بين القتل والترحيل والوباء.. تصاعد العنف واتساع المأساة الإنسانية في السودان
بين القتل والترحيل والوباء.. تصاعد العنف واتساع المأساة الإنسانية في السودان
تفاقمت الأزمة الإنسانية في السودان مع ازدياد جرائم القتل والخطف والانتهاكات ضد النساء والأطفال، وسط تدهور أمني وصحي غير مسبوق، ما أثار مخاوف من تحول البلاد إلى بيئة خطرة تهدد الفئات الأضعف في المجتمع، حيث باتت حتى الملاجئ التي يُفترض أن تكون أماكن آمنة مصدر معاناة نفسية وجسدية لقاطنيها.
وهاجمت قوات الدعم السريع، اليوم الثلاثاء، منطقة عد بابكر بشرق النيل في ولاية الخرطوم، مستخدمة أربع طائرات مسيّرة انتحارية، ما أدى إلى مقتل أب وطفلته وإصابة طفلة أخرى، بحسب ما ذكرت وكالة “JINHA”.
وأفادت وسائل إعلام سودانية بأن الطائرات استهدفت منازل المدنيين بشكل مباشر، في استمرارٍ للنهج الذي يحصد أرواح الأبرياء، ويزيد من حالة الرعب وسط السكان، الذين يعيشون منذ أكثر من عام ونصف العام تحت القصف المتكرر وانعدام الأمن.
ترحيل قسري للعشرات
في انتهاك جديد لحقوق الإنسان، رحّلت السلطات السودانية قسراً 106 نساء من الجنوب إلى منطقة وانطو الحدودية، وسط ظروف إنسانية قاسية، من بينهن 61 امرأة تركن أطفالهن في الخرطوم دون معرفة مصيرهم.
وأثار هذا الإجراء قلقاً واسعاً بشأن مصير الأطفال الذين بقوا بلا ذويهم، ودفع محافظ المنطقة إلى إصدار قرار بحجز الحافلات التي نفذت عملية الترحيل إلى حين إعادة الأطفال لأمهاتهم.
وقد سارعت منظمات إنسانية إلى تقديم مساعدات طارئة للنساء المرحّلات، في محاولة للتخفيف من آثار الأزمة التي فُرضت عليهن قسراً.
وبحسب إحصائيات الأمم المتحدة، نزحت منذ أبريل 2023 نحو 52% من النساء السودانيات بسبب النزاع، لكن لا تتوافر بيانات دقيقة عن النساء الجنوبيات اللاتي تعرضن للترحيل القسري أو النزوح القهري.
مقتل 17 طفلًا في الفاشر
في مأساة أخرى، قُتل 17 طفلًا في هجوم على مركز للنازحين بمدينة الفاشر، بحسب ما أعلنته منظمة اليونيسف في بيانها الصادر الأحد الماضي، مؤكدة أن الهجوم استهدف منشأة تؤوي عائلات نازحة، في انتهاك صارخ للقانون الدولي الإنساني.
وأشارت المنظمة إلى أن قتل الأطفال داخل أماكن يُفترض أن تكون آمنة "أمر غير معقول"، داعيةً الأطراف المتحاربة إلى احترام حياة المدنيين ووقف استهداف الملاجئ ومراكز الإيواء.
وتفيد تقارير الأمم المتحدة بأن أكثر من 2000 طفل سوداني تعرضوا للعنف والتشويه والاختطاف والتجنيد القسري منذ اندلاع النزاع، فيما اختفى نحو 1000 طفل بين عامي 2023 و2024، وقُتل نحو 3000 طفل وطفلة وفق إحصائية المجلس الوطني لرعاية الطفولة في سبتمبر 2024.
تدهور إنساني وصحي
في ظلّ استمرار الحرب، تتراجع قدرة المنظمات الإنسانية على الوصول إلى المحتاجين. فقد أكدت منسقة الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية في السودان عدم إمكانية إرسال شحنات إغاثية إلى الفاشر نتيجة إغلاق الطرق وتصاعد القتال، مشيرةً إلى أن 120 عاملاً إنسانياً فقدوا حياتهم منذ بدء النزاع.
وأدت الهجمات المتكررة إلى تفاقم أزمة الغذاء، إذ توقفت معظم المطابخ الخيرية بسبب نفاد المواد الغذائية، ووصل الأمر ببعض السكان إلى تناول أوراق الأشجار وعلف الحيوانات للبقاء على قيد الحياة، بحسب شهود عيان.
وسجلت ولاية الخرطوم 15 إصابة مؤكدة بمرض الدفتيريا، بينها ثلاث وفيات خلال ثلاثة أيام فقط في منطقة الجريف شرق، وفق ما أفادت أديبة إبراهيم السيد، أخصائية الأوبئة وعضوة نقابة أطباء السودان، التي حذّرت من تفشٍ وشيكٍ للمرض.
وأكدت أن الأوضاع الصحية بلغت مرحلة الخطر في ظل غياب الإجراءات الوقائية ونقص الأدوية المنقذة للحياة، التي باتت تُباع في السوق السوداء بأسعار باهظة.
وأعلنت وزارة الصحة السودانية تسجيل 409 إصابات بالكوليرا و13 وفاة في عدة ولايات، إضافة إلى انتشار حمى الضنك في مناطق متعددة من العاصمة.
أزمة ممتدة بلا أفق
تتداخل اليوم في السودان الأزمات الأمنية والإنسانية والصحية في مشهد كارثي يعكس انهيار مؤسسات الدولة وعجز المجتمع الدولي عن وقف المأساة.
ويحذر المراقبون من أن استمرار العنف دون تدخل فاعل سيؤدي إلى انهيار شامل للنظام الإنساني في البلاد، حيث يُترك المدنيون، وخصوصاً النساء والأطفال، لمصيرٍ مجهول بين القصف والجوع والمرض.