتراف بأن مجتمعات عديدة قد تكون تأسست على قواعد المساواة أو الهيمنة النسوية قبل صعود النظام الأبوي.

أدرجت منظمة اليونسكو مدينة تشاتال هويوك كموقع تراث عالمي منذ يوليو 2012، وقد باتت اليوم واحدة من أهم الحقول البحثية التي تعيد كتابة قصة نشوء الحضارة، ليس فقط من زاوية العمارة والزراعة، بل من خلال فهم أعمق للأنظمة الاجتماعية والسلطوية التي قامت عليها أقدم المجتمعات البشرية.



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية