بعد اعتقالهم في "أسطول الصمود".. نواب فرنسيون يضربون عن الطعام
بعد اعتقالهم في "أسطول الصمود".. نواب فرنسيون يضربون عن الطعام
أعلن حزب فرنسا الأبية (اليسار الراديكالي) أن أربعة من نوابه الذين اعتقلتهم إسرائيل بعد اعتراضها أسطول الصمود المتجه إلى غزة، بدأوا إضرابًا عن الطعام احتجاجًا على ظروف احتجازهم، وكان الأسطول يهدف إلى كسر الحصار المفروض على القطاع منذ أكثر من 17 عامًا، عبر إيصال مساعدات إنسانية ورمزية تسلط الضوء على الأزمة الإنسانية في غزة.
النواب الأربعة المعتقلون هم فرنسوا بيكمال وماري مسمور، عضوان في الجمعية الوطنية الفرنسية، وريما حسن وإيما فورو، عضوان في البرلمان الأوروبي، ووفقًا لما أعلنته النائبة الأوروبية مانون أوبري، فإن المعلومات المتوفرة عنهم محدودة للغاية، باستثناء ما نقله محاموهم والقنصل الفرنسي الذي تمكن من زيارتهم، بحسب فرانس برس.
بحسب أوبري، يخضع النواب لظروف احتجاز "قاسية"، إذ يقيم أكثر من عشرة أشخاص في زنزانة واحدة، وأضافت أن النواب بدأوا إضرابًا عن الطعام كخطوة احتجاجية، وسط صعوبات حتى في الحصول على المياه، وعززت هذه الرواية المخاوف من انتهاك حقوقهم الأساسية، خاصة أن بعضهم يتمتع بحصانة برلمانية أوروبية أو وطنية.
ردود فعل متباينة داخل فرنسا
القضية سرعان ما تحولت إلى جدل سياسي داخلي في فرنسا، فقد اتهم جان لوك ميلانشون، زعيم حزب فرنسا الأبية، حكومة الرئيس إيمانويل ماكرون بـ"الجبن" إزاء استمرار احتجاز الفرنسيين، وكتب على منصة "إكس" أن "مواطنينا ما زالوا في السجن، والمجالس البرلمانية تتجاهل أعضاءها، والقيم والشعارات الكبرى التي يرفعها من يحكموننا ليست سوى نفاق".
في المقابل، دافعت ناتالي لوازو، النائبة في البرلمان الأوروبي ووزيرة الشؤون الأوروبية السابقة، عن موقف الحكومة، مؤكدة أن فرنسا "تفعل ما ينبغي عليها أن تفعله" من خلال ممارسة الحماية القنصلية لرعاياها، لكنها تساءلت عن أهداف المشاركين في أسطول الصمود، معتبرة أن "الترويج للذات" ربما كان الدافع الأساسي بدلًا من تسليط الضوء على معاناة الفلسطينيين.
بُعد حقوقي ودولي
تثير هذه القضية أبعادًا قانونية وإنسانية معقدة، فبحسب القانون الدولي، يتمتع النواب الأوروبيون بحصانة برلمانية، وهو ما دفع منظمات حقوقية إلى التحذير من أن اعتقالهم يشكل انتهاكًا لهذه الحصانة، فضلًا عن كونه انتهاكًا لحرية التنقل والعمل السياسي السلمي.
كما أشارت منظمات حقوق الإنسان إلى أن اعتراض الأسطول السلمي المتجه إلى غزة يعكس تشديد إسرائيل سياساتها ضد المبادرات المدنية التضامنية مع الفلسطينيين، وتؤكد الأمم المتحدة مرارًا أن الحصار المفروض على غزة "غير قانوني" ويشكل عقابًا جماعيًا لأكثر من مليوني شخص.
وجود ثلاثين مواطنًا فرنسيًا بين المعتقلين يضع باريس أمام معادلة صعبة من جهة تثار ضغوط داخلية متنامية من أحزاب المعارضة التي تتهم الحكومة بالتقاعس في حماية مواطنيها؛ ومن جهة أخرى، علاقات استراتيجية وأمنية مع إسرائيل لا ترغب في تعريضها للتوتر المباشر.
الخبراء يشيرون إلى أن هذه القضية قد تشكل اختبارًا للسياسة الفرنسية تجاه النزاع الفلسطيني–الإسرائيلي، خصوصًا مع تنامي الحراك الشعبي في فرنسا المطالب بمواقف أكثر صرامة ضد الاحتلال الإسرائيلي.
غزة في قلب الجدل
ورغم أن محور الأزمة يتركز الآن على مصير النواب الفرنسيين، فإن الهدف الأصلي من "أسطول الصمود" يظل حاضرًا: لفت الأنظار إلى معاناة سكان غزة تحت الحصار، ونقص الإمدادات الأساسية، وتدهور الأوضاع الإنسانية. فالأمم المتحدة وصفت مرارًا الوضع في القطاع بأنه "أقرب إلى كارثة إنسانية مزمنة".
أساطيل التضامن مع غزة
ليست هذه المرة الأولى التي يُعترض فيها أسطول تضامني متجه إلى غزة. ففي عام 2010، أثار الهجوم الإسرائيلي على أسطول الحرية الذي كان يقوده نشطاء دوليون موجة غضب واسعة بعد مقتل عشرة نشطاء أتراك، ومنذ ذلك الحين، ظلت المبادرات المدنية لكسر الحصار تتعرض لاعتراضات عسكرية إسرائيلية متكررة، وسط إدانات حقوقية واسعة.
قضية اعتقال النواب الفرنسيين من "أسطول الصمود" تمثل نقطة التقاء بين الإنساني والسياسي والقانوني. فهي تكشف عن هشاشة حرية العمل البرلماني والحقوقي في ظل النزاع المستمر، وتعيد إلى الواجهة معاناة سكان غزة المحاصرين، وبينما يدخل النواب يومهم الأول في الإضراب عن الطعام، تبقى الأنظار موجهة إلى باريس.. هل ستنجح في استعادة رعاياها المعتقلين، أم أنّ الحسابات السياسية ستغلب على مسؤولياتها الإنسانية؟