ترحيل مهاجرين إلى جنوب السودان يثير جدلاً قانونياً وأخلاقياً بالولايات المتحدة

ترحيل مهاجرين إلى جنوب السودان يثير جدلاً قانونياً وأخلاقياً بالولايات المتحدة
ترحيل مهاجرين إلى جنوب السودان

في خطوة مثيرة للجدل، رحّلت السلطات الأمريكية مجموعة من المهاجرين إلى جنوب السودان، بعد احتجازهم لأكثر من شهر في قاعدة عسكرية في جيبوتي، بحسب ما أعلنت وزارة الأمن الداخلي الأمريكية، التي نفّذت العملية يوم الجمعة، بالتزامن مع عطلة يوم الاستقلال في الولايات المتحدة.

وأكدت مساعدة وزيرة الأمن الداخلي الأمريكي، تريشيا ماكلوفلين، أن الترحيل يمثل "انتصارًا لسيادة القانون ولسلامة وأمن الشعب الأمريكي"، مشددة على التزام إدارة الرئيس ترامب بتطبيق قوانين الهجرة بصرامة، ولم تفصح الوزارة عن أسماء المهاجرين أو خلفياتهم القانونية، ما زاد من الغموض حول طبيعة قضاياهم.

وقالت المحامية المتخصصة في قضايا الهجرة، ابتسام حسن، إن ترحيل المهاجرين إلى جنوب السودان يمثل تطورًا خطِرًا، لا سيما في ظل تصاعد العنف وانعدام الاستقرار في البلاد، مؤكدة أن "المهاجرين الثمانية المرحّلين أكدوا أنهم ضحايا لانتهاك المادة الثامنة من الدستور الأمريكي التي تحظر التعرض لعقوبات قاسية أو غير معتادة".

وأضافت حسن، أن القضية وصلت مرتين إلى المحكمة العليا الأمريكية، بعد أن جرى تداولها في محاكم فدرالية أدنى، ما يعكس تعقيدها القانوني، ووصفت الترحيل بأنه "سابقة خطِرة تتجاهل المخاوف الحقوقية والإنسانية التي يفرضها الواقع في جنوب السودان".

غموض حول مصير العائدين

أفاد مسؤولون في مطار جوبا الدولي بأن الطائرة التي تقل المرحّلين وصلت صباح السبت، وأكد أحد الموظفين أنه اطّلع على وثيقة تثبت وصول الرحلة عند الساعة السادسة صباحاً بالتوقيت المحلي. لكن مصير المرحّلين لا يزال مجهولًا، إذ لم يصدر عن السلطات السودانية الجنوبية أي بيان رسمي يوضح أماكن احتجازهم أو وضعهم القانوني.

وتشير تقارير حقوقية إلى أن المهاجرين قد يواجهون خطر التصفية أو الاحتجاز التعسفي في بلد يشهد صراعًا مسلحًا منذ أكثر من عقد، وتنتشر فيه انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان، منها الإعدامات خارج نطاق القضاء، والاعتقالات السياسية، والتمييز العرقي.

وقال خالد عبدالرحمن، الباحث السياسي والأكاديمي المتخصص في الشؤون الأمريكية، إن إدارة ترامب ترى أن "الترحيل إلى دول ثالثة" يمثل حجر الزاوية في سياستها للهجرة، مضيفًا أن الفريق القانوني للرئيس شدد على أن الأمن القومي الأمريكي يتطلب التخلص من ملفات الهجرة المعقدة حتى لو كان ذلك على حساب بعض المعايير الحقوقية.

وأوضح عبدالرحمن أن "نهج ترامب يعكس فلسفة حازمة تقوم على ردع الهجرة غير النظامية من خلال إجراءات صارمة، مع التركيز على إعادة الأجانب حتى إلى دول النزاع مثل جنوب السودان"، مشيرًا إلى أن الإدارة تعتبر ذلك اختبارًا لمدى التزام الولايات المتحدة بفرض سيادة القانون.

منظمات تدق ناقوس الخطر

من جانبها، طالبت منظمات حقوق الإنسان الدولية مثل هيومن رايتس ووتش ومنظمة العفو الدولية بوقف سياسة الترحيل إلى مناطق تشهد نزاعات، ووصفتها بأنها "انتهاك صارخ للقانون الدولي الإنساني"، داعية الولايات المتحدة إلى احترام مبدأ عدم الإعادة القسرية (Non-Refoulement)، المنصوص عليه في اتفاقية جنيف لعام 1951 الخاصة بوضع اللاجئين.

وتساءلت المنظمات عن الضمانات التي توفرها الحكومة الأمريكية للمرحّلين في بلدان تمزقها الحروب، مؤكدة أن الظروف التي قد يواجهونها تشكل تهديداً مباشراً لحياتهم، في حين تبرر الإدارة الأمريكية قراراتها بوجود "مخاوف أمنية" أو "تجاوزات قانونية" ارتكبها بعض المرحّلين.

وتفتح هذه القضية الباب أمام نقاش أوسع حول التوازن بين الأمن القومي وحقوق الإنسان، خاصة في ظل استمرار العمل بسياسات ترحيل صارمة، وغياب رؤية واضحة لإصلاح قوانين الهجرة.

ويرى مراقبون أن إعادة المهاجرين قسرًا إلى جنوب السودان، في ظل غياب آليات رقابية واضحة، يعيد إلى الواجهة الأسئلة حول التزام واشنطن بالقيم التي تتغنّى بها في المحافل الدولية، خصوصًا في ما يتعلق بحق اللجوء وكرامة الإنسان.



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية