الأمم المتحدة تدعو إلى تحرك دولي عاجل لإنقاذ السودان من الانهيار الإنساني
الأمم المتحدة تدعو إلى تحرك دولي عاجل لإنقاذ السودان من الانهيار الإنساني
أطلق أربعة من كبار مسؤولي الأمم المتحدة نداءً عاجلاً إلى المجتمع الدولي للتدخل السريع في السودان، محذرين من تفاقم المعاناة الإنسانية والمخاطر التي تهدد ملايين المدنيين جراء استمرار النزاع وتدهور الأوضاع المعيشية.
وأكد المسؤولون الأمميون، في بيان مشترك عقب زيارة ميدانية شملت دارفور والخرطوم ومناطق أخرى، التزامهم بمواصلة تقديم المساعدات المنقذة للحياة وحماية الأطفال والعائلات في مختلف أنحاء البلاد، مشيرين إلى أن المجتمع الإنساني مستعد لكنه لا يستطيع العمل بمفرده دون دعم دولي عاجل.
أكثر من 30 مليون إنسان بحاجة إلى المساعدة
يواجه السودان حالياً واحدة من أسوأ الأزمات الإنسانية في العالم، إذ يحتاج أكثر من 30 مليون شخص إلى المساعدات، منهم نحو 9.6 مليون نازح داخلي وما يقرب من 15 مليون طفل يعانون من سوء التغذية والأمراض.
ومنذ مطلع عام 2025، عاد أكثر من مليون شخص إلى الخرطوم وحدها، في حين بلغ إجمالي العائدين إلى ديارهم نحو 2.6 مليون شخص بعد هدوء نسبي في بعض المناطق، إلا أن العودة ما تزال محفوفة بالمخاطر.
وقالت أوغوتشي دانييلز، نائبة المدير العام للعمليات في المنظمة الدولية للهجرة، إن مشهد العودة إلى الخرطوم يعكس "صموداً استثنائياً وتحذيراً في الوقت ذاته"، مشيرة إلى أن المدينة لا تزال تعاني آثار الدمار ونقص الخدمات الأساسية وانتشار الأمراض مثل الكوليرا والملاريا وحمى الضنك، وهو ما يجعل الاستثمار في المياه النظيفة والرعاية الصحية ضرورة ملحة.
قيود خطِرة على الوصول الإنساني
رغم الحاجة الماسة، ما تزال عمليات الإغاثة تواجه صعوبات كبيرة بسبب القيود الأمنية والبيروقراطية وتدهور البنية التحتية.
وقالت كيلي كليمنتس، نائبة المفوض السامي لشؤون اللاجئين، بعد زيارتها لمواقع النزوح في بورتسودان ومحيط الخرطوم، إن ما يحدث في السودان يمثل "واحدة من أسوأ أزمات الحماية منذ عقود"، مضيفة أن ملايين النازحين يفتقرون إلى المأوى والدعم، في حين تضطر عائلات بأكملها إلى الفرار عبر طرق خطرة بحثاً عن الأمان.
أطفال يواجهون الجوع والمرض
من جانبه، قال تيد شيبان، نائب المديرة التنفيذية لمنظمة اليونيسف، إن ما شاهده في دارفور وأقاليم أخرى يعكس مأساة إنسانية غير مسبوقة، مؤكداً أن الأطفال يواجهون خطر الجوع والأمراض والعنف وانهيار الخدمات الأساسية.
وأضاف أن تصميم العائلات على البقاء رغم المعاناة يستدعي استجابة عالمية عاجلة لتأمين الوصول الإنساني والموارد ووقف القتال لإنقاذ المستقبل.
أزمة تمويل تهدد العمليات الإنسانية
تواجه خطة الاستجابة الإنسانية للسودان للعام 2025، والبالغة 4.2 مليار دولار، عجزاً حاداً في التمويل إذ لم يُغطَّ منها سوى 25 في المئة فقط، ويهدد هذا النقص بوقف أو تقليص البرامج الإنسانية التي يستفيد منها أكثر من 13.5 مليون شخص.
وقالت فاليري غوارنييري، المديرة التنفيذية المساعدة لبرنامج الأغذية العالمي، إنها رأت بأم عينها مدينة دمرتها الحرب، مضيفة: "العائلات العائدة إلى الخرطوم تحتاج إلى الغذاء والماء والخدمات، لكنها -رغم الألم- تتمسك بالأمل والرغبة في إعادة البناء".
مطالب عاجلة للمجتمع الدولي
دعت الوكالات الأممية الأربع إلى اتخاذ خطوات عاجلة تشمل وقف الأعمال العدائية فوراً، وضمان وصول المساعدات دون معوقات إلى جميع المناطق المتضررة، وتبسيط الإجراءات اللوجستية والإدارية، إلى جانب توفير تمويل مرن لتوسيع نطاق التدخلات الإنسانية.
كما شددت على ضرورة دعم الحلول الدائمة للنازحين والعائدين والمجتمعات المضيفة، وتوفير الحماية والخدمات لما يقرب من تسعمئة ألف لاجئ داخل السودان.
ومن المقرر أن يعقد المسؤولون الأربعة مؤتمراً صحفياً في نيويورك لعرض نتائج زيارتهم إلى السودان وتأكيد ضرورة التحرك العاجل.
تصاعد العنف يفاقم الأزمة
في موازاة ذلك، حذر مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية من تصاعد الهجمات بالطائرات المسيرة والاشتباكات في مناطق متعددة بالسودان، ولا سيما مدينة الفاشر بولاية شمال دارفور التي تعيش وضعاً إنسانياً كارثياً.
وأفادت تقارير بوقوع ضربات جوية متكررة على أحياء مدنية ومرافق حيوية، شملت مطار الخرطوم ومدناً أخرى في ولايات سنار والنيل الأزرق وكردفان، ما تسبب في انقطاع واسع للكهرباء وتدمير البنية التحتية الحيوية.
وأكد المكتب ضرورة حماية المدنيين ومنع استهداف المنشآت الأساسية، مجدداً الدعوة إلى وقف فوري للقتال وضمان وصول المساعدات الإنسانية بأمان.
اندلع النزاع في السودان في أبريل 2023 بين القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع، ما أدى إلى أزمة إنسانية غير مسبوقة في تاريخ البلاد الحديث. وأسفر القتال عن مقتل الآلاف وتشريد الملايين داخلياً وخارجياً، مع انهيار الخدمات الأساسية وشلل الاقتصاد.
ويُعد السودان اليوم أحد أكثر بلدان العالم هشاشة، حيث تتقاطع فيه الأزمة الإنسانية مع مخاطر المجاعة وتفشي الأوبئة، وسط صعوبات كبيرة في إيصال المساعدات بسبب انعدام الأمن والقيود المفروضة على المنظمات الدولية.
وتؤكد الأمم المتحدة أن وقف القتال وفتح ممرات آمنة للمساعدات يمثلان شرطين أساسيين لمنع انهيار شامل في بلد يقف على حافة الكارثة.











