مع استمرار تدفق المهاجرين.. مظاهرات في وارسو ضد ميثاق الهجرة الأوروبي
مع استمرار تدفق المهاجرين.. مظاهرات في وارسو ضد ميثاق الهجرة الأوروبي
شهدت العاصمة البولندية وارسو تجمع مئات المواطنين استجابة لدعوة من التيار اليميني الحاكم، في مظاهرة وُجهت ضد المهاجرين من إفريقيا والشرق الأوسط، وكذلك ضد نحو 900 ألف أوكراني لجؤوا إلى بولندا منذ اندلاع الحرب الروسية على أوكرانيا.
ورفع المشاركون شعارات قومية متشددة أبرزها "البولندي هو سيد بولندا"، في مشهد يعكس تصاعد التيارات المعادية للأجانب في البلاد، بحسب ما ذكرت إذاعة "إر إف إي" الفرنسية، الأربعاء.
وألقى نواب من الأغلبية الحاكمة في البرلمان، والمنتمين إلى أقصى اليمين، كلمات نارية أمام المتظاهرين، دعوا خلالها إلى وقف ما وصفوه بـ"غزو المهاجرين".
ونقلت إذاعة "إر إف إي" الفرنسية من وارسو، أن الهتافات شملت شعارات عنصرية ومعادية للأجانب، وسط حضور مكثف من أنصار الأحزاب القومية.
والتقت الإذاعة بامرأة تُدعى أولمبيا، قطعت ساعات طويلة للوصول إلى العاصمة، مؤكدة رفضها لميثاق الهجرة الأوروبي المزمع تطبيقه عام 2026، والذي رأت أنه سيُجبر بولندا على استقبال مهاجرين من "ثقافات مختلفة" على حد وصفها.
قلق من الأوكرانيين
أبدى شاب بولندي يُدعى كرزيستوف، شارك في الاحتجاج، قلقه من وجود مئات آلاف اللاجئين الأوكرانيين داخل بولندا.
ورأى أن بقاءهم الطويل يهدد فرص العمل أمام المواطنين المحليين، مشيراً إلى أن أوكرانيا تملك مساحات كبرى عن بولندا وكان من الممكن أن تستوعب لاجئيها داخلياً.
وتوقف المتظاهرون أمام القصر الرئاسي، حيث تم انتخاب القومي كارول ناوروكي رئيساً في يونيو الماضي، بعد أن وعد خلال حملته بوقف الهجرة غير الشرعية ومنح الأولوية للبولنديين في الخدمات العامة.
خلفية سياسية مشحونة
أدى ناوروكي اليمين الدستورية بصفته رئيساً للجمهورية في 6 أغسطس الجاري، في وقت يواجه فيه رئيس الوزراء دونالد توسك، زعيم يمين الوسط، تحديات كبيرة في التعامل مع توجهات الرئيس الجديدة.
وخلال خطابه الأول، هاجم ناوروكي خصومه السياسيين واتهمهم بترويج "الأكاذيب والدعاية"، مؤكداً معارضته للهجرة غير الشرعية والانضمام إلى منطقة اليورو.
وبرزت التظاهرات الأخيرة في وارسو جزءاً من سلسلة مسيرات نظمتها جماعات قومية متطرفة، كان أكبرها يوم 19 يوليو الماضي عندما خرج الآلاف في أكثر من 50 مدينة بشعارات عنصرية مثل "كل بولندا، للبيض فقط".
حادثة أشعلت الشارع
فاقمت جريمة قتل الطالبة الجامعية كلوديا، البالغة من العمر 24 عاماً، على يد مهاجرة فنزويلية في يونيو الماضي بمدينة تورون، الغضب الشعبي تجاه الأجانب، حيث خرجت على إثرها أولى المسيرات المناهضة للهجرة هذا الصيف.
وشارك الآلاف حينها في احتجاجات عمت عدة مدن، ورفعت لافتات تدعو إلى "الموت مقابل الموت" في تصعيد خطِر للخطاب العنصري.
أكدت أغنيسكا كوسوفيتش، رئيسة مؤسسة منتدى الهجرة البولندية، أن المجتمع البولندي يتعرض منذ سنوات لخطاب متزايد ضد المهاجرين، مدفوعاً بالصراع السياسي الداخلي والتضليل الإعلامي المنتشر على الإنترنت.
ورأت أن الأحزاب تستغل ملف المهاجرين كبش فداء لمشكلات مثل البطالة وضعف الخدمات العامة، مشيرة إلى أن الحكومة شددت الإجراءات الأمنية على الحدود مع بيلاروسيا وليتوانيا وألمانيا، لكنها في الوقت نفسه أصدرت أكثر من 275 ألف تصريح عمل لمهاجرين من آسيا وأمريكا اللاتينية عام 2023، وهو رقم يعكس حاجة السوق المحلي للعمالة.
شائعات ومواجهات عنيفة
تسببت الشائعات والمعلومات المضللة في حوادث عنف متكررة، كان أبرزها في 14 يوليو عندما تعرض مهاجر باراغواياني لهجوم بعد أن اتُهم زوراً بالتقاط صور للأطفال.
وفي اليوم التالي، اقتحم عشرات الغاضبين نزلاً يقطنه مهاجرون وألقوا قنابل مضيئة داخله، كما أعلن الجيش البولندي في 22 يوليو عن إصابة مهاجر سوداني برصاص الجنود أثناء محاولة عبور الحدود مع بيلاروسيا، وهو ما أثار انتقادات واسعة من منظمات حقوقية.
تأتي هذه التطورات في ظل تصاعد النزعات القومية والشعبوية في أوروبا الشرقية، حيث بات ملف الهجرة محوراً للانقسامات السياسية والاجتماعية.
وفي حين تدعو المفوضية الأوروبية إلى تطبيق ميثاق الهجرة الجديد عام 2026 لضمان تقاسم أعباء اللاجئين بين الدول الأعضاء، ترفض دول مثل بولندا والمجر هذا التوجه، معتبرة أنه يهدد هويتها الوطنية.
ويبدو أن التوترات حول الهجرة مرشحة للتفاقم، خصوصاً مع وجود قيادة قومية في وارسو تتبنى خطاباً متشدداً وتربط بين الأمن الداخلي وملف المهاجرين.