ترحيلٌ قسري.. ألمانيا تطرد عشرات الأفغان رغم المخاوف الحقوقية

ترحيلٌ قسري.. ألمانيا تطرد عشرات الأفغان رغم المخاوف الحقوقية
عناصر من الشرطة الألمانية- أرشيف

في خطوة أثارت جدلًا واسعًا في الأوساط الحقوقية والسياسية، أعلنت الحكومة الألمانية، اليوم الجمعة، تنفيذ عملية ترحيل جماعي لـ81 مواطنًا أفغانيًا، جميعهم من الرجال الذين صدرت بحقهم أحكام جنائية في ألمانيا. 

وتُعدّ هذه الخطوة الثانية من نوعها منذ صيف 2024، بعد استئناف عمليات الترحيل إلى أفغانستان، الدولة التي تعيش أوضاعًا سياسية وأمنية مضطربة منذ استيلاء حركة طالبان على الحكم في أغسطس 2021، بحسب ما ذكرت وكالة "فرانس برس".

يأتي هذا التحرك في سياق تغيّر جذري في السياسات الألمانية تجاه ملف الهجرة واللجوء، وسط تصاعد نفوذ اليمين المتطرف، وتنامي المطالبات بترحيل من يوصفون بـ"الخطيرين" أو المدانين، حتى ولو إلى دول تُصنَّف دوليًا على أنها غير آمنة.

وفي المقابل، تتعالى الأصوات الحقوقية التي تعتبر هذه الإجراءات انتهاكًا صريحًا لمبدأ "عدم الإعادة القسرية" المنصوص عليه في الاتفاقيات الدولية لحقوق الإنسان، الذي يمنع ترحيل أي شخص إلى بلد قد يتعرض فيه للتعذيب أو المعاملة اللاإنسانية أو الاضطهاد.

ترحيل رغم المخاطر

كشفت وزارة الداخلية الألمانية في بيان رسمي أن عملية الترحيل نُفذت عبر طائرة خاصة انطلقت من الأراضي الألمانية باتجاه كابول، بالتنسيق مع دولة قطر التي قامت بدور الوساطة في إيصال المرحّلين إلى وجهتهم النهائية. 

وأكد البيان أن "المُبعدين جميعًا صدرت بحقهم أحكام جنائية وتم رفض طلبات لجوئهم أو سُحب منهم حق الإقامة".

وصرّح وزير الداخلية، المحافظ ألكسندر دوبرينت، قائلاً: "نحن نرسل رسالة واضحة بأن من يرتكب جرائم في ألمانيا، لا يمكنه أن يتوقع البقاء على أراضينا".

إلا أن هذه الرسالة الصارمة تصطدم بواقع معقد، فطالبان، التي تسيطر على أفغانستان منذ عام 2021، لا تزال غير معترف بها دبلوماسيًا من قبل ألمانيا، ما يُثير تساؤلات قانونية عن الكيفية التي يتم بها التنسيق بشأن إعادة الأفراد المرحلين، وعن الضمانات التي يمكن أن تحميهم من الاعتقال أو التعذيب أو الإعدام بمجرد وصولهم.

جدل قانوني وأخلاقي

تواجه عمليات الترحيل إلى أفغانستان انتقادات واسعة من المنظمات الإنسانية والحقوقية. إذ تؤكد منظمة العفو الدولية، في تقرير نشرته في يونيو 2025، أن "الأوضاع في أفغانستان لا تزال غير مستقرة، مع استمرار الممارسات القمعية والانتهاكات ضد المعارضين والنساء والأقليات الدينية والعرقية".

وتضيف المنظمة أن "ترحيل الأفراد إلى مثل هذا البلد، حتى وإن صدرت بحقهم أحكام قضائية، يجب أن يخضع لتقييم فردي دقيق يراعي خطر التعرض لسوء المعاملة".

ودعت مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين إلى احترام مبدأ عدم الإعادة القسرية، وشددت على ضرورة الالتزام بالقانون الدولي الإنساني في كل إجراءات الترحيل، خاصة عندما تكون الدولة المستقبلة غير آمنة.

تحولات خلف القرار

يتزامن القرار الألماني مع تغيّرات داخلية تقودها حكومة المستشار فريدريش ميترس، التي تسلمت السلطة في مايو 2025 بدعم من تحالف محافظين ويمين وسط. 

وتعهدت الحكومة الجديدة بمراجعة شاملة لسياسات اللجوء والهجرة، لا سيما بعد موجة جرائم أثارت الجدل في الإعلام الألماني ونُسبت إلى بعض طالبي اللجوء.

وكانت الحكومة السابقة برئاسة أولاف شولتس قد علقت ترحيل الأفغان بعد استيلاء طالبان على السلطة، مستندة إلى موقف قانوني وإنساني واضح بعدم التعامل مع نظام غير معترف به ولا يضمن حقوق الإنسان، لكن الانعطافة الحالية تعكس استجابة لضغط سياسي وشعبي من جهة، وتبدلات في التحالفات الأوروبية بشأن اللجوء من جهة أخرى.



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية