خروج قسري ومخاوف إقليمية.. إيران تُعيد 1.2 مليون نازح في ستة أشهر
خروج قسري ومخاوف إقليمية.. إيران تُعيد 1.2 مليون نازح في ستة أشهر
أعلنت طهران أن أكثر من 1.2 مليون أفغاني غادروا إيران خلال ستة أشهر، في إطار حملة لتطبيق قانون الهجرة وفرض مواعيد نهائية لمغادرة المقيمين بدون تصاريح، رقم وزير الداخلية الإيراني بيّن وتيرة طرد غير مسبوقة، فيما تحذّر وكالات أممية ومنظمات حقوقية من أن كثيرين عادوا قسرًا وظروف العودة غير آمنة ومهينة، وقد تؤدي إلى تفاقم أزمة إنسانية في أفغانستان الهشة وفق مفوضية شؤون اللاجئين.
الأرقام تختلف بحسب مصدرها: تصريحات رسمية إيرانية ذكرت أن نحو 1.2 مليون أفغاني غادروا إيران منذ منتصف مارس، وأن هناك نية لترحيل نحو 800 ألف آخرين، في حين أصدرت المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين تحذيرات من أن أكثر من 1.2 مليون شخص عادوا أو طُردوا من إيران وباكستان معًا خلال 2025، وأن وتيرة العودة صارت يومية ووصلت أحياناً إلى عشرات الآلاف، وتشير المنظمات الإنسانية الدولية إلى أن جزءاً كبيراً من هذه الحركات لم يتم في ظروف طوعية وآمنة.
كيف نفّذت طهران الحملة عمليًا؟
خطوات طهران شملت إنفاذ مواعيد نهائية، وإبطال بطاقات إدارية مؤقتة في بعض الحالات، وعمليات توقيف ونقل إلى مراكز حدودية، وضغوط على أصحاب العمل والمجتمعات المحلية لتقليص وجود اللاجئين غير الموثّقين.
ووفق تقارير صحفية وشهادات عائدين، تصاعدت عمليات الإعادة الجماعية، خصوصًا بعد توترات إقليمية وأحداث أمنية أشارت سلطات إيرانية أنها تبرّر تشديد المراقبة على الأجانب، ويصرّ مسؤولون إيرانيون على أن الإجراءات قانونية وتهدف لمعالجة الضغوط الاقتصادية والبطالة، لكن الممارسات الميدانية أثارت شكوكًا واسعةً حول طابعها الطوعي.
ردود المنظمات الأممية والحقوقية
المفوضية السامية للاجئين حذّرت مرارًا من أن العودة الجماعية في ظروف غير ملائمة تحت حكم حركة طالبان قد تزعزع الاستقرار في أفغانستان، وطالبت بأن تكون أي عودة طوعية وآمنة وكريمة، مع توفير دعم إغاثي وإدماجي للعائدين، ووصف خبراء الأمم المتحدة المعنيون بحقوق الإنسان عمليات الإعادة بأنها مقلقة للغاية ودعوا إلى تحقيقات ومستوى أعلى من الضمانات.
كما أصدرت كل من منظمة العفو الدولية وهيومن رايتس ووتش بيانات تدين عمليات الإعادة الجماعية وتصفها بأنها تنتهك مبادئ الحماية الدولية، مطالبتين بوقف الإعادة القسرية واحترام مبدأ عدم الإعادة القسرية، وفي السياق ذاته حذر الصليب الأحمر والمؤسسات الوطنية للصليب الأحمر والهلال الأحمر من أن القدرات الإنسانية في أفغانستان مثقلة وتطلب تعزيزاً عاجلاً للموارد.
الالتزامات القانونية ذات الصلة
قواعد اللاجئين وحقوق الإنسان تضع قيودًا واضحة على عمليات الطرد، حيث يحظى مبدأ عدم الإعادة القسرية بمكانة مركزية في النظام الدولي للاجئين ويملّ بموجبه عدم إرسال الأشخاص إلى بلدان يواجهون فيها خطر الاضطهاد أو الأذى الجسيم، وإيران كانت من بين الدول التي انضمت لاتفاقية عام 1951 وبروتوكول 1967 ما يمنح المفوضية والمنظمات الدولية أرضية قانونية لطلب ضمانات، وحتى في الحالات التي تكون فيها العودة قانونية، يجب أن تكون طوعية وآمنة وكريمة، وقد ركزت دعوات الحقوقيين على أن عمليات الإعادة الجماعية المؤداة دون فحص فردي كافٍ قد ترقى إلى انتهاك التزامات دولية.
خطر التعرض للانتهاكات داخل أفغانستان
العودة إلى أفغانستان اليوم لا تعني تلقائيًا الأمن، فحمّى الانكماش الاقتصادي وإجراءات طالبان التقييدية، وقيود النساء على التعليم والعمل، وقمع المعارضين وصحفيي المجتمع المدني، كلها يؤسس لبيئة خطرة لمن يكون معرضًا لاضطهاد أو انتقام، ووثقت تقارير حقوقية دولية تضييقات ممنهجة في سياق حكم طالبان، ما يزيد من حساسية مبدأ عدم الإعادة لأي فئات معرضة وفق "هيومن رايتس ووتش".
الأثر الإنساني والاحتياجات الطارئة
الوصول الجماعي والمفاجئ لأكثر من مليون نازح أفغاني يضغط على شبكات الاستجابة، منها عمليات المآوي المؤقتة، والصحة الأولية، والمياه والصرف، والغذاء، وفرص العمل المحدودة، كما تُسجّل حالات لعائلات مفككة وأطفال من دون مرافقين، وقد أطلق الصليب الأحمر الدولي والاتحاد الدولي لجمعيات الصليب الأحمر والهلال الأحمر والأمم المتحدة نداءات تمويلية عاجلة، إلا أن تمويل الاستجابة يُقدر حتى الآن بأنه غير كافٍ لمواجهة حجم الموجة. هذا النقص في الدعم يُعمق مخاطر تعرض العائدين للفقر والإتجار والحرمان طويل الأمد.
لماذا إيران دولة محورية للاجئين الأفغان؟
وفق مفوضية شؤون اللاجئين فإن إيران استقبلت موجات مهاجرين أفغان منذ ثمانينيات القرن الماضي، وتحوّلت إلى بلد مضيف لملايين الأفغان، بعضهم لاجئون مسجَّلون وآخرون مقيمون منذ عقود، وقد لعب الاعتماد الاقتصادي على العمالة الأفغانية والأواصر الاجتماعية بين المجتمعات دورًا في إبقاء أعداد كبيرة داخل البلاد، لكن الضغوط الاقتصادية والعقوبات الإقليمية والمتغيرات الأمنية تدفع الآن لحزمة سياسات قسرية أكثر صرامة مما كان عليه الوضع في عقود سابقة.
ماذا تطالب المنظمات، وما الذي يلزم فعله دوليًا؟
المنظمات الأممية والحقوقية -ومنها مفوضية شؤون اللاجئين ومنظمة العفو الدولية- تطالب إيران بوقف الإعادة القسرية فورًا، وبإجراء فحوص فردية لكل من غادر أو يُرحّل للتأكد من طابعه الطوعي وسلامته، وتزويد العائدين بالحماية الإنسانية الأساسية، كما تطالب بمواصلة التمويل الإنساني لتعافي المجتمعات الأفغانية المضيفة للعائدين، وتدعو الدول الإقليمية والدول المانحة إلى التحرك لمنع تفاقم أزمة قد تجرّ نزوحًا داخليًا واسع النطاق واضطرابًا إقليميًا.
الأرقام المتصاعدة والنداءات المتكررة من مفوضية اللاجئين، والمنظمات الدولية، والاتحاد الدولي للصليب الأحمر، تشير إلى أن مسارات الحلّ لا بد أن تجمع بين احترام الحقوق، ودعم إنساني عاجل، وضغط دبلوماسي لتأمين عودة طوعية وآمنة أو بدائل للحماية في بلدان اللجوء.