"المرأة الحديدية".. وزيرة الداخلية البريطانية تسعى لإصلاح نظام الهجرة
"المرأة الحديدية".. وزيرة الداخلية البريطانية تسعى لإصلاح نظام الهجرة
تُثير الإجراءات الجديدة التي أعلنت عنها وزيرة الداخلية البريطانية شبانة محمود، بعد 73 يوماً فقط من توليها منصبها، جدلاً واسعاً نظراً لكونها أوسع إصلاحات لمكافحة الهجرة غير النظامية منذ الحرب العالمية الثانية، بحسب ما ذكرت شبكة "سكاي نيوز" البريطانية، اليوم الثلاثاء.
وتعكس هذه الخطوة رؤية سياسية تعتبر أن النظام الحالي “معطوب”، وأن الهجرة غير الشرعية “تمزق بريطانيا”، في ظل أرقام متزايدة لعبور القنال الإنجليزي وتراجع الثقة الشعبية في قدرة الدولة على ضبط الحدود.
ويأتي هذا التحرك في لحظة سياسية شديدة الحساسية، بعدما أدت الإخفاقات المتراكمة لحكومات المحافظين والعمال إلى تغذية صعود حزب “الإصلاح” اليميني المتطرف، الذي يطالب بسياسات أكثر صرامة، ويضغط بقوة على الحكومة الحالية لاعتماد نهج أمني حاد.
نظام لجوء مأزوم
أكدت الوزيرة محمود في مقابلة مع “سكاي نيوز”، أن المشكلة ليست “فبركة إعلامية” أو “خطاباً يمينياً متطرفاً”، بل أزمة حقيقية داخل النظام نفسه.
وترفض الوزيرة اتهامات مسايرة خطاب اليمين المتطرف، معتبرة أن وظيفتها “ابتكار حل فعّال ينسجم مع قيم حزب العمال ومع وعود الحكومة”، وأنها تسعى لخلق سياسة ترد على غضب الناس من واقع ملموس لا يمكن تجاهله.
ويُظهر البيان الرسمي لمكتبها أن طلبات اللجوء ارتفعت بنسبة 18% خلال عام واحد في بريطانيا، بينما انخفضت بمعدل 13% في دول الاتحاد الأوروبي.
وتُحذّر الوزيرة من أن شروط اللجوء السخية السابقة جعلت بريطانيا “تذكرة ذهبية” لطالبي اللجوء، ما يتطلب إصلاحات جذرية في آليات قبول الطلبات ومراقبة الحدود.
"امرأة حديدية" جديدة؟
تسعى وزارة الداخلية لتقديم الوزيرة محمود بوصفها “المرأة الحديدية” الجديدة في السياسة البريطانية، ما يذكّر بصورة مارجريت تاتشر من حيث الحزم والوضوح.
وتعتبر محمود أن اللحظة الراهنة هي “الفرصة الأخيرة” للسياسات المعتدلة قبل أن تكتسب التيارات المتطرفة قوة أكبر، وهو تحذير وصفته “سكاي نيوز” بأنه “قاتم” وموجّه بالأساس إلى الجناح اليساري داخل حزب العمال.
ويردّ المحافظون وحزب “الإصلاح” باتهامات تشير إلى أنهما لا يثقان في قدرة الحكومة العمالية على تنفيذ هذه الوعود، متهمين إدارة الحدود بالانهيار.
ويعكس هذا الاشتباك السياسي تنافساً حاداً على ملف الهجرة، الذي بات أحد أهم محركات الرأي العام البريطاني.
اتهامات حقوقية وتحذيرات
تنتقد جمعيات حقوق الإنسان والمنظمات المعنية بشؤون اللاجئين الحزمة الجديدة من الإجراءات، معتبرة أنها “قاسية” وستُحوّل “اللاجئين الحقيقيين إلى كبش فداء”، دون توفير آليات دمج فعالة أو حلول آمنة لحق اللجوء.
وتُشير هذه الجهات إلى أن تشديد القوانين لا يردع شبكات التهريب، بل يدفع طالبي اللجوء إلى طرق أكثر خطراً.
وتُحذّر التقارير الحقوقية من أن السياسات التي تتعهد بها أحزاب اليمين — مثل ترحيل جميع الوافدين غير النظاميين والخروج من الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان — تهدد التوافق الدولي الذي تأسس عقب الحرب العالمية الثانية لحماية اللاجئين.
ويُنتظر أن يشتعل داخل حزب العمال خلاف واسع حول المسار الجديد، خاصة بين من يرون أن نجاح محمود يعني تبنّي نهج يميني بملابس يسارية.
صراع على الشارع السياسي
تستشهد الوزيرة محمود بتجربة الدنمارك، حيث اعتمدت حكومة يسار الوسط سياسة متشددة تجاه الهجرة، نجحت من خلالها في صد صعود اليمين المتطرف دون مغادرة معاهدات حقوق الإنسان.
وتُخطّط الوزارة لإطلاق مسارات “قانونية وآمنة” جديدة للهجرة، إلا أن تفاصيلها لم تُكشف بعد، وسط تشكيك المعارضة في قدرة الحكومة على تجاوز الانقسامات لتمريرها في البرلمان.
ويبدو أن أداء الوزيرة هذا الأسبوع يمهّد - وفق تحليل “سكاي نيوز” - لموقع قيادي داخل الحزب، في وقت تتخبط فيه الحكومة بسبب أزمات سياسية متسارعة.
ويُجمع مراقبون على أن نجاح محمود في خفض أعداد الوافدين سيُضعف المحافظين و"الإصلاح" معاً، ويُعيد رسم موازين القوى داخل المشهد السياسي البريطاني.
البعد الإنساني وسط الضجيج
يخشى حقوقيون من أن تتحول السياسات الجديدة إلى إجراءات عقابية لا تميز بين اللاجئ الفار من الحرب والباحث عن فرص اقتصادية.
ويُذكّرون بأن عبور القنال الإنجليزي في قوارب صغيرة ليس خياراً سهلاً أو رخيصاً، بل رحلة محفوفة بالموت، دفعت مئات الأسر ثمنها خلال السنوات الماضية.
ويُطالبون بريطانيا بالالتزام بمسؤولياتها التاريخية كدولة موقعة على اتفاقية جنيف، واحترام حق اللجوء وعدم استخدام “الردع القاسي” كحل رئيسي، لما له من آثار نفسية واجتماعية خطيرة على الأطفال والفئات الضعيفة من طالبي الحماية.











