الزي الجامعي عربياً.. معضلة سنوية بين احترام قيم المجتمع والحريات الشخصية

الزي الجامعي عربياً.. معضلة سنوية بين احترام قيم المجتمع والحريات الشخصية

بين "احترام الحرم الجامعي" و"الحريات الشخصية" تقرع أزمة ملابس الطلاب الجامعيين أبواب معظم الدول العربية سنويا.

حالة من الشد والجذب وكثير من الجدل يثار بشأن ضوابط وشروط الزي الجامعي، عادة ما يواجه بغضب شديد من قبل الطلاب والدارسين بالجامعات العربية.

ومؤخرا، اشتعلت منصات التواصل الاجتماعي بالسودان، عقب إعلان إدارة جامعة كسلا (شرق) عن ما سمته بـ"ضوابط تنظيم السلوك والمظهر العام للطلاب". 

وحظرت الجامعة ارتداء الـ"تي شيرت" على جميع الطلاب، وما وصفته بـ"الاختلاط غير اللائق" و"الخلوة غير الشرعية"، كما ألزمت الفتيات بتغطية الرأس وكامل البدن بزي غير ضيق ولا شفاف، مع عدم الإفراط في التزين أو وضع مساحيق التجميل.

وأثار الإعلان جدلا واسعا وحالة غضب بين الطلاب، معتبرين إياه "مظهرا لسيطرة التيارات الإسلامية على الجامعات السودانية".

وقال رواد منصات التواصل الاجتماعي بالسودان، إنه في الوقت الذي يناضل فيه الشعب من أجل الحرية والعدالة ضد السلطة العسكرية لاستعادة المسار الديمقراطي، يطل الإسلاميون برأسهم في فضاءات أخرى، بحثا عن استعادة جزء من سيطرتهم السابقة على المجتمع". 

ونقلت وسائل إعلام محلية عن مسؤولين بجامعة كسلا، قولهم إن "هذه الضوابط ليست جديدة، ومعمول بها منذ 25 عامًا، ولا علاقة لها بالتيارات الإسلامية".

اتهامات مبطنة

من جانبها، قالت سمر الزين، طالبة بكلية علوم الحاسوب وتقانة المعلومات بجامعة كسلا، إن المجتمع السوداني يعاني من إصرار الإسلاميين على فرض الوصاية في جميع المواقع.

وأضافت سمر لـ"جسور بوست": "لماذا علقت الجامعة تلك اللافتة في هذا التوقيت؟ هل يريد الإسلاميون العودة مرة أخرى بعد إسقاط نظام عمر البشير؟".

وأوضحت: "الحديث عن منع الاختلاط أو الخلوة غير الشرعية، يعد اتهاما مبطنا لجميع طلاب الجامعة، وتستخدمها إدارة الجامعة لتبرير تلك القرارات القمعية".

وتابعت: "معظم أبناء الشعب السوداني يحترمون الأخلاق العامة، والطلاب يحافظون على ارتداء زي مناسب للحرم الجامعي، لكن تلك القرارات تسيء للطلاب وتنتهك حرياتهم الشخصية".

بدورها قالت الناشطة النسوية السودانية نسرين حيدر لـ"جسور بوست"، إن قرارات الجامعات التي تضع شروطا على ملابس الطلاب غير دستورية، وتتنافى مع مبدأ احترام الحرية الشخصية.

 وأضافت “حيدر”، أن "قرار جامعة كسلا يستند إلى أعراف وقوانين قديمة وضعها نظام الرئيس السابق عمر البشير، للسيطرة على المجتمع بحجة الحفاظ على الدين والأخلاق".

وأوضحت: "الحكومة السودانية التي جاءت عقب الثورة (ديسمبر 2018) ألغت قانون (النظام العام)، الذي كان يستخدمه الإسلاميون في مطاردة النساء في الشوارع بسبب ملابسهن، بزعم مخالفة الدين وأخلاق المجتمع". 

واستطردت: "المجتمع السوداني الآن يخوض معركة كبيرة لاستعادة حقوقه وحريته، بينما تريد بعض المؤسسات إعادتنا إلى الوراء طمعًا في استعادة مجد الماضي". 

وأضافت: "ليس عندي شك في أن السودان سينتصر في معركته لنيل حرية كاملة غير منقوصة، وأن ذلك سيكون قريبًا، وقتها سنؤسس لدولة تحافظ على الحقوق والحريات".

دول أخرى

في مصر تتجدد حالة الجدل كل عام، إذ وقع أحدثها في منتصف عام 2021 حيال طالبة بجامعة طنطا أثناء اختبارات نهاية العام، حيث لاقت انتقادات لاذعة بسبب ارتدائها فستانا، في واقعة حظيت بانتشار واسع عبر وسائل الإعلام ومنصات التواصل الاجتماعي وعرفت باسم "فتاة الفستان". 

ورغم عدم وجود تشريع ينظم الزي داخل الجامعات، غير أن معظم الجامعات الحكومية والخاصة تؤكد استقلاليتها وحقها في اتخاذ القرارات التنظيمية التي تساهم في ضبط الأمور داخل الحرم الجامعي. 

فيما عرفت إحدى أبرز الوقائع باسم "معركة الشورت (سروال قصير) والفيزون (خامة مطاطة)" في عام 2013، إذ بدأت في الجامعات الحكومية ثم انتقلت إلى الجامعات الخاصة، لحظر ارتداء الطلاب لهذه الملابس.

وفرضت بعض الجامعات قرارا بمنع دخول الطلاب الذين يرتدون السراويل الممزقة أو الذكور ذوي الشعر الطويل، ما أثار انتقادات حقوقية واسعة بشأن الاعتداء على الحريات الشخصية. 

السعودية

مع بداية العام الدراسي الحالي، أصدرت جامعتا جدة والقصيم، بيانات بشأن "ارتداء الزي المخالف داخل الحرم الجامعي".

وقالت جامعة جدة، في بيان، ردا على انتقادات لها عبر منصات التواصل، إن "ضوابط ارتداء الزي المحتشم ومنع لبس البنطال، تأتي ضمن توجيهات وزارية بأن يكون زي الطلاب غير خادش للحياء والذوق العام ويعبر عن آداب وسلوكيات المجتمع السعودي". 

وتتضمن شروط وضوابط الجامعات السعودية لزي طلابها، أن "تكون التنورة سوداء طويلة وفضفاضة، ويحظر ارتداء السراويل، مع التزام جميع الطالبات بالحجاب الشرعي، وعدم التشبه بغير المسلمين". 

الكويت

بالشروط والضوابط ذاتها أعلنت جامعة الكويت، قائمة بـ"الزي الجامعي" تتضمن حظر ارتداء الملابس الشفافة والقصيرة، والتي تحمل عبارات غير لائقة، أو بدون أكمام بالنسبة للطالبات. 

أما بالنسبة للطلاب فتتضمن قائمة المحظورات "الشورت" و"السلاسل والأقراط"، وهو الأمر الذي اعتبره عدد من الطلاب والطالبات محاولة لفرض الوصاية عليهم.

فرض وصاية

بدوره، قال المحامي الحقوقي المصري محمود عبدالجواد، لـ"جسور بوست"، إن جميع الدساتير العربية تنص على احترام الحريات الشخصية للمواطنين، لكن الممارسات على أرض الواقع تخالف تلك النصوص.

وأضاف عبدالجواد أن من بين هذه الممارسات هي محاولات الجامعات العربية المختلفة فرض وصاية على زي الطلاب، وإجبارهم على ارتداء ملابس معينة.

وأوضح أن "أزمة الزي الجامعي تكشف حال التعليم والبحث العلمي في الدول العربية، الجامعات لا تنشغل بتحقيق التقدم العلمي بقدر انشغالها بأزياء الطلاب".

وأكد أن "الدول الغربية استطاعت تجاوز تلك الأزمات للتفرغ إلى تحقيق طفرة علمية حقيقية، بينما ما زلنا نحن نراوح مكاننا في دوامة من المشكلات التي صارت من البديهيات". 

وأضاف: "من الأفضل أن تنتبه إدارات الجامعات إلى مهامها الحقيقية، التي تتعلق بتقديم خدمة تعليمية مميزة وتشجع طلابها على البحث العلمي وتضمن لهم حرية كاملة للفكر والبحث والدراسة".

ومضى موضحا: "السيطرة على الطلاب وفرض الوصاية عليهم والتدخل في حرياتهم الشخصية مسائل ليست من مهام الجامعة، ولا تحق لها".

واختتم حديثه، قائلا: "تسويق الحجج بحماية أخلاق وقيم ومبادئ المجتمع، تأتي لتبرير السلطوية والسيطرة على الطلاب الجامعيين، خاصة وأن الطالب المقهور لا يمكن أن ينتج فكرًا حرًا".



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية