من القوانين إلى التطبيق.. كيف يواجه النظام الدولي موجة العنف ضد النساء؟

من القوانين إلى التطبيق.. كيف يواجه النظام الدولي موجة العنف ضد النساء؟
احتجاجات ضد انتهاكات حقوق المرأة والعنف ضد النساء

تنعقد الدورة السادسة عشرة للمؤتمر الإقليمي للمرأة في أمريكا اللاتينية ومنطقة البحر الكاريبي في مكسيكو سيتي في فترةٍ تعتبر حاسمة حيث يطرح السجل الأمني والاجتماعي للمنطقة سؤالاً واحداً.. هل تحوّلت الالتزامات السياسية إلى حماية فعلية للنساء؟.

المشهد الحالي يجيب بلا؛ فمعدلات القتل على أساس النوع الاجتماعي ما زالت مرتفعة، وأعمال الرعاية لا تزال في المقام الأول على عاتق النساء، ودفاعات الحقوق تُقيَّد وتتعرض المدافعات لأخطار متزايدة. 

يُنظر إلى المؤتمر الإقليمي كمحطة لتوحيد مواقف الدول وصياغة آليات رقابة تنفيذية لالتزامات سابقة، منظمات حقوقية مثل منظمة العفو ترى في الاجتماع فرصة لفرض التزامات ملزمة بإجراءات عاجلة ورصد رقمي فعال لحماية النساء والفتيات من العنف.

كما تؤكد أن الأصوات النسوية والنقابية ينبغي أن تكون في صدارة صياغة الحلول وليس مجرد طرف استشاري. 

القتل وفقدان الحماية

تبيّن بيانات مرصد المساواة أن 3,897 امرأة قُتلن في 2023 في 27 دولة وإقليماً بالمنطقة، ما يعني قرابة 11 حالة قتل يومياً ذات دوافع جنسانية، وهذا الرقم لا يعكس بالضرورة كل الحالات بسبب تفاوت تعريفات الدول والقصور في الإبلاغ، لكنه يضع المنطقة في قلب أزمة قتل النساء التي تتطلب استجابة عاجلة. 

الفوارق في الأعمال غير المدفوعة باتت جزءاً من الانتهاكات اليومية حيث تظهر دراسات إقليمية أن النساء يقضين ما معدله 38 ساعة أسبوعياً في أعمال الرعاية غير المدفوعة مقابل 16 ساعة للرجال، وهو فرق يعمّق تبعية المرأة اقتصادياً ويحدّ من فرصها في سوق العمل ويضاعف هشاشة النساء المعرضات للعنف. 

المدافعات عن حقوق المرأة

العنف لا يقف عند حدود شرائح محددة للمرأة حيث تشير بيانات ترصد جرائم القتل ضد المتحولين جنسياً إلى أنّ المنطقة تسجّل أعلى نسب حالات القتل ضد الأشخاص المتحولين، ولا سيما النساء المتحولات، ما يبرز التداخل بين جنسيتهم والعرق والفقر كمحددات للخطر. هذا يستدعي شمول سياسات الحماية لتشمل كل فئات النساء.

المناخ المعادي للمجتمع المدني في عدة دول أدى إلى تضييق هامش العمل الحقوقي وعرّض المدافعات للاعتداء والانتقام القانوني والسياسي، وتحذر تقارير دولية من مشاريع قوانين وممارسات تقوّض قدرة المنظمات النسوية على التوثيق والمناصرة، ما يترك الضحايا بلا حاضنة مدنية أو مسارات ضغط فعّالة، وهذا الانكماش للمجال المدني يضعف قدرة المنطقة على بناء أنظمة رقابية ومساءلة فعالة. 

ولدى المنطقة أدوات قانونية مهمة تتمثل في اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة (سيداو) ومعاهدة بيلم دو بارا الإقليمية التي تجرّم العنف ضد المرأة وتلزم الدول باتخاذ تدابير وقائية وقضائية، لكن الفرق بين النص والواقع يكمن في التنفيذ فآليات المتابعة موجودة لكنها تحتاج إلى إرادة سياسية وتمويل لتقوية أنظمة الإبلاغ والعدالة الانتقالية وبرامج الحماية، وفق المفوضية السامية لحقوق الإنسان. 

الأثر الصحي والسكاني

تُظهر بيانات صندوق الأمم المتحدة للسكان أن المنطقة تواجه معدلات ولادة مراهقات مرتفعة، مرتبطة بعنف جنسي وافتقار لخدمات الصحة الجنسية والإنجابية والتعليم الجنسي الشامل، وغياب هذه الخدمات يزيد من هشاشة الفتيات ويقفل أمامهن أبواب العمل والاستقلال المعيشي، ما يعيد إنتاج دائرة الفقر والعنف. 

وبحسب منظمة العفو الدولية فإن المواجهة الناجحة للعنـف القائم على النوع تتطلب تحوّلاً ذا شقين أولهما إجراءات فورية لحماية الضحايا ومعاقبة الجناة، وإصلاحات هيكلية طويلة المدى لمعالجة انعدام المساواة الاقتصادية والاجتماعية وثانيهما اقتراحات عملية موجزة تشمل تعزيز آليات الإبلاغ والإنصاف القضائي وتدريب وحدات شرطة متخصّصة بحماية النساء والمدافعات، مع ضمان سرية وحماية المبلّغات، واعتماد سياسات رعاية عامة تمولها دولياً وإقليمياً لتقليص العبء غير المدفوع على النساء وتمكينهن اقتصادياً، وتوسيع خدمات الصحة الجنسية والإنجابية والتعليم الجنسي الشامل لمنع الحمل المبكر وعلاج آثار العنف، وحماية المساحات المدنية ورفع القيود التشريعية التي تقوّض عمل المنظمات النسوية وحقوق الإنسان، إلى جانب آليات دعم لمدافعات حقوق الإنسان تتعرضن للتهديد، وتفعيل آليات إقليمية لرصد تنفيذ اتفاقيات مثل بيلم دو بارا وربط التمويل بحصائل ملموسة في حماية النساء. 

ويؤكد مراقبون حقوقيون أن الكلمات السياسية والتزامات المعاهدات لن تحمي النساء ما لم تُترجم إلى قواعد تنفيذية ورقابية وموازنات تصبّ في خدمات الحماية والرعاية وتمكين المرأة اقتصادياً، لافتين إلى أن المؤتمر الإقليمي في مكسيكو فرصة ضرورية لإعادة ترتيب الأولويات وتحويل الالتزامات إلى برامج ملموسة، كما قالت منظمات حقوقية إنها لحظة حاسمة يجب أن تُعطى فيها أصوات النساء المدافعات الأولوية في وضع الحلول، وإلا ستبقى الأرقام الدامية شاهدة على فشل سياسات استمرت عقوداً دون محاسبة حقيقية. 



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية