كارثة تسارع الخطى.. المجاعة تحاصر أطفال السودان وسط أنين الحرب

كارثة تسارع الخطى.. المجاعة تحاصر أطفال السودان وسط أنين الحرب
المجاعة تحاصر أطفال السودان- أرشيف

تتسارع خطوات الكارثة في السودان، حيث يواصل النزاع المسلح بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع تمزيق البلاد، بينما ينهار الاقتصاد وتختفي مقومات الحياة الأساسية. 

وتتحول المجاعة من خطر محتمل إلى واقع مفزع، وتجتاح المدن والقرى، خصوصاً في العاصمة الخرطوم ومدينة الفاشر المحاصرة، وسط صمت دولي وعجز أممي عن احتواء الأزمة، بحسب ما ذكرت صحيفة “سودان تريبيون”، اليوم الأربعاء .

ويعاني ملايين السودانيين من الجوع، بينما يموت الأطفال من سوء التغذية والمرض أمام أنظار العالم. ومع كل يوم جديد، تتقلص فرص النجاة في بلد يتآكله الجوع، والخوف، والخراب.

أطفال "جلد على عظم"

أكدت الأمم المتحدة، في تقرير حديث، أن الأطفال في الخرطوم يعانون من الجوع بدرجة مخيفة، وصفتهم المنظمة بأنهم أصبحوا "جلدًا على عظم"، نتيجة سوء التغذية الحاد، مع استمرار الحصار وغياب المساعدات الإنسانية.

وفقدت آلاف العائلات في العاصمة وسائلها الأساسية للبقاء، بعد أن انهارت شبكات الإمداد، وأُغلقت الأسواق، وتوقفت المساعدات، وبات الغذاء نادراً، والمياه الصالحة للشرب غير متوفرة، والخدمات الصحية شبه معدومة.

وفرضت قوات الدعم السريع، منذ مايو 2024، حصاراً خانقاً على مدينة الفاشر في شمال دارفور، وهي آخر عاصمة إقليمية تسيطر عليها الحكومة، ومنعت القوات دخول الغذاء والدواء والوقود إلى المدينة، ما جعل الأوضاع الإنسانية فيها كارثية.

وارتفعت أسعار السلع بشكل غير مسبوق، وخلت الأسواق من المواد الأساسية، وأغلقت معظم المطابخ المجتمعية، بينما أعلن برنامج الأغذية العالمي أن الفاشر تواجه خطر المجاعة الحتمي.

العائلات تأكل الأعلاف والنفايات

دفعت شدة المجاعة العديد من العائلات إلى استهلاك الأعلاف، أو أوراق الشجر، وحتى النفايات، للبقاء على قيد الحياة، وأفادت منظمات إنسانية بأن بعض الأطفال يُنقلون إلى المستشفيات بحالات إعياء حادة، ناجمة عن تناول مواد غير صالحة للأكل.

وفي محيط المدينة، وخصوصاً في مخيمات النازحين، أُعلنت المجاعة منذ العام الماضي، لكن الوضع تفاقم في الأسابيع الأخيرة نتيجة انقطاع شبه كامل للمساعدات وعدم قدرة المنظمات الإنسانية على الوصول.

وسجل برنامج الأغذية العالمي نسباً مقلقة في معدلات سوء التغذية بين الأطفال في السودان، ويعاني نحو 40% من الأطفال دون سن الخامسة من سوء تغذية حاد، و11% يعانون من نقص تغذية شديد، وهو ما يضعهم في خطر الموت في حال عدم تدخل فوري.

ويفقد الأطفال أوزانهم بسرعة، وتبدأ أجسادهم بالضعف، بينما يعجز الأهالي عن توفير الحليب أو العلاج أو الغذاء، ولا يتوفر شيء تقريباً في المناطق المحاصرة، ولا يصل أحدٌ لمساعدتهم.

منع المساعدات واستهداف المدنيين

اتهمت الأمم المتحدة، طرفي النزاع -الجيش السوداني وقوات الدعم السريع- بارتكاب انتهاكات جسيمة ضد المدنيين، ومنع دخول المساعدات، واستخدام التجويع كسلاح في الحرب.

وأكدت أن المدنيين يُستهدفون عشوائياً، والمستشفيات تُقصف، والممرات الإنسانية تُغلق، ما يجعل وصول أي دعم أمرًا في غاية الصعوبة، بينما يموت الأطفال من الجوع، والمرض، وأحياناً من الرصاص.

وأشارت منظمة اليونيسف إلى أن السودان يشهد أسوأ أزمة إنسانية في العالم حالياً، حيث يعاني نحو 25 مليون شخص من انعدام الأمن الغذائي، ما يُنذر بمجاعة واسعة النطاق ستخلف مئات الآلاف من الضحايا في حال استمرار النزاع وانعدام الدعم الدولي.

يتآكل الوقت، وتخنق المجاعة المدن، بينما تنهار القدرة على التحمل، وفي ظل التراجع الكامل للمنظومة الصحية، وغياب الأمن، وانهيار الاقتصاد، تتجه البلاد إلى كارثة قد تصبح إحدى أسوأ المجاعات في التاريخ الحديث.

السودان يطلب الحياة

لم تعد الأزمة في السودان مجرد عناوين إخبارية، بل أصبحت معاناة إنسانية حقيقية يعيشها الملايين يومياً، فالأطفال يموتون، والأمهات ينهارن، والآباء يُدفنون مع أطفالهم تحت ركام الجوع والعنف.

يتطلب الوضع تدخلاً إنسانياً عاجلاً، دون شروط سياسية أو حسابات عسكرية، لأن كل دقيقة تأخير تعني مزيدًا من الجثث، ومزيدًا من القبور المفتوحة في بلد يموت فيه الناس لا لشيء سوى أنهم ما زالوا أحياء.



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية