عنف غير مسبوق.. ارتفاع الاعتداءات على الصحفيين في الولايات المتحدة
عنف غير مسبوق.. ارتفاع الاعتداءات على الصحفيين في الولايات المتحدة
شهدت الولايات المتحدة خلال العام الجاري تصاعداً ملحوظاً في العنف ضد الصحفيين، مع تركيز كبير على تغطية الاحتجاجات المتعلقة بسياسات إدارة الرئيس دونالد ترامب حول ترحيل المهاجرين غير الشرعيين، وتعكس هذه الزيادة في الاعتداءات ما وصفه خبراء ومؤسسات إعلامية بأنها حالة غير مسبوقة، إذ يعادل عدد الهجمات المسجلة هذا العام تقريباً ما وقع على الصحفيين خلال السنوات الثلاث السابقة مجتمعة.
وفقاً لتقرير صادر عن مؤسسة حرية الصحافة، المنظمة غير الربحية التي ترصد الانتهاكات ضد العاملين في الإعلام نشرته صحيفة "الغارديان" البريطانية الثلاثاء، فإن غالبية الاعتداءات التي وثقتها المؤسسة وقعت خلال تغطية احتجاجات واسعة نظمها المواطنون ضد سياسات إدارة الهجرة والجمارك الأمريكية، وقالت المؤسسة إن قوات إنفاذ القانون التي تهدف ظاهرياً إلى ضبط الحشود استخدمت في بعض الحالات الهراوات بشكل عشوائي، وأطلقت النار أحياناً على الصحفيين، رغم وضوح هويتهم المهنية، وبلغ عدد الاعتداءات المسجلة حتى 16 ديسمبر 170 اعتداءً، مقارنة بإجمالي 175 اعتداءً خلال الفترة من 2022 إلى 2024.
تأثير الخطاب السياسي
ويربط خبراء الإعلام ارتفاع مستوى العنف جزئياً بالخطاب المعادي للإعلام الذي تبناه الرئيس ترامب وغيره من القادة، فقد وصف ترامب مراراً وسائل الإعلام الأمريكية بأنها كاذبة، وهاجم صحفيين علناً، وهو ما يراه البعض رسالة ضمنية لمؤيديه بأن الصحفيين أهداف مشروعة، وقال لارس ويلنات، أستاذ جامعة سيراكيوز: "عندما يمارس الرئيس السخرية ونزع الشرعية، فإنه يرسل إشارة إلى مؤيديه بأن الصحفيين أهداف مشروعة"، وأضاف أن العنف يصبح أسهل تبريراً عندما يُنظر إلى الصحفيين على أنهم خصوم سياسيون وليسوا مراقبين محايدين.
تجارب ميدانية مؤلمة
من أبرز الحوادث التي وثقتها المؤسسة "عملية ميدواي بليتز"، حملة قمع للهجرة في شيكاغو، حيث تعرض الصحفيون للاعتداء 34 مرة خلال ستة أسابيع أمام مركز احتجاز برودفيو في إلينوي، وذكر نيك ستيرن، مصور من لوس أنجلوس، أنه أصيب مرتين هذا العام أثناء تغطيته احتجاجات ضد إدارة الهجرة، ففي 7 يونيو أثناء احتجاج في كومبتون، أطلقت قوة أمنية عبوة ناسفة سقطت بالقرب منه، على الرغم من ارتدائه شارة صحفية، ما أدى إلى إصابته بجروح استدعت جراحة طارئة وأربعة أيام من العلاج بالمستشفى، وفي حادث آخر، تعرض لضرب هراوة على وجهه أمام مركز احتجاز في لوس أنجلوس رغم إظهار بطاقته الصحفية.
قضايا قانونية وملاحقات
رفع ستيرن وزملاؤه دعوى قضائية ضد شرطة لوس أنجلوس ومكتب شريف مقاطعة لوس أنجلوس، وكذلك ضد إدارة الهجرة والجمارك ووزارة الأمن الداخلي، متهمين الجهات الأمنية بانتهاك حقوقهم المكفولة بالدستور الأمريكي، ومنها التعديل الأول المتعلق بحرية جمع الأخبار والتعديل الرابع ضد استخدام القوة المفرطة، وفي أكتوبر أصدر قاضٍ اتحادي أمراً تقييدياً مؤقتاً يمنع استخدام القوة البدنية ضد أي شخص يُعرف بشكل معقول أنه صحفي، ما يشير إلى اهتمام القضاء بحماية حرية الصحافة في ظل تزايد المخاطر.
أكدت ستيفاني شوغرز، كبيرة المراسلين في مؤسسة حرية الصحافة، أن الاحتجاجات غالباً ما تمثل أخطر الأماكن للصحفيين في الولايات المتحدة، وأوضحت أن المؤسسة تتتبع الحوادث بدقة منذ عام 2017 بناءً على تجارب سابقة مثل اعتقالات الصحفيين خلال احتجاجات عام 2014 في فيرغسون بولاية ميسوري، وتتحقق فقط من الحوادث التي يمكن التأكد منها عبر شهود عيان أو مصادر متعددة.
الصحفيون في مواجهة العنف
رغم التحديات والصدمات الجسدية والنفسية، يواصل الصحفيون تغطية الأحداث بحس مهني عالٍ، وقال ستيرن إنه على الرغم من كونه في سن 61 ويعاني من آثار الإصابات، فإنه يعد توثيق هذه الفترة من اضطرابات البلاد أمراً ضرورياً لتاريخ الصحافة والولايات المتحدة، وأكد أن استمرار التغطية ليس مجرد واجب مهني، بل مسؤولية لتسجيل الحقيقة أمام الضغوط السياسية والهجمات الجسدية.
ورغم أن بعض الخبراء يشددون على صعوبة ربط كل حادثة خطية بالخطاب الرئاسي مباشرة، فإن شوغرز أوضحت أن سياسات إدارة ترامب تعكس العداء نفسه تجاه الصحافة، ما يمكن أن يُعد تبريراً غير مباشر للاعتداءات، وأضافت أن الرئيس لا يملك سيطرة كاملة على جميع أقسام الشرطة، لكن الخطاب الرسمي يرسخ ثقافة عداء تعزز من مخاطر الاعتداءات.
أهمية حماية الصحافة
يبرز التقرير الحاجة الملحة لتعزيز حماية الصحفيين في الولايات المتحدة، خصوصاً أولئك الذين يغطون احتجاجات مدنية أو قضايا حساسة، فالصحافة المستقلة تعد عنصراً أساسياً في الديمقراطية، ويشكل العنف ضدها تهديداً مباشراً لحرية التعبير وحق المجتمع في الحصول على المعلومات.
مع استمرار الاحتجاجات والتوترات السياسية، يواجه الصحفيون تحديات مضاعفة تشمل المخاطر الجسدية والقانونية والنفسية، ويحتاجون إلى دعم مؤسسي وتشريعي لضمان سلامتهم، وكذلك إلى التزام واضح من السلطات بعدم اعتبارهم أهدافاً أثناء تأدية مهامهم المهنية.
مؤسسة حرية الصحافة هي منظمة غير ربحية تتابع الانتهاكات ضد الصحفيين في جميع أنحاء الولايات المتحدة والعالم، وتصدر تقارير سنوية توثق حالات الاعتداء والتهديدات التي يتعرض لها الإعلاميون، وتؤكد هذه التقارير أن حماية الصحفيين تعد ركيزة أساسية للحفاظ على حرية الإعلام وحقوق المواطنين في المعرفة، خصوصاً في أوقات الاضطرابات السياسية والاحتجاجات المدنية، حيث تصبح وسائل الإعلام هدفاً مباشراً للضغوط والعنف.











