بين التهميش والمواجهة.. عنف السويداء يعمّق قلق الأقليات في سوريا
بين التهميش والمواجهة.. عنف السويداء يعمّق قلق الأقليات في سوريا
في محافظة ترتفع فيها القمم الصخرية وتتشابك فيها الهُويات، تعيش الطائفة الدرزية في السويداء أيّاماً عصيبة، بعدما اجتاحتها موجة عنف خلّفت أكثر من 1200 قتيلاً خلال أسبوع، معظمهم من أبناء الطائفة.
وأطلقت الدماء التي سالت في شوارع المدينة القديمة ناقوس خطر ليس للدروز وحدهم، بل لكل مكوّن سوري يخشى أن يُقصى أو يُحاصر في ظل ترتيبات ما بعد الأسد، بحسب ما ذكرت وكالة "فرانس برس"، اليوم الثلاثاء.
منذ اندلاع الاشتباكات في 13 يوليو بين مسلّحين محليين وآخرين من البدو، تحوّلت السويداء إلى ساحة مفتوحة على الاحتمالات الدموية، خصوصاً بعد تدخل قوات الحكومة الانتقالية وعناصر من العشائر إلى جانب البدو.
وتؤكد شهادات من المدنيين، ومراقبون كـ "المرصد السوري لحقوق الإنسان"، أن السكان وجدوا أنفسهم وسط نارٍ طائفية لم يشعلوها، لكنهم يدفعون ثمنها.
يقول أحد أبناء السويداء، رافضاً الكشف عن اسمه لدواعٍ أمنية: "نحن لسنا طرفاً في حرب، نحن فقط نطالب بكرامتنا، بألّا تُفرض علينا سلطات لا نثق بها، ولا تأتينا إلا بالعنف".
سيطرة على كامل البلاد
منذ الإطاحة بالرئيس بشار الأسد قبل سبعة أشهر، يحاول الرئيس الانتقالي أحمد الشرع بسط سيطرة مركزية على كامل البلاد، لكن طريق السلطة الانتقالية، كما يقول المحلل السياسي جمال منصور، يبدو مفروشاً بالصراع الطائفي.
وأضاف منصور، "ارتكبت السلطات خطأ فادحاً بمحاولة إخضاع السويداء بالقوة، مستندةً إلى دعم العشائر، لكنها فجّرت بذلك صراعاً يصعب احتواؤه".
وتابع: السويداء ليست وحدها، قبلها، كانت مجازر الساحل، التي أودت بحياة أكثر من 1400 علوي، بحسب لجنة التحقيق الوطنية، المسيحيون كذلك لم يسلموا، بعدما استهدفت كنيسة في دمشق بهجوم دموي.
"الرسالة التي تُفهم من هذه الأحداث، أن الأقليات أصبحت أوراق ضغط ومواقع صراع، لا شركاء في الوطن"، تقول الناشطة الحقوقية السورية رُلى العبدالله من بيروت.
إسرائيل تدخل على الخط
قد تبدو المفارقة لافتة، لكن ما إن بدأ القصف، حتى وجدت إسرائيل موطئ قدم لها، معلنة "دعمها لأمن الدروز"، وموجهة ضربات استهدفت القصر الرئاسي في دمشق ومواقع عسكرية في السويداء.
ورغم وقف إطلاق النار الذي رعته الولايات المتحدة، بقي التوتر سائداً، إذ لم تدخل القوات الحكومية مدينة السويداء نفسها حتى الآن، وبقيت الفصائل الدرزية متأهّبة، مدفوعةً بالرغبة في الدفاع عن النفس، لا الانفصال.
السويداء اليوم محاصرة فعلياً، ومعزولة سياسياً، فصائلها تفتقد قيادة موحدة، وهي مشتتة بين الولاءات، لكنها متفقة على أمر واحد وهو الرفض الكامل للخضوع، وكثيرون يرون أن ما حدث سيكون لحظة فاصلة في علاقة الدروز بالسلطة الجديدة، وربما بكيان الدولة ذاته.
"لقد فهمنا الرسالة: نكون معكم.. أو ضدكم"، يقول شيخ درزي من ريف المدينة، "لكننا نختار أن نكون لأنفسنا، حتى لو كلّفنا ذلك حياتنا".
الأكراد يراقبون الوضع
في الشمال، تتابع مكوّنات أخرى باهتمام بالغ ما يجري في الجنوب؛ الأكراد الذين تفاوضوا مع دمشق لدمج قواتهم ومؤسساتهم ضمن إدارة الدولة، باتوا متشككين أكثر من أي وقت مضى.
يقول المسؤول الكردي بدران جيا كورد إن ما حدث في السويداء يجب أن يكون "جرس إنذار"، داعياً إلى مراجعة شاملة لسياسات الدولة تجاه المكوّنات المختلفة.
ويضيف منصور: "كان يُطلب من الأكراد تقديم التنازلات، الآن صار الطرف الآخر هو من يُسأل: هل تريد شراكة وطنية... أم انتصاراً بالقوة؟".
صراع لا يجب أن يُنسى
بين الحصار والخوف، يحاول أهالي السويداء التقاط أنفاسهم، يجمعون أشلاء موتاهم، ويكفكفون دموعهم بصمت، في عيونهم سؤال واحد لم يُجب عليه منذ أكثر من عقد: هل نحن مواطنون.. أم أهداف؟
التاريخ السوري ملآن بجراح الأقليات.. لكن ما يحدث الآن ليس تكراراً، إنه، كما يقول المحلل الفرنسي فابريس بالانش، "فتحٌ لباب الطائفية على المجهول".