وسط انتقادات حقوقية.. تشديدات أوروبية في مواجهة الهجرة غير الشرعية
وسط انتقادات حقوقية.. تشديدات أوروبية في مواجهة الهجرة غير الشرعية
في ظل تصاعد الضغوط السياسية والاجتماعية داخل دول الاتحاد الأوروبي، يدخل ملف الهجرة واللجوء مرحلة مفصلية تتجه فيها أوروبا نحو تبنّي مقاربة أكثر تشدداً، تعكس تحوّلاً جذرياً في الرؤية الأوروبية تجاه طالبي اللجوء والمهاجرين.
ولم يكن اجتماع وزراء داخلية الدول الأعضاء الـ27 في كوبنهاغن أواخر يوليو الجاري، مجرد لقاء تنسيقي، بل محطة فارقة دشنت مرحلة عنوانها "الإصلاح الجذري قبل الخريف"، تقودها الدنمارك من موقعها الجديد بصفتها رئيسة دورية لمجلس الاتحاد الأوروبي، بحسب ما ذكر موقع "مهاجر نيوز"، اليوم الأربعاء.
وفيما تروج بعض الدول الأوروبية لنماذج جديدة مثل المراكز الخارجية لمعالجة طلبات اللجوء في دول ثالثة، يتصاعد القلق الحقوقي من تآكل الضمانات القانونية والإنسانية التي يفترض أن تحكم سياسة اللجوء في أوروبا.
التشدد الأوروبي تجاه الهجرة
مع توليها الرئاسة الدورية لمجلس الاتحاد الأوروبي مطلع يوليو الجاري، وضعت الدنمارك على رأس أولوياتها "تفكيك نظام اللجوء غير الفعّال"، معتبرة أنه لا يتناسب مع ما وصفته بـ"الحقائق الجديدة" في القارة.
وزير الهجرة الدنماركي، كاوره ديبفاد بيك، لم يتردد في توجيه نقد لاذع لسياسات سابقة، خصوصاً النهج الألماني إبّان عهد المستشارة أنغيلا ميركل، مؤكداً أن تلك السياسات "لم تجلب الخير للقارة"، في تعبير يعكس التحوّل الحاد في المزاج السياسي الأوروبي.
ومن جهته، أكد مفوض الاتحاد الأوروبي للشؤون الداخلية، ماغنوس برونر، خلال الاجتماع، أن النظام الأوروبي للجوء "يحتاج إلى إصلاح عميق"، معتبراً أن الميثاق الأوروبي الجديد للهجرة واللجوء لا يزال يفتقر إلى "أجزاء جوهرية" تضمن فعاليته واستدامته.
ويجري حالياً التفاوض على وضع تعريف محدث لمفهوم "الدولة الآمنة"، على أن تُستكمل هذه الخطوات بحلول الخريف المقبل، ما يمهد لإعادة رسم سياسات اللجوء من جذورها.
ربط الهجرة بالأمن
ترافقت المناقشات الأخيرة مع تصاعد خطاب أمني واضح داخل الاتحاد الأوروبي، إذ شددت الرئاسة الدنماركية في بيان رسمي على ضرورة "استعادة السيطرة على الحدود الخارجية للاتحاد"، مؤكدة أن أي سياسة للهجرة يجب أن تقوم على الردع والرقابة والتعاون الخارجي.
ويشير مراقبون إلى أن هذا الخطاب لم يعد حكراً على الأطراف اليمينية، بل يتقاطع مع مواقف عدد من الحكومات المركزية، ما يعزز التوجّه الجماعي نحو سياسة أوروبية أكثر صرامة في التعامل مع المهاجرين واللاجئين.
ومن أبرز ملامح السياسة الجديدة: التوسع في فكرة إنشاء مراكز لجوء خارج أراضي الاتحاد الأوروبي. وتبرز هنا التجربة الإيطالية في ألبانيا، حيث أعلنت روما عن إنشاء مراكز خاضعة لإشرافها لمعالجة طلبات المهاجرين، في سابقة أوروبية أثارت ردود فعل متباينة.
وزير الداخلية الإيطالي، ماتيو بيانتيدوزي، وصف التجربة بأنها "نموذج يُحتذى"، في حين حذرت منظمات حقوقية من غياب الضمانات القانونية، ما قد يفتح الباب أمام انتهاكات جسيمة لحقوق طالبي اللجوء.
وفي خطوة مماثلة، تدرس هولندا إقامة مراكز في أوغندا، الدولة الإفريقية التي تستضيف بالفعل أعداداً كبيرة من اللاجئين، في وقت أعادت فيه الدنمارك إحياء مشروع قديم يقضي بإنشاء مركز استقبال في رواندا، رغم العقبات السياسية والقانونية التي واجهته سابقاً.
عودة ملف الإعادة القسرية
وجاء اجتماع كوبنهاغن بعد لقاء مصغر في ألمانيا جمع وزراء داخلية ست دول، بينها ألمانيا وفرنسا والنمسا، حيث أُعلن عن التزام سياسي مشترك بتكثيف عمليات الإعادة القسرية إلى دول مثل سوريا وأفغانستان، رغم أن هذه الدول تُعد غير آمنة وفق تقييمات دولية.
ويثير هذا التوجه مخاوف واسعة من انتهاك مبدأ عدم الإعادة القسرية (Non-refoulement)، وهو مبدأ قانوني دولي يمنع إعادة طالبي اللجوء إلى أماكن قد يتعرضون فيها لخطر الاضطهاد أو التعذيب.
ورغم تأكيد المفوض الأوروبي ماغنوس برونر، ضرورة احترام القانون الدولي والمعايير الإنسانية في كل المبادرات المقترحة، حذرت منظمات حقوقية أوروبية ودولية من أن توجهات الاتحاد الأخيرة تهدد بتقويض الإطار القانوني لحقوق اللاجئين، وفتح الباب أمام ممارسات تتعارض مع اتفاقيات جنيف ومعايير حقوق الإنسان.
ويخشى مراقبون أن تؤدي هذه السياسات إلى شرعنة عمليات الاحتجاز المطوّل، وتقييد الوصول إلى إجراءات لجوء عادلة وفعّالة، في وقت يتزايد فيه استغلال اللاجئين ورقة في الصراعات السياسية الداخلية للدول الأوروبية.
أزمة أخلاقية أم إصلاح؟
بينما ترى الحكومات الأوروبية أن التوجه الجديد يُمثل إصلاحاً ضرورياً لمنظومة "منهكة"، يعد الحقوقيون ما يجري إعادة هندسة جذرية لملف اللجوء، قد تنطوي على تنازلات خطِرة عن القيم الأوروبية ذاتها.
وفي انتظار الخريف، حيث يفترض أن تُعلن ملامح السياسات النهائية، يبقى السؤال مفتوحاً: هل تنجح أوروبا في التوفيق بين أمنها الداخلي والتزاماتها القانونية والإنسانية تجاه المهاجرين واللاجئين، أم إنها تتجه نحو نموذج ردعي قد يُقوّض ما تبقى من نظام اللجوء الأوروبي؟