تعليقها يهدد الحريات.. دعوات حقوقية لإنقاذ الجمعيات النسوية في تونس

تعليقها يهدد الحريات.. دعوات حقوقية لإنقاذ الجمعيات النسوية في تونس
تظاهرة تونسية داعمة للجمعيات الحقوقية

دعت ناشطات وحقوقيات تونسيات إلى إنقاذ الجمعيات النسوية من قرارات التعليق الحكومية التي شلّت أنشطتها منذ أكثر من شهر، معتبرات أن الإجراء يمثل سابقة خطيرة في تاريخ المجتمع المدني التونسي ويهدد بانهيار إحدى أهم ركائز منظومة حقوق الإنسان في البلاد، خصوصاً فيما يتعلق بحماية النساء والفتيات من العنف والإقصاء.

وذكرت مصادر حقوقية تونسية أن قرار تعليق نشاط الجمعيات، خاصة النسوية منها، لم يُرفع حتى الآن رغم استيفاء جميع المتطلبات القانونية التي طلبتها الجهات الرسمية، بحسب ما ذكرت وكالة "JINHA"، اليوم الخميس.

وأوضحت أن استمرار التعليق يثير "مخاوف جدية من نية السلطات خنق الفضاء المدني وإسكات الأصوات الناقدة"، مشيرةً إلى أن القرار شمل منظمات ذات تاريخ طويل في الدفاع عن حقوق الإنسان، مثل الجمعية التونسية للنساء الديمقراطيات، ورابطة المواطنة والعدالة الجندرية.

وأكدت ناشطات أن هذه الخطوة تأتي ضمن سياسة تضييق متصاعدة ضد الحريات المدنية والإعلامية، في ظل ارتفاع غير مسبوق في القيود المفروضة على الصحافة والتعبير والتنظيم الجمعياتي منذ عام 2021، حين بدأ مسار سياسي جديد وصفه مراقبون بأنه "تراجع عن مكاسب الثورة التونسية".

نضال الحركة النسوية 

استعرضت الناشطة النسوية والباحثة في علم الاجتماع نجاة العرعاري تاريخ الحركة النسوية في تونس، مشيرة إلى أنها شكلت منذ ثلاثينات القرن الماضي دعامة للحركة الوطنية التي ناضلت من أجل تحرير البلاد وتعليم المرأة ومساواتها بالرجل. 

وقالت "أسهمت المنظمات النسوية في دعم الكفاح الوطني، وجمعت التبرعات، وناضلت من أجل حق النساء في التعليم والعمل والمشاركة السياسية"، مضيفة أن المنظمات النسوية لم تكن يوماً كياناً معزولاً بل قوة اجتماعية وإنسانية امتدت جذورها في نسيج الدولة والمجتمع.

وحذّرت العرعاري من أن تعليق أنشطة الجمعيات النسوية يُعد ضربة قاصمة لمسار طويل من النضال الحقوقي، مؤكدة أن هذه الجمعيات تشكل قوة اقتراح ورقابة في المنظومة الديمقراطية، كما تتابع مدى احترام مؤسسات الدولة للاتفاقيات الدولية الخاصة بحقوق المرأة التي صادقت عليها تونس.

تداعيات اقتصادية واجتماعية

أوضحت العرعاري أن القرار لم يجمّد فقط العمل المدني، بل شلّ أنشطة تنموية واقتصادية مرتبطة بهذه الجمعيات، لافتةً إلى أن المئات من العاملات والعاملين فيها باتوا بلا دخل، في حين انقطعت الخدمات الحيوية التي كانت تقدمها الجمعيات للنساء المعنفات مثل مراكز الإيواء، والاستماع، والمرافقة النفسية والقانونية. 

وأضافت "هذه المنظمات كانت تسدّ فراغاً واضحاً في مؤسسات الدولة، وتوفر الدعم الاجتماعي والاقتصادي لضحايا العنف الأسري والجنسي، واليوم تُغلق أبوابها بقرار إداري مفاجئ".

وانتقدت الصحفية والناشطة في المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية ريم السعودي القرار، مؤكدة أن تعليق الجمعية التونسية للنساء الديمقراطيات أدى إلى تجميد مراكز الإنصات والاستماع لضحايا العنف، وهو ما جعل مئات النساء دون مرافقة قانونية أو نفسية في مسار التقاضي. 

وقالت: "الدولة لا توفر بديلاً حقيقياً، وخدماتها في هذا المجال منقوصة للغاية، ما يعني أن النساء تُركن اليوم في مواجهة مصير مجهول بلا حماية ولا دعم".

تهديد لمكتسبات المرأة

يُذكر أن تونس تُعد من الدول العربية الرائدة في مجال حقوق المرأة منذ صدور مجلة الأحوال الشخصية عام 1956 التي ألغت تعدد الزوجات ومنحت المرأة حق الطلاق والمساواة القانونية، لكن مراقبين يرون أن قرارات تقييد نشاط الجمعيات النسوية تعيد البلاد إلى مربع الخوف والرقابة، وتُضعف واحدة من أبرز ركائز التجربة الديمقراطية التي تميزت بها تونس بعد ثورة 2011.

وأكدت الناشطات أن استمرار تعليق أنشطة الجمعيات سيقوّض المكتسبات التاريخية للنساء التونسيات، داعيات إلى رفع القرار فوراً وإطلاق حوار وطني يضمن حماية المجتمع المدني واستقلاليته، باعتباره شريكاً أساسياً في بناء الدولة الديمقراطية وصون الحريات العامة والخاصة.



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية