الأقليات العرقية والدينية.. لماذا لا يزال التمييز حاضراً بين الشرق والغرب؟

الأقليات العرقية والدينية.. لماذا لا يزال التمييز حاضراً بين الشرق والغرب؟
الأقليات - تعبيرية

في عالم يتغنى بالتنوع والتقدم الذي حققته الإنسانية في مجال الحريات والحقوق، تظل قضية معاناة الأقليات العرقية والدينية وصمة عار على جبين الإنسانية، من الشرق الأوسط إلى الغرب، يواجه ملايين البشر أزمات التمييز المنهجي، الاضطهاد، بل وحتى العنف، لمجرد انتمائهم لمجموعة عرقية أو دينية مختلفة.

"جسور بوست" تناقش هذا الموضوع في توقيت أضحت فيه المعاناة لا تعرف حدودًا جغرافية، والحاجة لحماية هذه الفئات باتت أكثر إلحاحًا من أي وقت مضى وهو ما دفع منظمات حقوقية وأممية لإطلاق تحذيرات وتقارير ترصد الانتهاكات وتطالب بإجراءات حقيقية.

وشهد العالم العربي تقليديًا تنوعًا دينيًا ولغويًا وثقافيًا غنيًا، حيث مجموعات مثل الأقباط في مصر، واليزيديين والمسيحيين في العراق، والأمازيغ في شمال إفريقيا، والدروز والعلويين في بلاد الشام، لكن مع صعود النزاعات السياسية، وتزايد الاستقطاب الطائفي، وأصبح الوجود التاريخي لهذه الأقليات مهددًا.

وفي الغرب، رغم النصوص الدستورية التي تساوي بين المواطنين، بقيت الأقليات الأفريقية والمسلمة والآسيوية تواجه أشكالًا متجددة من التمييز، خصوصًا بعد أحداث 11 سبتمبر 2001 وصعود اليمين الشعبوي.

أرقام تكشف حجم الأزمة

تقرير “مفوضية الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان” لعام 2023 رصد أن أكثر من 40% من النزاعات الداخلية حول العالم في العقدين الأخيرين ارتبطت بشكل مباشر بالتوترات المتعلقة بالأقليات، وفي استطلاع لمؤسسة "Pew" عام 2023، قال 64% من المسلمين في أوروبا إنهم شعروا بالتمييز بسبب دينهم خلال السنوات الخمس الماضية.

وفي تقرير آخر صادر عن مفوضية الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان في عام 2024، فإن الأقليات العرقية والدينية غالبًا ما تُحرم من حقوق أساسية مثل المساواة في الحصول على التعليم، والرعاية الصحية، والفرص الاقتصادية.

التقرير يشير إلى أن التمييز الهيكلي متجذر في العديد من الأنظمة القانونية والمؤسسية حول العالم، على سبيل المثال، وثقت منظمة العفو الدولية في تقريرها السنوي لعام 2024/ 2025 استمرار الاضطهاد الممنهج لأقلية الروهينغا المسلمة في ميانمار، حيث لا يزال مئات الآلاف يعيشون في مخيمات لاجئين في ظروف إنسانية قاسية، مع حرمانهم من الجنسية وحقوقهم الأساسية. هذا يمثل نموذجًا صارخًا للإبادة الجماعية البطيئة، حيث تُستخدم المعاناة لكسر إرادة شعب.

ففي الهند يواجه المسلمون والمسيحيون وغيرهم من الأقليات الدينية تصاعدًا في التمييز والعنف من قبل مجموعات قومية هندوسية متشددة، خاصة في السنوات الأخيرة. هذا يشمل التضييق على حرية العبادة، والعنف بدافع الكراهية، والتهميش الاقتصادي.

وفي الصين تشير تقارير دولية متعددة إلى الانتهاكات الجسيمة لحقوق أقلية الإيغور المسلمة في إقليم شينجيانغ، بما في ذلك الاحتجاز الجماعي في "معسكرات إعادة التعليم" القسري، والمراقبة المكثفة، والقمع الثقافي والديني.

إرث التعددية مهدَّد

وفي الدول العربية، فتشير إحصاءات صادرة عن “منظمة العفو الدولية” (2023) إلى أن 1 من كل 3 أفراد ينتمي إلى أقلية عرقية أو دينية تعرّض لشكل من أشكال التمييز أو خطاب الكراهية.

في العراق، أدت هجمات تنظيم “داعش” منذ 2014 إلى تهجير عشرات الآلاف من المسيحيين واليزيديين، مع توثيق حالات قتل جماعي واغتصاب وخطف، واليوم يُقدَّر عدد المسيحيين في العراق بأقل من 250 ألفًا، مقابل 1.5 مليون قبل 2003، بحسب تقديرات “مجلس كنائس الشرق الأوسط”.

أما الأمازيغ في شمال إفريقيا، فرغم الاعتراف الجزئي بلغتهم في بعض الدول، يؤكد تقرير “منظمة مراسلون بلا حدود” (2023) استمرار التضييق على الإعلام الأمازيغي ونشطاء الدفاع عن حقوقهم الثقافية.

الديمقراطية تواجه اختبارات صعبة

في أوروبا، أظهرت دراسة للمفوضية الأوروبية (2023) أن المسلمين واليهود يتعرضون لمعدلات تمييز أعلى بثلاث مرات من المتوسط العام، ارتفعت أيضًا حوادث الكراهية ضد الآسيويين في الولايات المتحدة بنسبة 339% بين 2020 و2021 وفق مركز دراسات الكراهية في جامعة كاليفورنيا.

وحذر تقرير “العفو الدولية” لعام 2023 من تزايد خطاب الكراهية ضد اللاجئين والأقليات العرقية في الخطاب السياسي الأوروبي، مع صعود أحزاب اليمين المتطرف التي تستخدم هذا الخطاب كورقة انتخابية.

وتتجاوز معاناة الأقليات حدّ العنف الجسدي لتطول مجالات التعليم والعمل، ففي الشرق الأوسط، كثير من المدارس لا تُدرّس تاريخ الأقليات أو ثقافاتهم، ما يعمق جهل الأجيال الجديدة ويزيد العزلة، أما في أوروبا، فكشفت دراسة لمؤسسة Open Society (2023) أن الشباب المسلم يواجهون صعوبات مضاعفة لدخول سوق العمل، حتى مع مؤهلات مماثلة للغالبية.

قصص من الميدان

في تقرير استقصائي لقناة “الجزيرة” (2022)، روى مسيحي عراقي نازح أن عائلته فقدت منزلها في الموصل بعد استيلاء جماعات مسلحة عليه، دون قدرة على استعادته قانونيًا.

وفي فرنسا، تعرضت فتاة مسلمة للطرد من مدرستها بسبب ارتدائها “عباءة” رغم أنها لم تخالف قواعد الزي الرسمي، ما أثار جدلاً واسعًا حول حرية المعتقد.

وفي المغرب، نظم نشطاء أمازيغ احتجاجات سلمية للمطالبة باستخدام الأمازيغية في الإدارات العامة، لكن بعضهم واجه استدعاءات أمنية.

خطاب الكراهية كسلاح سياسي

أجمع تقرير “هيومن رايتس ووتش” (2023) وتقارير الأمم المتحدة على أن خطاب الكراهية ضد الأقليات غالبًا ما يُستغل سياسيًا لتوجيه الرأي العام أو لصرف الانتباه عن الأزمات الاقتصادية والاجتماعية، هذا الأمر يتكرر في سياقات مختلفة: من اتهام اللاجئين بتهديد الهوية الوطنية في أوروبا، إلى استخدام الطائفية في الصراع السياسي في الشرق الأوسط.

واعتمدت الأمم المتحدة في 2019 خطة عمل “استراتيجيات مكافحة خطاب الكراهية”، داعية الحكومات لإصلاح المناهج وتحديث القوانين الجنائية لتجريم التمييز وخطاب الكراهية، والاتحاد الأوروبي بدوره أطلق “استراتيجية لمكافحة معاداة السامية” للفترة 2021–2030، تتضمن تمويل مشروعات تعليمية ورقابية.

أما في المغرب فأُدرجت الأمازيغية كلغة رسمية بالدستور منذ 2011، وفي مصر أُقرّ قانون لتسهيل إجراءات بناء الكنائس عام 2016.

مطالب حقوقية

رغم هذه الجهود، يقول خبراء حقوقيون إن التغيير يحتاج إلى أكثر من قوانين: بناء ثقافة قبول الآخر والتنوع عبر التعليم والإعلام، فلا يمكن الاكتفاء بحظر التمييز قانونيًا دون إصلاح السياسات التربوية والبرامج الإعلامية التي تغذي الصور النمطية.

وتدعو منظمات حقوقية مثل “العفو الدولية” و”هيومن رايتس ووتش” إلى إشراك ممثلي الأقليات في صناعة القرار، والتأكد أن أصواتهم مسموعة في البرلمانات والمجالس المحلية.

التمييز ضد الأقليات العرقية والدينية ليس ظاهرة تخص الشرق أو الغرب وحدهما، بل هو تحدٍّ عالمي يكشف هشاشة قيم المساواة والتعددية أمام النزاعات والمصالح السياسية.



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية