على حافة أزمة البطالة.. هل يفقد سوق العمل البريطاني بريقه؟

على حافة أزمة البطالة.. هل يفقد سوق العمل البريطاني بريقه؟
بريطانيا

تحت سماء تبدو هادئة، يلوح في الأفق الاقتصادي البريطاني شبحٌ ثقيل، ممثلاً في أزمة بطالة متصاعدة، تتخطى كونها مجرد أرقام وإحصاءات، لتتحول إلى قصة إنسانية مؤلمة، تُسلط الضوء على هشاشة سوق العمل في المملكة المتحدة، فمع ارتفاع معدل البطالة إلى أعلى مستوياته منذ أربع سنوات، عند 4.7% خلال الفترة من أبريل إلى يونيو، وفقًا للمكتب الوطني للإحصاءات، تُطلق جرس الإنذار ليس فقط للمسؤولين الاقتصاديين، بل لكل مواطن يخشى على مستقبله ومستقبل أسرته، ولم يعد الحديث عن البطالة مجرد مؤشر اقتصادي، بل أصبح يلامس جوهر الأمن الاجتماعي والنفسي للملايين.

وتؤكد الأرقام الرسمية أن التباطؤ في سوق العمل ليس مجرد انكماش عابر، بل هو اتجاه مستمر يُثير القلق.. ليز ماكيوون، مديرة الإحصاءات الاقتصادية في المكتب الوطني للإحصاءات، أشارت في تصريحات أوردتها “فرانس برس” اليوم الثلاثاء، إلى أن الأرقام الأخيرة "تعكس استمرار التباطؤ" في قطاع التوظيف، مع تراجع عدد العاملين على مدار عشرة أشهر من أصل الاثني عشر شهرًا الماضية، ويُعد هذا التراجع أكثر وضوحًا في قطاعي الفنادق وتجارة التجزئة، وهما من القطاعات الحيوية التي تُشغل أعدادًا كبيرة من الشباب والعمالة غير الماهرة.

وعلى الجانب الآخر، تُظهر البيانات أن عروض الوظائف قد استمرت في الانخفاض، ما يُعني أن فرص العمل الجديدة لم تعد كافية لاستيعاب الداخلين الجدد لسوق العمل، أو حتى لتعويض من فقدوا وظائفهم، هذه الدينامية تُعقد المشهد وتضع عبئًا إضافيًا على الباحثين عن عمل، الذين يواجهون منافسة متزايدة على عدد محدود من الفرص.

معضلة البنك المركزي

يُشكّل التضخم حجر عثرة أمام أي حلول جذرية لمشكلة البطالة، ففي ظل بقاء معدل التضخم عند 3.6% في يونيو، مدفوعًا بارتفاع تكاليف السكن والنقل، يجد بنك إنجلترا نفسه أمام "توازن دقيق" كما وصفه ريتشارد كارتر، المحلل في شركة "كويلتر تشيفيوت"، والبنك مُطالب بدعم الاقتصاد المتباطئ، الذي عانى من انكماش الناتج المحلي الإجمالي لشهرين متتاليين، وفي الوقت نفسه، عليه أن يتخذ قرارات لا تُؤجج التضخم.

خفض البنك المركزي سعر الفائدة الرئيسي إلى 4% مؤخرًا في محاولة لإنعاش الاقتصاد، ولكن التوقعات تُشير إلى احتمال حدوث "تخفيض جديد في أسعار الفائدة" قبل نهاية العام.

هذا القرار، إذا تم، سيُشير إلى أن صناع السياسة النقدية في بريطانيا باتوا يدركون حجم الأزمة في سوق العمل، ويعتبرونها أولوية تتطلب تدخلًا عاجلًا، حتى لو كان ذلك على حساب توازنات اقتصادية أخرى.

أزمة "بريكست" و"الجائحة"

لم تظهر أزمة البطالة في بريطانيا من فراغ، بل هي نتيجة لتراكمات وتحديات كبيرة واجهها الاقتصاد البريطاني في السنوات الأخيرة، يُعدّ الخروج من الاتحاد الأوروبي (بريكست) نقطة تحول أساسية، حيث أثر بشكل مباشر على حركة العمالة المهاجرة والوصول إلى الأسواق الأوروبية، ما أدى إلى نقص في بعض المهارات وتغيرات هيكلية في قطاعات معينة.

بالإضافة إلى ذلك، تُعد جائحة كوفيد-19 عاملًا حاسمًا، حيث أثرت بشكل عميق على قطاعات مثل السياحة والضيافة وتجارة التجزئة، التي لم تتعافَ بشكل كامل بعد، هذه التحديات التاريخية، بالإضافة إلى التضخم العالمي والركود الاقتصادي، خلقت بيئةً هشةً وغير مستقرة، كان من الطبيعي أن تظهر فيها مؤشرات البطالة بشكل واضح ومقلق.

قصص وراء الأرقام

وراء كل رقم في إحصائيات البطالة، تكمن قصة إنسانية تُؤثر في حياة الأفراد والأسر، البطالة ليست مجرد خسارة للدخل، بل هي أيضًا خسارة للكرامة، والشعور بالانتماء، والثقة بالنفس.

وتُشير التقارير الحقوقية إلى أن ارتفاع معدلات البطالة يُمكن أن يُؤدي إلى تزايد مشكلات الصحة العقلية، مثل الاكتئاب والقلق، وتدهور العلاقات الأسرية، وزيادة معدلات الفقر.

منظمات حقوقية محلية ودولية، مثل منظمة العمل الدولية (ILO) وبعض المؤسسات الأممية، تُحذر من التداعيات الاجتماعية الخطيرة لهذه الأزمة، فهي تُطالب الحكومات بوضع سياسات لا تقتصر على الحلول الاقتصادية، بل تشمل أيضًا برامج دعم نفسي واجتماعي للعاطلين عن العمل، وتوفير فرص تدريب مهني تُساعدهم على اكتساب مهارات جديدة مطلوبة في سوق العمل المتغير.

ردود الفعل الحقوقية

يُشكل الحق في العمل اللائق أحد مبادئ القانون الدولي الأساسية، كما نصت عليه الإعلانات والمواثيق الدولية. 

وتُطالب منظمات الأمم المتحدة، مثل منظمة العمل الدولية، الدول الأعضاء بضرورة اتخاذ إجراءات فعالة لضمان هذا الحق، وخاصة في أوقات الأزمات الاقتصادية.

وفي بريطانيا، تُطالب المنظمات الحقوقية بتعديل سياسات العمل لضمان حقوق العمال، وتوفير شبكات أمان اجتماعي أقوى للعاطلين عن العمل. 

وتُشدد هذه المنظمات على أن أي قرارات اقتصادية، مثل خفض أسعار الفائدة، يجب أن تأخذ في الاعتبار تداعياتها الإنسانية على الفئات الأكثر ضعفًا.



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية