الاتحاد الأوروبي نحو شراكة إستراتيجية مع الهند في ظل اتهامات متزايدة بانتهاكات حقوق الإنسان
الاتحاد الأوروبي نحو شراكة إستراتيجية مع الهند في ظل اتهامات متزايدة بانتهاكات حقوق الإنسان
أطلق الاتحاد الأوروبي في الأيام الأخيرة خطة عمل إستراتيجية جديدة مع الهند ترسّخ أولوية موسّعة للتعاون التجاري والتقني والدفاعي، وتصف نيودلهي بشريك موثوق وأكبر ديمقراطية في العالم، في الوقت نفسه تصعد منظمات حقوقية دولية تحذيراتها من أن تعزيز الروابط السياسية والاقتصادية مع حكومة يقودها حزب يواجه اتهامات متزايدة بانتهاكات حقوق الأقليات وفرض قيود على المجتمع المدني، قد يكرس إفلاتاً من العقاب ويضع مصداقية القيم الأوروبية على المحك.
تتحرك المفوضية والأعضاء الأوروبيون مدفوعين بثلاثة عوامل أساسية بحسب ما ذكرته "هيومن رايتس ووتش" أولها رغبة اقتصادية قوية في تنويع سلاسل التوريد والأسواق في مواجهة ضغوط تجارية عالمية؛ وثانياً اعتبار الهند لاعباً جيوستراتيجياً أساسياً في نظام متعدد الأقطاب، وثالثاً إدراك براغماتي بأن شراكة أقوى مع نيودلهي قد تعزز مكانة أوروبا على الساحة الدولية، ودفعت هذه الحوافز بروكسل لتسريع مفاوضات اتفاقية تجارة حرة ومشروعات تعاون في الطاقة النظيفة والدفاع، رغم التحذيرات الحقوقية المتكررة.
إخفاق في الموازنة بين المصالح والقيم
المشكلة الأساسية تنطلق من أن الوثائق الرسمية للاتحاد في كثير من الأحيان تفصل الأهداف الاقتصادية عن ملفات الحقوق، أو تضعها في رهانات أقل أولوية، وهذا ما رصدته منظمات حقوقية بارزة التي اعتبرت أن استراتيجية الاتحاد الجديدة «تتجاهل» موجة الانتهاكات المتنامية في الهند ضد الأقليات الدينية وحرية التعبير والحريات المدنية، وهي ممارسات وثقتها تقارير مستقلة على مدار السنوات الماضية، وتشير المنظمات الدولية إلى استخدام قوانين التمويل ومكافحة الإرهاب لفرض قيود على منظمات المجتمع المدني وملاحقة صحفيين ونشطاء، إضافة إلى عمليات هدم وإقصاء طالت خصوصاً أملاك مسلمين وأقليات أخرى.
أدلة وتقارير أممية ومنظمات حقوقية
منظمة هيومن رايتس ووتش وأمنستي وثّقتا أنماطاً تتكرر تتمثل في تحقيقات مالية واستدعاءات ضريبية ضد منظمات، وإلغاء تراخيص جمع تبرعات، وعمليات رقابية قضت بتقييد نشاط مؤسسات حقوقية وصحفيين، وتقارير حقوقية عالمية تصف بيئة متنامية من التضييق على الحريات، مع حالات اعتقال تعسفي ومضايقات قانونية للمعارضين، وبدورها دعت منظمات حقوقية أوروبية الاتحاد إلى ربط أي تقدم تجاري بتحسّن ملموس في أوضاع الحقوق وفتح قنوات متابعة مستقلة.
الاستمرار في تعزيز الشراكة دون شروط واضحة سيحمل أربعة مخاطر عملية، أولها، إضعاف المصداقية الأوروبية كمروّج لحقوق الإنسان، ما يضعف موقعها التفاوضي في ملفات أخرى؛ وثانياً، تشجيعاً عملياً لأنماط القمع المحلية عبر منح الشرعية السياسية والاقتصادية؛ وثالثاً، انتقال تراكمات القمع إلى أوروبا عبر موجات نزوح أو تضييق رصيد الديمقراطية المدنية في الشركاء الأوروبيين؛ ورابعاً، تزايد الضغط الداخلي في دول الاتحاد من أحزاب ومدافعين عن حقوق الإنسان يطالبون بربط التجارة بالحوكمة.
ردود الفعل داخل أوروبا وخارجها
البرلمان الأوروبي وبعض العواصم الكبرى أعربت مراراً عن قلقها، بينما فضّلت حكومات أخرى، وعلى رأسها فرنسا وألمانيا وإيطاليا، نهج الانخراط الاقتصادي القوي ببراغماتية واقتصادية، بحجة أن الحوار والتعاون قد يؤدّيان إلى نتائج أفضل من المقاطعة، وفي المقابل، أطلقت جمعيات مدنية أوروبية وشرقية حملات مشتركة تطالب بإدراج بنود حقوقية ملزمة ضمن اتفاقيات التجارة ومراجعة حالات التعاون التقني العسكري، كما وجّهت مجموعات حقوقية رسائل رسمية للمفوضية طالبت فيها باتخاذ مبدأ المزيد مقابل المزيد كركيزة تفاوضية.
الإطار القانوني الدولي والالتزامات الأوروبية
الاتحاد الأوروبي ملزم بمبادئ حقوق الإنسان المنصوص عليها في معاهدات دولية وإطاره الداخلي؛ وقد تطورت معايير شرعية السياسة الخارجية لتطالب بدمج بنود الحوكمة والحقوق في الاتفاقيات التجارية، وتذكر الانتقادات اليوم أن غياب بنود إنفاذ قوية يجعل الالتزامات الشكلية عرضة للإزاحة بمجرد تصاعد المصالح الاقتصادية، وتدعو المقترحات الحقوقية إلى نصوص قابلة للتفعيل تمنح آليات رقابة وخيارات تعليق أو توقيع جزئي إذا شهدت الهند تدهوراً ملموساً في الحريات.
خيارات سياسية عملية أمام الاتحاد الأوروبي
البدائل المطروحة تجمع بين الوسائل الدبلوماسية والاقتصادية وتشمل: إدراج بنود حقوقية قابلة للقياس في اتفاقيات التجارة، وإنشاء آلية مراجعة دورية مستقلة تضم خبراء حقوقيين، وفرض شروط تراكمية للتعاون الأمني والدفاعي، وتوسيع دعم المجتمع المدني الهندي عبر تمويلات مشروطة تدعم استقلالية المنظمات، بالإضافة إلى ذلك، يمكن للاتحاد استخدام أدوات التجارة لكي يشجّع إصلاحات محددة، مع الاحتفاظ بخيارات قانونية لمقاطعة بنود أو تعليق تعاون تقني حساس إذا لم تتحقق معايير معينة.
تعود قفزة العلاقات بين الاتحاد الأوروبي والهند إلى عام 2020 حيث أرست وثيقة خريطة الطريق إلى 2025 آليات لتعميق الشراكة، لكن العلاقات شهدت توتراً سابقاً على خلفية تقارير عن انتهاكات وقرارات برلمانية تنتقد سجل نيودلهي في مجال الحقوق، وفي العقد الأخير ارتفعت أهمية الهند جيواقتصادياً، ما جعل الأوروبيين يوازنون رغبتهم في نفوذ متصاعد مع قيمهم المؤسسية.
توصيات حقوقية
التقارب الأوروبي مع الهند يحمل فوائد واضحة لاستراتيجية أوروبا الاقتصادية والجيوسياسية، لكنه يتعرض لمخاطر جوهرية إذا استُكملت العلاقات على قاعدة الصمت عن انتهاكات حقوق الإنسان، ومن شأن ذلك إضعاف مصداقية الاتحاد ويكرس الإفلات من العقاب في مكانٍ متزايد الأهمية، لذلك تبرز حاجة ملحّة لسياسة أوروبية متوازنة تستلزم إدراج آليات حقوقية ملزمة، ومراجعة دورية، ودعما مباشرا للمجتمع المدني الهندي.
إن كانت لدى بروكسل طموحات لتشكيل عالم متعدد الأقطاب قائم على القيم، فهي مطالبة الآن بجسر الفجوة بين المصلحة والقيم قبل أن تصبح التكلفة السياسية والأخلاقية أكبر مما يمكن إصلاحه، وفق هيومن رايتس ووتش.