بتهمة "دعم الإرهاب".. متضامنات مع غزة يواجهن قمع التعبير في بريطانيا
بتهمة "دعم الإرهاب".. متضامنات مع غزة يواجهن قمع التعبير في بريطانيا
لم تكن مارجي مانسفيلد، المرأة البريطانية المتقاعدة والجدّة لسبعة أحفاد، تتخيّل أن تُصنّف يومًا ضمن قائمة "الداعمين للإرهاب"، ففي بلد يُفترض أنه يحتفي بحرية التعبير، وجدت نفسها مرفوعة الأذرع من قِبل رجال الشرطة، بتهمة لم تتصورها قط: التظاهر ضد قرار حكومي بحظر منظمة تُناصر الشعب الفلسطيني.
مارجي، البالغة 68 عامًا، ليست وحدها؛ إلى جانبها وُضعت تحت المراقبة القضائية طبيبة توليد في منتصف العمر وطالبة جامعية في مقتبل شبابها، فقط لأنهن عبرن عن تضامنهن مع غزة، واحتججن على إدراج منظمة "فلسطين أكشن" ضمن قائمة المنظمات الإرهابية في بريطانيا، بحسب ما ذكرت وكالة "فرانس برس"، اليوم الخميس.
"أنا لست إرهابية، بل جدّة تؤمن بالعدالة"، هكذا تقول مانسفيلد، التي أمضت أكثر من 12 ساعة في الحجز، قبل أن تُجبر على الخضوع لشروط صارمة تمنعها من التظاهر أو حتى دخول وسط لندن، "لم أعد أستطيع أخذ أحفادي إلى متحف التاريخ الطبيعي"، تقول بأسى.
حظر "فلسطين أكشن"
لقد شكّل قرار وزارة الداخلية البريطانية بحظر منظمة "فلسطين أكشن"، التي أُنشئت عام 2020 وتعرف بأعمالها المباشرة ضد شركات مرتبطة بتصدير السلاح إلى إسرائيل، صدمة للعديد من البريطانيين.
وجاء القرار بعد اقتحام نشطاء تابعين للحركة لقاعدة جوية ورشّ طلاء أحمر على طائرتين، ما أدى إلى أضرار مادية كبيرة، لكنه لم يسفر عن إصابات.
ورغم أن الأمم المتحدة اعتبرت الحظر "غير متناسب"، فإن الحكومة البريطانية تمسكت به، مهددة كل من يُبدي دعماً علنياً للمنظمة بعقوبة قد تصل إلى 14 عاماً سجنًا.
أمام هذا الواقع، قررت مانسفيلد أن تكسر صمتها.. فحرب غزة، وما خلّفته من دمار لأحياء بأكملها ومدارس مدمرة وأطفال مشرّدين، حركت شيئًا في وجدانها.. "كنت مذعورة قبل المشاركة في التظاهرة، لكنني شعرت أن السكوت لم يعد خيارًا"، تقول.
ختمت مانسفيلد حديثها، بالقول: "نحن مجرد أشخاص عاديين.. نريد أن نُبقي ضمائرنا حيّة، في عالم يصمت فيه الكثيرون".
أوقفوا خلال الاحتجاجات
إلى جانبها، كانت الطبيبة أليس كلاك، (49 عامًا)، التي سبق أن تعاونت مع منظمة "أطباء بلا حدود"، واحدة من بين أكثر من 200 شخص أوقفوا خلال الاحتجاجات، تقول "كنت أرى مشاهد الأطفال الهزيلين في غزة ولا أستطيع أن أبقى مكتوفة الأيدي".
ورغم أنها قد تخسر رخصة مزاولة المهنة في حال وُجه إليها الاتهام رسميًا، لم تشعر بأي ندم.. حيث تقول "أعرف أنني تصرّفت بضمير".
تؤكد الطبيبة أن الاعتقال كان صعبًا نفسيًا وجسديًا. "كنت على وشك البكاء، لكنني تماسكت.. كنت أفكر فقط في الأطفال هناك، أولئك الذين لا صوت لهم".
رفع الصوت ضد الظلم
أما زهرة علي، الطالبة في السنة الأولى من دراسة التاريخ، فلم تكن ناشطة قبل هذا الحدث، لكنها وجدت نفسها، بعمر الـ18، داخل مركز شرطة، قيد التحقيق، فقط لأنها رفعت صوتها ضد ما تعتبره "ظلمًا حكوميًا".
زهرة قالت بصوت هادئ: "ليست لدي تجربة سابقة، لكنني شعرت أن السكوت لم يعد مقبولًا.. إذا كانت امرأة في الثالثة والثمانين من عمرها قادرة على الوقوف، فكيف لا أكون أنا كذلك؟".
تجارب النساء الثلاث تفتح باباً واسعاً للسؤال عن حدود حرية التعبير في بلد يدّعي احترام الحريات.. هل أصبحت المشاركة في وقفة سلمية أو التعبير عن موقف سياسي جريمة؟ وهل بات التضامن مع ضحايا الحروب والأطفال الجوعى في غزة يُعتبر تهديداً أمنياً؟