وسط الحرب الطاحنة.. آلاف المتطوعين يضمدون جراح السودان
وسط الحرب الطاحنة.. آلاف المتطوعين يضمدون جراح السودان
يخوض آلاف المتطوعين السودانيين معركة من نوع آخر، لا يُرفع فيها السلاح بل تُمد فيها الأيادي لمداواة الجراح، عبر شبكة "غرف الطوارئ" التي تحولت إلى الركيزة الإنسانية الأولى في السودان منذ اندلاع الحرب في أبريل 2023 بين الجيش النظامي بقيادة عبدالفتاح البرهان وقوات الدعم السريع بقيادة محمد حمدان دقلو (حميدتي).
وقد رُشحت هذه الشبكة لنيل جائزة نوبل للسلام تقديراً لدورها في إغاثة ملايين السودانيين وسط واحدة من أعنف الحروب التي شهدها البلد في تاريخه الحديث، بحسب ما ذكرت وكالة “فرانس برس”، اليوم الثلاثاء.
ويؤكد المتطوع ضياء الدين المالك، أن "غرف الطوارئ تتكوّن من أطباء ومهندسين وطلاب ومحاسبين وعاطلين عن العمل، جمعهم هدف واحد هو إنقاذ مجتمعاتهم".
وانتشرت هذه الغرف في جميع ولايات السودان، لتصبح مظلة تضم آلاف المتطوعين الشباب الذين يعملون خارج الأطر الرسمية، وغالباً بتمويل محدود أو بدعم من مؤسسات دولية تعجز عن الوصول الميداني بفعل المعارك والدمار.
وأشادت دينيس براون، المنسقة الإنسانية للأمم المتحدة في السودان، بجهودهم قائلة: "إنهم أشخاص يتحلون بالشجاعة والمعرفة والقدرة على فهم الحاجات المحلية، ويعرفون اللغة والبيئة والمخاطر أكثر من أي جهة أخرى".
قلب العمل الإنساني
وصف شاشوات ساراف، مدير المجلس النرويجي للاجئين، هذه الشبكة بأنها "القلب النابض للعمل الإنساني في السودان"، موضحاً أنها تقوم بأدوار متعددة تشمل الإسعاف الميداني، وإدارة المستشفيات المؤقتة، وإصلاح شبكات المياه والكهرباء، وبناء المدارس، وتقديم الدعم النفسي والغذائي للمشردين وضحايا العنف.
وقال ضياء الدين المالك: "في بداية الحرب، كانت الجثث تملأ الشوارع، ولم يكن هناك أي فاعل رسمي، فاضطر المواطنون لتولي زمام المبادرة بأنفسهم".
وبذلك، واصلت هذه الغرف الإرث الإنساني الذي تركته لجان المقاومة التي وُلدت عام 2013 خلال احتجاجات ضد حكم عمر البشير وأسهمت في إسقاطه لاحقاً، قبل أن تلعب دوراً مجتمعياً خلال جائحة كوفيد-19 عام 2020.
حياة تُبنى من الرماد
في مدينة الدلنج بإقليم جنوب كردفان، يروي الناشط الصديق عيسى، أحد أعضاء الغرفة المحلية، أن المجموعة تضم 36 متطوعاً موزعين على أقسام اللوجستيات، والعلاقات الخارجية، والتوثيق، وحماية النساء، والتدريب والأمن.
ويقول إنهم يعملون "في أصعب الظروف، دون تمويل كافٍ، لكن بإرادة لا تنكسر".
أما أمجاهد موسى، وهي شابة تبلغ 22 عاماً وتعيش في المدينة نفسها، فتقول لمراسل فرانس برس: "لا نعرف كيف كنا سنعيش من دونهم.. إنهم يجلبون لنا الطعام والدواء وأحياناً مجرد الكلمة الطيبة التي تبقينا على قيد الأمل".
وتشير الأمم المتحدة إلى أن جهود غرف الطوارئ وصلت إلى أكثر من أربعة ملايين شخص خلال الأشهر الأولى من الحرب، في حين نجحت فرق المتطوعين في ولاية الجزيرة باستقبال أكثر من مليون نازح عادوا إلى مناطقهم بعد استعادة الجيش السيطرة عليها.
وهناك، أنشئت مراكز لتوزيع الأدوية وتقديم الإسعافات الأولية وملاجئ آمنة للنساء والأطفال.
بين التهديد والمجازفة
تعمل هذه المجموعات في الخطوط الأمامية من الكارثة الإنسانية، حيث يُعدّ توثيق الانتهاكات من أخطر مهامها، فهي توثق جرائم الجيش والدعم السريع ضد المدنيين، وتقدّم بياناتها للمنظمات الدولية كونها مصدراً موثوقاً في ظل فوضى الأخبار المضللة، لكن هذا النشاط جعلها تحت المجهر الأمني.
يقول ضياء الدين المالك: "أخطر ما نواجهه هو خطر الاعتقال من الأجهزة الأمنية التي تتهمنا بأننا امتداد للثورة أو للجان المقاومة"، مشيراً إلى أن عدداً من زملائه اعتُقلوا بالفعل.
وفي سبتمبر الماضي، منحت مؤسسة رافتو لحقوق الإنسان هذه الشبكة جائزتها السنوية تقديراً "لمبادراتها المبدعة في التضامن والعمل الجماعي"، كما رُشحت أيضاً لجائزة نوبل للسلام لعام 2025 قبل أن تُمنح للمعارضة الفنزويلية ماريا كورينا ماتشادو.
وبرغم عدم الفوز بالجائزة، حصدت غرف الطوارئ اعترافاً عالمياً بأنها الوجه الإنساني للسودان المنكوب، وجسّدت ما وصفه أحد مسؤولي الإغاثة بـ"النموذج النادر للتعاون الشعبي في زمن الحرب".










