رحيل "القاضي الرحيم" فرانك كابريو.. رجل العدل الذي أعاد للإنسانية مكانتها
رحيل "القاضي الرحيم" فرانك كابريو.. رجل العدل الذي أعاد للإنسانية مكانتها
غيب الموت القاضي الأمريكي الشهير فرانك كابريو، المعروف بلقب "القاضي الرحيم"، الأربعاء، عن عمر ناهز 88 عاماً بعد صراع طويل مع سرطان البنكرياس، وبرحيله، يخسر العالم واحداً من أبرز الوجوه القضائية التي جسدت العدالة في أبهى صورها في مزيج من الرحمة والصرامة، ومن الإنسانية والقانون.
في بيان مؤثر نشر عبر صفحته الرسمية على موقع “فيسبوك”، نعت عائلة كابريو فقيدها بالقول: "عرف القاضي كابريو بتعاطفه وتواضعه وإيمانه العميق بخير الإنسان، لقد ترك أثراً لا يُمحى في قلوب الملايين، ليس فقط كونه قاضياً محترماً، بل زوج محب، وأب وجدّ وصديق وفيّ".
وأكدت الأسرة أن ذكراه ستبقى حيّة من خلال أعمال الخير التي ألهم بها الآخرين، داعية العالم إلى تكريم إرثه بالسعي لنشر مزيد من الرحمة، تماماً كما فعل هو في حياته اليومية.
إيمان بالدعاء رغم الألم
قبل وفاته بساعات، ظهر القاضي كابريو في مقطع فيديو من سرير المستشفى موجهاً رسالة شكر وامتنان إلى جمهوره حول العالم.
قال بصوت متعب لكن مفعم بالأمل: "أشكركم من أعماق قلبي على دعواتكم ودعمكم. صلواتكم ترفع من روحي وتمنحني القوة للاستمرار".
وأضاف وهو يستشعر قرب النهاية: "أطلب منكم أن تتذكروني في صلواتكم مرة أخرى. أنا مؤمن للغاية بقوة الدعاء وأن الله يسمعنا"، كانت تلك الكلمات أشبه بوصية إنسانية أخيرة من قاضٍ آمن أن الرحمة أقوى من أي حكم قضائي.
حياة مكرسة للعدل والإنسانية
وُلد فرانشيسكو "فرانك" كابريو عام 1936 لأسرة مهاجرة بسيطة في ولاية رود آيلاند، وتدرج في مسيرته المهنية حتى أصبح رئيس قضاة المحكمة البلدية في مدينة بروفيدنس عام 1985، كما شغل منصب رئيس مجلس محافظي التعليم العالي في الولاية لعشر سنوات.
رغم موقعه المرموق، كانت شهرته العالمية حديثة نسبياً؛ إذ عرفه الملايين من خلال البرنامج التلفزيوني Caught in Providence الذي كان ينتجه شقيقه جو، وعُرضت فيه جلساته القضائية التي تحولت إلى ظاهرة إنسانية على منصات التواصل الاجتماعي.
في تلك الجلسات، لم يكن القاضي يكتفي بتطبيق القانون بحرفيته، بل كان يضيف إليه روح الدعابة والعفو والإنصات لقصص المتهمين، في أحد مقاطعه الشهيرة، أعفى امرأة فقيرة من غرامة مرورية بعدما علم أنها تنفق دخلها البسيط على علاج ابنها المريض، وقال لها بابتسامة: "العدالة ليست في العقاب دائماً، بل في فهم ظروف الناس".
إرث يتجاوز قاعة المحكمة
منحته الإنسانية لقب "القاضي الرحيم"، وارتبط اسمه بمواقف جسدت التسامح والأمل، حصل برنامجه على ترشيح لجائزة "داي تايم إيمي" عام 2021، وحققت مقاطعه ملايين المشاهدات التي ألهمت محامين وقضاة وطلاب قانون حول العالم.
كان كابريو أباً لخمسة أبناء، وجدّاً لسبعة أحفاد، عدهم أعظم إنجازاته، كما أعلن في يناير الماضي اعتزاله بعد أربعة عقود من الخدمة في ساحة القضاء.
شخصية فرانك كابريو تمثل نموذجاً نادراً في تاريخ القضاء الأمريكي والعالمي، إذ مزج بين القانون والأخلاق الإنسانية. في زمن يتسم بالصرامة القضائية، اختار أن يذكر العالم بأن العدالة الحقيقية لا تتحقق إلا بالرحمة.
رحيله يفتح نقاشاً واسعاً حول دور القضاة في المجتمعات، ليس كونهم منفذين للقانون فحسب، بل كونهم مربين وقادة رأي يمكن أن يغيّروا حياة الأفراد بقرار عادل وموقف إنساني.
وبينما يودع العالم "القاضي الرحيم"، يبقى إرثه ملهماً للأجيال القادمة: أن القانون بلا رحمة قد يحقق النظام، لكنه لا يحقق الإنسانية.