أمام الموت أو النزوح.. عائلات عالقة في غزة بلا مال أو مأوى
أمام الموت أو النزوح.. عائلات عالقة في غزة بلا مال أو مأوى
بين ترتيب الواجب المهني وصدمة الفقد الخاص عاش مدير مستشفى الشفاء محمد أبو سلمية صباح يوم عادي يتحول إلى كابوس، كان يؤدّي دوره في قسم الاستقبال والطوارئ يستقبل القتلى والمصابين جراء القصف الإسرائيلي المستمر على قطاع غزة، حتى دقّ إليه خبر لا يُطاق، الجثتان اللتان وصلتاه هما جثة شقيقه وزوجة شقيقه.
وصف أبو سلمية المشهد بالصدمة والرعب، وفق ما أورده موقع أخبار الأمم المتحدة، وقال إنه كل ما يتوقعه المرء في هذه الحرب ما عدا أن يستقبل أعزّ الناس شهداء ومصابين. ذلك الجمع بين المسؤولية الشخصية والمهنية يعكس بعدا إنسانيا لا تحتمله الكلمات وحدها.
مستشفى الشفاء واحد من آخر المستشفيات العاملة في غزة، ويستقبل يوميا أعدادا متزايدة من الضحايا منذ توسع العمليات البرية، صباح ذلك اليوم وصلت سيارات إسعاف بأربع جثث ملفوفة بأكفان بيضاء وتم تمديدها تحت شجرة قريبة، في حين دخلت سيارات إسعاف أخرى مصابين، من بينهم فتى، والمشهد في الفناء الخارجي للمستشفى كان مرآة لحجم الكارثة حيث تعلو أصوات صافرات الإنذار، وتعابير الوجوه التي باتت تختزل حزن غزة كلها.
اليأس من النزوح
في الأحياء التي تم تهجير أهلها، يروي النازحون قصصا عن استحالة الفرار، يقول محمد نصار الذي نزح قبل شهر من حي الصبرة إلى تل الهوى يقول إن القصف المتكرر والتفجيرات جعلت الليالي "صعبة جدا"، ويصف كيف أن الاحتياجات الأساسية اختفت، وكيف أن كلفة النزوح باتت خارج قدرة الناس، اثنان من أبنائه مشيا أقدامهما إلى منطقة المواصي بحثا عن مأوى فلم يجدا خيمة، بينما بقيت العائلة التي لا تملك المال تختار البقاء رغم الخطر، كلمات نصار تختزل قرارا قاسيا يختبره كثيرون هنا: البقاء بالقليل أو المغامرة بالموت على طرق النزوح.
أعلن الدفاع المدني مقتل عشرات المدنيين في قصف ذلك اليوم، وترك النزوح نحو نصف مدينة غزة بلا مأوى، والجيش الإسرائيلي أعلن استعداده لضرب مدينة غزة بقوة غير مسبوقة، في حين تلقي المناشير فوق المدينة دعوة للسكان إلى النزوح شمالا في حين يواجه النازحون في الواقع أسوأ خيارات النجاة: لا مال، لا مأوى، أسعار نقل باهظة جعلت حركة الناس أمرا مستحيلا بالنسبة لآلاف العائلات.
صوت النساء والأمهات
من خيمة إلى أخرى تصف رائدة العمارين، وهي أم في الثانية والثلاثين، واقع الأسر التي لا تملك حتى عشرة شيكل لشراء خبز، تقول إنها تريد النزوح لكنها لا تملك ثمن التوك توك أو الشاحنة الصغيرة، بكلماتها تضع أمام القارئ صورة أم ترزح تحت عبء توفير ماء ورغيف لأطفالها، وتختزل العبارة الوحيدة المتبقية عند كثيرين: إما نموت هنا أو يبادر الآخرون إلى إيجاد حل.
قصة أبو سلمية التي دمجت بين فقد الأسرة وزحمة الواجب في المستشفى هي صورة مصغّرة لما تعيشه غزة اليوم: إنسانية متداعية تحت ضغط الحرب، ومسؤولون يصارعون بين أداء واجبهم وحماية عائلاتهم، وآلاف المدنيين الذين باتت خياراتهم أقل من أن تُسمى خيارات، وفي خضم ذلك، يتحول المستشفى من ملجأ إلى مكان يختبر الحدود القصوى للمعاناة والصمود.
القطاع يشهد موجات متعاقبة من القصف والهجمات البرية التي أدت إلى نزوح جماعي ونقص حاد في الخدمات الطبية والدواء والغذاء، والمستشفيات التي لا تزال تعمل تتعرض لضغوط بالغة، وبات العاملون فيها يقدمون تضحيات يومية في ظل نقص الإمكانات وصعوبة تأمين الإجلاء أو الإمداد، وتفيد الأرقام الرسمية بمئات الضحايا وآلاف النازحين خلال موجات القصف الأخيرة، بينما تظل الحاجة الإنسانية عاجلة ولا تحتمل التأجيل.