بلوشستان معزولة عن العالم.. قطع الإنترنت والهاتف يحرم الملايين من التعليم والصحة والعمل
بلوشستان معزولة عن العالم.. قطع الإنترنت والهاتف يحرم الملايين من التعليم والصحة والعمل
في السادس من أغسطس الجاري أصدرت السلطات الباكستانية قراراً بتعليق خدمات الإنترنت عبر الشبكات المحمولة وقطع خدمات الهاتف المحمول في كامل إقليم بلوشستان لأسباب أمنية، في إجراء قال مسؤولون إن هدفه منع تنسيق الهجمات من قبل جماعات مسلحة.
القرار أبقى ملايين السكان خارج الشبكة الرقمية طول 3 أسابيع -المدة المعلن عنها- وقطَع عنهم الوسيلة الأساسية للوصول إلى المعلومات والخدمات والاتصالات مع الأسرة والأسواق والعمل، فيما عدته منظمات حقوقية محلية ووطنية انتهاكاً صارخاً للحقوق الأساسية ودعت إلى إعادة الخدمات فوراً، في حين طالب مراقبون بمساءلة قضائية لضمان المساواة في الحقوق داخل باكستان.
انعدام خدمات أساسية
الانقطاع لا يقتصر على صعوبة تصفح الإنترنت أو فقدان الترفيه، بل يتحوّل إلى أزمة إنسانية عندما تحجب معلومات صحية طارئة، أو تمنع تواصل المراكز الصحية مع مخازن الأدوية، أو تعطل المشافي التي تعتمد على المنصات الرقمية لتنسيق الإمدادات والعيادات الافتراضية، وقد أظهرت دراسات حالات سابقة وأبحاث دولية أن تعطّل الشبكات يعرقل بشكل مباشر الاستشارات الطبية عن بُعد، ويعطّل الوصول إلى السجلات الإلكترونية والنتائج المخبرية، ويزيد مخاطر تفاقم حالات طبية حيوية، وفي سياق بلوشستان، حيث المسافات شاسعة والخدمات الصحية محدودة، يضاعف انقطاع الاتصالات هشاشة المرضى وخصوصاً النساء الحوامل وكبار السن.
التعليم: سنوات من الجفاء الرقمي تُستعاد بصعوبة
قطاع التعليم في الإقليم الباكستاني تضرر فوراً ووجد طلاب في المدارس والجامعات التي لجأت بعد الجائحة إلى محتوى رقمي ومهام عبر الإنترنت وجدوا أنفسهم بلا وصول للمنصات التعليمية، وبلا إمكانية للتواصل مع الأساتذة أو تقديم الواجبات، وتشير الأبحاث تشير إلى أن الانقطاعات المتكررة تترك أثرًا معرفيًا واقتصاديًا طويل الأمد على الطلبة، وتفاقم فجوة التعلم بين الحضر والمناطق النائية، مع بلوغ التعليم عن بُعد مكانة مهمة في استمرارية العام الدراسي، يصبح أي انقطاع عاملاً يفاقم التخلف التعليمي ويقلل فرص شريحة كاملة من الاطلاع والمنافسة.
خدمات الرعاية الصحية
خدمات التطبيب عن بُعد والطلبيات الرقمية للأدوية والتنسيق بين المستشفيات تُعد اليوم شرياناً حيوياً في مناطق نائية، انقطاع الإنترنت يعطل سلاسل الإمداد، ويؤثر في متابعة الأمراض المزمنة، ويعرقل إرسال صور الأشعة أو التحاليل للمختبرات المركزية، وفي حالات سابقة لبلدان شهدت انقطاعات بينت تعطلاً واسع النطاق في مواعيد الطوارئ والإحالة بين المستشفيات، وهي أمراض قد تترجم بسرعة إلى وفيات أو تعطيل للعلاج، وفي بلوشستان، حيث البنية الصحية متهالكة، قد يرفع ذلك من احتمالات وقوع أضرار صحية جسيمة.
خسائر مباشرة ومستمرة
انقطاع الاتصالات يفرض كلفة اقتصادية فورية، فهناك أعمال صغيرة تعتمد على الدفع والمراسلات الإلكترونية تتوقف، وتضطر سلاسل التوريد المحلية إلى إرجاء الصفقات، وتتعطل خدمات التوصيل والبيع عبر الإنترنت، وتشير أدوات تقييم كلفة الانقطاعات في باكستان إلى خسائر يومية كبيرة على الاقتصاد الوطني، في حين أن المناطق النائية تتحمل تبعات أشد مع معدلات بطالة مرتفعة وقلة بدائل العمل، هذا الانقطاع يأتي أيضاً في وقت تتسارع فيه الاستثمارات في مشاريع كبرى بالإقليم، ما قد يقوض ملاحظات المستثمرين ويزيد من فرص تراجع النشاط الاقتصادي.
منظمات حقوقية وأممية
تسارعت ردود الفعل فقد دان مجلس حقوق الإنسان الباكستاني القرار وعده عقاباً جماعياً يقوض الثقة والديمقراطية، في حين وجهت منظمات دولية ومبادرات مدافعة عن الحريات الرقمية مثل Access Now تحذيرات بأن انقطاعات الإنترنت تشكل هجوماً على حقوق الإنسان لأنها تقيّد حرية التعبير، الحق في المعلومات، والحقوق الاقتصادية والاجتماعية. خبراء الأمم المتحدة لحقوق الإنسان سبق وأن نبهوا إلى الآثار المضاعفة لسياسات مكافحة الإرهاب حين تُستخدم لتبرير إجراءات تؤثر في المدنيين، ودعوا إلى احترام المعايير الدولية وعدم المساس بحقوق الأقليات والحقوق الأساسية.
الإطار القانوني والمعايير الدولية
لا تنكر المعايير الدولية حق الدول في اتخاذ تدابير للحفاظ على الأمن، لكن الممارسة الدولية تفرض مبادئ أساسية تتمثل في التناسب، الشرعية، الضرورة، والشفافية، وأي قيود على الإنترنت يجب أن تكون موقتة، مبنية على أساس قانوني واضح، وخاضعة لمراجعة قضائية فعّالة، مع ضوابط تحدّ من التأثير على الحقوق الأساسية مثل التعليم والصحة، وتطالب منظمات حقوقية باعتماد قواعد وطنية وإقليمية تُقيّد اللجوء إلى انقطاع الاتصالات أداة أمنية، وتضع بدائل أقل تضرراً للسكان المدنيين.
انقطاعات متكررة وسياسة الطوارئ
باكستان ليست جديدة على انقطاعات الشبكة، وثائق دراسات سابقة ثمّنّت تكرار استخدام العقاب الرقمي كأداة حكومية خلال سنوات الاضطراب السياسي، لكن تكرار هذه الإجراءات على المجتمعات المحلية أدّى إلى تطبيع آلية الإعفاء من الاتصال، ما جعل السكان عرضة لتبعات اقتصادية واجتماعية مستمرة ويضع علامات استفهام على جدوى هذه السياسات الأمنية في معالجة الأسباب الجذرية للنزاع.
القطع الشامل للاتصالات في بلوشستان يعكس مفاضلة خاطئة بين الأمن وحقوق الإنسان، لتخفيف الضرر ووقف آثار الانقطاع يجب إعادة الخدمات فوراً مع ضمانات أمنية بديلة، فتح تحقيق قضائي مستقل في قرارات تعطيل الاتصالات؛ توفير آليات بديلة للمعلومات الصحية والتعليمية أثناء الطوارئ، دعم البنية التحتية المحلية واتخاذ تدابير منها شبكات احتياطية، ونقاط إنترنت مجتمعية مؤمنة، والالتزام بالمعايير الدولية مع إشراك المجتمع المدني في إعداد أي سياسات مستقبلية.
وتعد بلوشستان، التي تقع على حدود أفغانستان وإيران، منطقة استراتيجية بفضل مواردها الطبيعية الغنية، بما في ذلك الفحم، النحاس، الغاز، والذهب، فضلاً عن استضافتها ميناء جوادر، وهو جزء رئيسي من ممر الصين-باكستان الاقتصادي ضمن مبادرة الحزام والطريق الصينية بقيمة 65 مليار دولار، ومع ذلك، تشهد المنطقة تمردًا انفصاليًا طويل الأمد، حيث تتهم الجماعات الانفصالية الحكومة الباكستانية باستغلال مواردها دون توزيع عادل للأرباح على السكان المحليين، ما يؤدي إلى استمرار الفقر رغم ثروات الإقليم.
في الأشهر الأخيرة، تصاعدت الهجمات الانفصالية، خاصة مع اقتراب الاحتفال بالذكرى الثامنة والسبعين لاستقلال باكستان في 14 أغسطس، حيث تتزايد التوترات عادةً خلال هذه الفترة، وفي أغسطس 2024، شهدت بلوشستان أعلى معدل للهجمات الإرهابية، حيث قُتل 88 شخصًا، بينهم جنود ومدنيون، وأصيب 100 آخرون، ومن بين الحوادث البارزة هجوم في مارس 2025 استهدف سكة حديد، أسفر عن مقتل 31 شخصًا، بينهم 23 جنديًا، واختطاف أكثر من 400 راكب.