الأمم المتحدة: العالم يسير نحو انهيار مناخي وارتفاع بمقدار 2.8 درجة
فشل جماعي في الوفاء بالالتزامات
حذرت الأمم المتحدة من أن العالم يسير نحو "انهيار مناخي" مع ارتفاع متوسط درجة الحرارة العالمية بمقدار 2.8 درجة مئوية، استنادًا إلى السياسات الحكومية الحالية، يأتي هذا التحذير، قبل أيام من انطلاق محادثات المناخ العالمية في البرازيل، حيث تُعقد قمة رؤساء الدول تمهيدًا لمؤتمر الأطراف الثلاثين (كوب30).
وحذر الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، من أن تجاوز الحد البالغ 1.5 درجة مئوية منذ بداية العصر الصناعي أصبح "أمرًا لا مفر منه"، مشيرًا إلى أن "الطريق إلى مستقبل صالح للعيش يزداد صعوبة يومًا بعد يوم".
تؤكد هذه التصريحات أن أزمة المناخ لم تعد مسألة بيئية فحسب، بل باتت قضية حقوق إنسان أساسية، ترتبط مباشرة بالحق في الحياة والصحة والمياه والغذاء والبيئة الآمنة.
ووفقاً لصحيفة "فايننشال تايمز" ، فإن التحسن الطفيف في التوقعات المناخية سينقلب جزئيًا بفعل انسحاب الولايات المتحدة من خطط الحد من الاحتباس الحراري، وهو ما سيؤدي إلى محو نحو 0.1 درجة مئوية من التقدم المُحرز.
وتُظهر نتائج التقرير أن خطط المناخ الوطنية للعقد المقبل لم تحقق سوى "تقدم محدود للغاية"، إذ لا تزال الفجوة بين السياسات المعلنة والمطلوبة لسد أزمة الانبعاثات واسعة وخطيرة.
فشل في الالتزامات الدولية
أكدت صحيفة "بوليتيكو" أن الدول "بعيدة كل البعد" عن تحقيق أهداف اتفاقية باريس للمناخ، وأن الخطط الوطنية الجديدة لم تؤثر فعليًا في مسار ارتفاع درجات الحرارة العالمية.
ويشير تحليل "فجوة الانبعاثات" السنوي للأمم المتحدة إلى أن العالم يسير نحو ارتفاع يتراوح بين 2.3 و2.5 درجة مئوية فوق مستويات ما قبل العصر الصناعي بحلول عام 2100، ما يتجاوز بكثير الهدف الطموح لاتفاقية باريس المتمثل في إبقاء الزيادة أقل من درجتين مئويتين والسعي لعدم تجاوز 1.5 درجة.
وأوضحت بوليتيكو أن هذا المسار يُعد تحسنًا طفيفًا مقارنة بما قبل اتفاقية باريس، حين كانت التقديرات تشير إلى احتمال ارتفاع درجات الحرارة بمقدار 4 درجات مئوية، لكنه يبقى غير كافٍ لتجنب العواقب الكارثية.
ويُظهر التقرير أن الدول حاولت ثلاث مرات تحقيق أهداف خفض الانبعاثات منذ عام 2015، لكنها أخفقت في كل مرة، مع الإقرار بحاجة العالم إلى "تخفيضات غير مسبوقة في انبعاثات غازات الاحتباس الحراري، في إطار زمني يضيق باستمرار".
تُبرز الأمم المتحدة أن هذا الفشل المستمر في الوفاء بالالتزامات المناخية يُشكل تهديدًا مباشرًا لحقوق الأجيال القادمة، ويُقوّض مبدأ العدالة المناخية الذي تنص عليه المواثيق الدولية لحقوق الإنسان.
غياب الالتزام السياسي
أوضحت "فايننشال تايمز" أن الانبعاثات ارتفعت بنسبة 2.3% العام الماضي مقارنة بـ1.6% في العام الذي سبقه، وهو معدل نمو يماثل ما شهده العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، وأعلى بأربع مرات من المعدل خلال العقد الثاني.
ويُعزى ذلك إلى ازدياد إزالة الغابات، وتوسع استخدام الأراضي الزراعية، وارتفاع حرق الوقود الأحفوري. وبينما انخفضت الانبعاثات في الاتحاد الأوروبي، ظلّت في ارتفاع حاد في الاقتصادات الكبرى الأخرى.
وأضافت الصحيفة أن ارتفاع الانبعاثات ترافق مع "شكوك كبيرة" في البيانات المتعلقة باستخدام الأراضي، كما أسهمت ظاهرة النينيو في تفاقم الانبعاثات، وتخلص الأمم المتحدة إلى أن الحد من الاحترار إلى 1.5 درجة مئوية لا يزال "ممكنًا من الناحية التقنية"، لكن سد فجوة الانبعاثات يتطلب إجراءات فورية وغير مسبوقة.
وأشارت "بوليتيكو" إلى أن انسحاب الولايات المتحدة من اتفاقية باريس للمناخ للمرة الثانية تحت إدارة الرئيس دونالد ترامب سيؤدي إلى زيادة الانبعاثات الأمريكية بمقدار جيجا طن واحد بحلول عام 2030، مقارنة بهدف الإدارة السابقة بخفضها إلى نحو 3 جيجا طن، وتصف الأمم المتحدة هذا التحول بأنه "انتكاسة كبيرة"، تُعيد تشكيل المسار المناخي العالمي، وتُهدد تحقيق العدالة المناخية الدولية.
الحق في بيئة آمنة
من جانبها، تركز مجلة "تايم" على البعد الإنساني للأزمة المناخية، وتصف الفشل في بلوغ هدف 1.5 درجة مئوية بأنه "تهديد وجودي للحق في بيئة آمنة وصحية"، وتشير المجلة إلى أن الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، اعترف بفشل العالم في تجنب تجاوز هذا الحد في السنوات القليلة المقبلة، محذرًا من "عواقب وخيمة" على النظم البيئية والموارد الحيوية.
وتوضح أن اتفاقية باريس التي وُقّعت قبل عشر سنوات، كانت تهدف إلى بلوغ ذروة الانبعاثات بحلول عام 2025 وخفضها إلى النصف بحلول عام 2030، لكن البيانات تشير إلى أن الانبعاثات زادت بنسبة 1.3% في عام 2024، ما يجعل تحقيق الهدف شبه مستحيل، ومع ذلك، لا تزال الأمم المتحدة تؤكد أن الوصول إلى 1.5 درجة مئوية "مؤقتًا" لا يعني استحالة العودة دونه لاحقًا، شريطة اتخاذ إجراءات تصحيحية عاجلة.
وأكد الأستاذ جوري روجيلج، من إمبريال كوليدج لندن، أن "الآثار الحرجة للاحتباس الحراري تتسارع بسرعة مع ارتفاع درجات الحرارة بين 1.5 و2 درجة مئوية"، موضحًا أن النظم البيئية مثل الشعاب المرجانية، والأنظمة الجبلية والقطبية، تعاني بالفعل من أضرار جسيمة لا يمكن عكسها بسهولة.
مسؤولية قانونية وأخلاقية
تُبرز "تايم" أن محكمة العدل الدولية أصدرت في يوليو رأيًا استشاريًا أكدت فيه أن الدول "ملزمة قانونًا بحماية البيئة ومنع الإضرار بها"، ما يُعزز الإطار القانوني الدولي للحق في بيئة نظيفة وصحية.
وتُشير فريدريك أوتو، أستاذة علوم المناخ في إمبريال كوليدج لندن، إلى أن هذا القرار "يُسهّل على الحكومات تبني سياسات أكثر طموحًا لمكافحة تغير المناخ"، باعتبارها التزامًا حقوقيًا وليس خيارًا سياسيًا.
وتكشف المجلة أن أكثر من 100 دولة لم تقدّم بعد إسهماتها المحددة وطنيًا (NDCs) المحدثة، رغم أن الموعد النهائي كان في 30 سبتمبر، وأن أكثر من ثلثي الأطراف في اتفاقية باريس لم تُنفذ بعد خططها لعام 2030.
وتُحذر الأمم المتحدة من أن هذا التأخير "يُعرّض حياة الملايين للخطر"، ويُهدد الأمن الغذائي والمائي ويقوّض التنمية المستدامة.
مستقبل العدالة المناخية
تُشير "فايننشال تايمز" إلى أن فجوة الانبعاثات الحالية تتراوح بين 12 و23 مليار طن سنويًا، وهي الكمية التي يجب خفضها للحفاظ على الاحترار في حدود آمنة، كما سيؤدي نهج الإدارة الأمريكية الجديدة إلى زيادة هذه الفجوة بمقدار ملياري طن إضافيين، ما يجعل تحقيق أهداف عام 2035 أكثر صعوبة.
وأكدت المديرة التنفيذية لبرنامج الأمم المتحدة للبيئة، إنغر أندرسن، أن "الدول حاولت ثلاث مرات الوفاء بوعودها، لكنها فشلت في كل مرة"، مضيفةً أن "العمل المناخي ليس ترفًا، بل ضرورة إنسانية لحماية الحياة على الأرض".
وتُبرز "تايم" جانبًا آخر من الصورة، إذ تُشير إلى أن الطاقة المتجددة أصبحت تتفوق لأول مرة على الفحم بوصفه مصدراً رئيسياً للكهرباء عالميًا، حيث أسهمت بنسبة 34.3% من إجمالي الكهرباء في النصف الأول من عام 2025، ورغم هذا التطور، ترى الأمم المتحدة أن التحول لا يزال غير كافٍ لإبطاء الاحترار العالمي بالسرعة المطلوبة.
وتخلص المجلة إلى أن تجاوز حد 1.5 درجة مئوية لن يعني نهاية المعركة، بل "بداية اختبار حقيقي لقدرة العالم على احترام حق الإنسان في بيئة آمنة وصالحة للعيش"، وتضيف أن الاستمرار في خفض الانبعاثات "واجب أخلاقي وقانوني" على الحكومات، لضمان بقاء الكوكب قابلًا للحياة للأجيال المقبلة.










