وسط تدهور الأوضاع المعيشية.. هجرة العقول تضرب الجامعات الإيرانية
وسط تدهور الأوضاع المعيشية.. هجرة العقول تضرب الجامعات الإيرانية
تفاقمت أزمة هجرة الطلاب وأعضاء هيئة التدريس في الجامعات الإيرانية بشكل غير مسبوق، في ظل تراجع المستوى الأكاديمي وتدهور الظروف المعيشية داخل المؤسسات التعليمية، ما يهدد مستقبل البحث العلمي في البلاد.
أعلن نائب رئيس جامعة طهران محمود كمرهأي، السبت، أن نحو 30 في المائة من طلاب الجامعة يُقبلون عبر نظام "الساعات المعتمدة"، مشيرًا إلى أن الإحصاءات النهائية للعام الجاري لم تكتمل بعد، لكن النسبة بقيت ثابتة في الأعوام السابقة، بحسب ما ذكرت شبكة "إيران إنترناشيونال".
وأوضح كمرهاي، أن أكثر من 150 من الحاصلين على المراتب الأولى في اختبارات القبول الوطنية التحقوا بجامعة طهران، غير أن توزيعهم بين التخصصات ما زال غير متوازن، ما يعكس التفاوت في جودة البرامج الأكاديمية داخل الجامعة.
عناصر من "الحشد الشعبي"
أثار تقرير رسمي نُشر في يوليو 2024 عاصفة من الجدل داخل الأوساط الطلابية، بعدما كشف عن اتفاق بين جامعة طهران وميليشيا الحشد الشعبي العراقية للسماح لعناصرها بالدراسة في الجامعة.
وأصدر عدد من النشطاء الطلابيين بيانًا اعتبروا فيه الخطوة "عسكرة للحرم الجامعي"، مؤكدين استعدادهم لمقاومة محاولات إدخال عناصر عسكرية إلى الحياة الأكاديمية الإيرانية.
واعتبر مراقبون أن هذه الخطوة تمثل جزءًا من توجه أوسع نحو تسييس الجامعات وتوجيهها لخدمة الأجندة الأمنية، في وقت تعاني فيه المؤسسات التعليمية من أزمة نزيف الكفاءات الأكاديمية.
هجرة النخب العلمية
كشف كارن أبری نیا، أمين النقابة الأكاديمية لأعضاء هيئة التدريس في إيران، أن نحو 66 ألف طالب إيراني هاجروا بين عامي 2000 و2020، وفقًا للإحصاءات الرسمية، في حين تشير تقديرات أخرى إلى أن الرقم الحقيقي يتجاوز 200 ألف طالب خلال تلك الفترة.
وأوضح أبری نیا لموقع خبرأونلاین، أن معظم المهاجرين من خريجي الجامعات المرموقة، مضيفًا أن كل واحد منهم كان يمكن أن يكون "محورًا لتطور علمي حقيقي داخل البلاد".
وأشار إلى أن الفترة بين 2018 و2024 شهدت خروج نحو 1,500 أستاذ من أصل 6,000 في التخصصات الهندسية بالجامعات الكبرى، أي ما يعادل ربع الكادر الأكاديمي في هذه المجالات.
وفي كلية الهندسة الميكانيكية بجامعة طهران وحدها، أكد أن نحو عشرة أساتذة تقاعدوا أو غادروا البلاد في إجازات بحثية ولم يعودوا بعد، ما أدى إلى فجوات كبيرة في العملية التعليمية والبحثية.
إقالات في عهد رئيسي
في عام 2023، فرضت السلطات الإيرانية قيودًا على 200 أستاذ جامعي، بينما تم فصل 25 منهم رسميًا، في خطوة وصفها أكاديميون بأنها جزء من حملة "تطهير سياسي" تستهدف الأصوات المستقلة داخل الجامعات.
وأكد محمد جليلي، رئيس مركز استقطاب أعضاء هيئة التدريس في وزارة الصحة، في أبريل 2025 أن موجة الاستقالات والهجرة امتدت إلى الجامعات المركزية الكبرى، حيث اتجه عدد متزايد من الأساتذة نحو القطاع الخاص أو الخارج بحثًا عن ظروف أفضل.
ووصف الأستاذ في جامعة شريف الصناعية إبراهيم آزادكان الوضع بأنه "كارثي"، موضحًا أن "الجامعة خسرت نحو 70 أستاذًا خلال ثلاث سنوات، ولم نتمكن حتى الآن من إيجاد بدائل مناسبة لهم".
ضغوط نفسية وسياسية
أكد أبری نيا أن الضغوط على أعضاء هيئة التدريس ازدادت بشكل واضح في عهد الرئيس إبراهيم رئيسي، كاشفًا عن ممارسات وصفت بأنها "مهينة" ضد بعض الأساتذة.
وقال: "استُدعي أحد زملائنا إلى غرفة مغلقة وسُئل إن كان يعرف تلاوة القرآن، فلما أجاب بالإيجاب طلبوا منه القراءة أمامهم".
وفي واقعة أخرى، "سُئل أحد الأساتذة الشباب لماذا لم يتزوج بعد، وأُبلغ بأنه إذا لم يتزوج خلال عام فلن يُجدد عقده".
وفي 7 أكتوبر الجاري، أعلن مسعود تجريشي، القائم بأعمال رئيس جامعة شريف الصناعية، أن 26 عضوًا من هيئة التدريس قطعوا تعاونهم نهائيًا مع الجامعة، محذرًا من أن ذلك يعني خسارة نحو 130 بحثًا علميًا سنويًا.
تحذير من نزيف العقول
أوضح تجريشي أن الجامعة تضم 460 أستاذًا فقط، وأن مغادرة هذا العدد الكبير تمثل خطرًا استراتيجيًا على مستقبلها العلمي، مضيفًا: "إذا لم تتخذ السلطات إجراءات عاجلة، فإن نزيف العقول سيستمر تحت غطاء الإجازات الأكاديمية حتى يفرغ الحرم الجامعي من كفاءاته".
وتؤكد هذه التطورات أن الجامعات الإيرانية تواجه أخطر مراحلها منذ الثورة الإسلامية عام 1979، إذ تتقاطع الأزمات السياسية والاقتصادية والاجتماعية لتضع مستقبل التعليم العالي في مهب الريح.










