بفارق صوت واحد.. الكونغرس الأمريكي يحرم الملايين حول العالم من المساعدات الإنسانية
بعد شهادة "فانس" الفاصلة
أقرّ مجلس الشيوخ الأمريكي، مساء الثلاثاء، تشريعًا مثيرًا للجدل يستعيد 9 مليارات دولار من التمويلات الفيدرالية، منها 8 مليارات للمساعدات الخارجية، و1.1 مليار لمؤسسة البث العام، وذلك بصوتٍ فاصل لنائب الرئيس الأمريكي جيه دي فانس، وهو ما اعتبرته جهات حقوقية وسياسية ضربة مباشرة لحقوق الإنسان، سواء في الداخل الأمريكي أو على مستوى الدعم الدولي للفئات الهشّة.
جاء تصويت فانس لكسر التعادل الحاد بين مؤيدين ومعارضين داخل مجلس الشيوخ، في خطوة وصفها كثيرون بأنها تُمكّن السلطة التنفيذية من تجاوز الرقابة الدستورية، وتمنح الرئيس ترامب أداة جديدة لإعادة تشكيل أولويات الإنفاق الفيدرالي وفق رؤيته الخاصة، ولو على حساب التزامات أمريكا الأخلاقية والإعلامية، وفقاً لتقرير نشرته "نيويورك تايمز"، مساء الثلاثاء.
وتُشير تقارير "أسوشييتد برس" إلى أن مشروع القانون المقرّر يقضي بإلغاء أكثر من 8 مليارات دولار من التمويل المخصّص لبرامج المساعدات الإنسانية الخارجية التي تستهدف مكافحة الجوع، ودعم الصحة والتعليم في البلدان النامية، بما في ذلك برامج حيوية تموّلها أمريكا مثل دعم تعليم الفتيات في أفغانستان ومكافحة المجاعة في القرن الإفريقي.
المعلومات وخدمات الطوارئ
وفي الداخل الأمريكي، فإن خفض 1.1 مليار دولار من مخصصات مؤسسة البث العام يعني فعليًا القضاء على أكثر من 1500 محطة تلفزيونية وإذاعية عامة، تعتمد عليها المجتمعات الريفية والقبلية لتلقّي المعلومات وخدمات الطوارئ، فوفق ما نقلته “نيويورك بوست” فإن بعض هذه المحطات يحصل على 80% من تمويله من الحكومة الفيدرالية.
وصرح السيناتور الجمهوري، مايك راوندز، رغم أنه دعم مشروع القانون، بأن القرار سيترك أثرًا بالغًا على المجتمعات الأشد فقرًا في البلاد، قائلًا: "هذه المحطات لا تملك خيارًا آخر.. إنها تنقل تحذيرات الطقس ومعلومات السلامة للسكان في أكثر مناطق أمريكا تهميشًا".
وجاء تمرير القانون بعد حالة استياء غير مسبوقة داخل مجلس الشيوخ، خصوصًا من أعضاء جمهوريين بارزين رفضوا ما اعتبروه "تفويضًا أعمى" من السلطة التشريعية للبيت الأبيض.
ووفقا لـ "واشنطن بوست" ، قالت رئيسة لجنة المخصصات، السيناتور سوزان كولينز، من ولاية مين، إن المشروع يعاني "مشكلة كبرى"، موضحةً: "لا أحد يعلم فعليًا ما هي البرامج التي ستُلغى، لأن البيت الأبيض لم يقدّم التفاصيل الضرورية كما جرت العادة".
توجيهات من البيت الأبيض
من جانبها، قالت السيناتور ليزا موركوفسكي، إن ما يجري "ليس تشريعًا، بل تنفيذٌ مباشرٌ لتوجيهات من البيت الأبيض"، مؤكدةً أن تمرير القرار دون شفافية يمثل تخلّيًا عن وظيفة الكونغرس الأساسية.
ويعد برنامج الرئيس الأمريكي السابق جورج بوش لمكافحة الإيدز في العالم (PEPFAR) كان من أبرز البرامج المهددة بالإلغاء، وبعد احتجاجات قوية من مشرعين ومنظمات دولية، تراجعت الإدارة جزئيًا عن خفض 400 مليون دولار من تمويل البرنامج، ورغم ذلك، حذّرت "مجلة تايم" من أن "الرسالة التي يرسلها القرار واضحة: القضايا الصحية الدولية لم تعد أولوية لدى واشنطن".
وتقول السيناتور الديمقراطية، باتي موراي، إن خفض التمويلات بهذا الشكل يُعرّض حياة ملايين الأشخاص للخطر، خصوصًا في المناطق التي تعاني من المجاعة، والنزاعات، والكوارث المناخية.
تعديل أولويات الإنفاق
وفي الوقت الذي مرّت فيه الإدارة بعملية قانونية تُعرف بمشروع "الإلغاءات"، وهي نادرة ولم تُستخدم منذ عهد بيل كلينتون، يُحذّر مراقبون من أن هذه السابقة قد تُصبح أداة بيد أي رئيس مقبل لتعديل أولويات الإنفاق دون العودة إلى الكونغرس.
وحذر السيناتور روجر ويكر، رغم تصويته لصالح المشروع، من تداعيات ذلك على توازن السلطات، قائلًا: "ما نفعله هنا هو التنازل الطوعي عن صلاحياتنا كمشرّعين، لصالح موظفي مكتب الميزانية في البيت الأبيض".
مع هذا القرار، يخسر الإعلام العام الأمريكي شريانًا رئيسيًا للتمويل، وهو ما يعني فعليًا تقليص مساحة التعبير المستقل والمجاني، خصوصًا في الولايات الأفقر، في الوقت نفسه، تتراجع الولايات المتحدة عن التزاماتها الأخلاقية تجاه ملايين الفقراء والمحرومين حول العالم.